تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
بعد التوترات الأخيرة التي شهدتها العلاقة بين الطرفين
ما هي إمكانية نشوب مواجهة عسكرية جدية بين أفغانستان وباكستان؟
ولكن هل تحققت أهداف باكستان المذكورة بعد ثلاث سنوات من حكم طالبان، وهل أصبحت أفغانستان طالبان أكثر اعتماداً على باكستان من ذي قبل؟ في حال تحقق ذلك، كيف يمكن تفسير التوترات الأخيرة بين باكستان وطالبان، وما مستوى هذه التوترات؟
تاريخ العلاقات بين أفغانستان وباكستان
من بين جيران أفغانستان، تمتلك باكستان التأثير الأكبر على التطورات الاستراتيجية في أفغانستان، وذلك بسبب وجود حدود مشتركة تبلغ حوالي 2400 كيلومتر، ونفوذها بين قبائل البشتون أكبر وأكثر المجموعات العرقية تأثيراً في أفغانستان، وعلاقاتها مع الجماعات المتطرفة في هذه المنطقة. أفغانستان وباكستان جاران ظلت الخلافات تلقي بظلالها على علاقاتهما باستمرار. حدثت أول مواجهة بين باكستان وأفغانستان عند تأسيس باكستان، عندما امتنعت أفغانستان عن الاعتراف بباكستان في الأمم المتحدة وصوتت ضدها.
لم تعترف أفغانستان بخط ديوراند الحدودي واعتبرت جزءاً من أراضي باكستان في ولايتي بلوشستان وخيبر بختونخوا الحاليتين تابعاً لها. في الواقع، كانت المعارضة لخط ديوراند والمطالبات الإقليمية الأفغانية تجاه باكستان أولى شرارات هذه الخلافات التي لا تزال تؤثر على علاقات البلدين حتى اليوم.
في السنوات الأخيرة، تراجعت أهمية مسألة خط ديوراند الحدودي لباكستان لصالح العمق الاستراتيجي العسكري، ثم العمق الاستراتيجي السياسي والجيو-اقتصادي. حالياً، تقول باكستان في سياساتها المعلنة إنها تنظر إلى أفغانستان كعمق استراتيجي سياسي وجيو-اقتصادي. العمق الاستراتيجي السياسي لباكستان يعني إزالة النفوذ الهندي في أفغانستان، والعمق الجيو-اقتصادي يعني الوصول إلى دول آسيا الوسطى عبر أفغانستان وتعزيز موقع باكستان في المسار الشمالي-الجنوبي.
العلاقة في الوقت الحالي
بعد وصول طالبان إلى السلطة، كان لدى باكستان توقعات كبيرة لزيادة نفوذها في أفغانستان، لكن ظهور أزمات سياسية واجتماعية وأمنية - معظمها من حركة طالبان باكستان (TTP) والبلوش - دفع جزءاً من النظام الباكستاني إلى إدراك العواقب.
حاولت الحكومة الباكستانية بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، من خلال مفاوضات متعددة مع قيادات طالبان العليا، منع تدفق المشكلات الأمنية والاجتماعية (اللاجئون الأفغان) والاقتصادية إلى باكستان. لكن عوامل مثل زيادة نشاط طالبان باكستان والانفصاليين البلوش، وانخفاض التبادل التجاري بين البلدين، وطرد أكثر من نصف مليون مهاجر أفغاني غير شرعي من باكستان، واشتباكات حدودية متكررة، وفرض قيود على حركة المواطنين الأفغان إلى باكستان، أدت إلى عدم تحسن العلاقات وتوترها في الوقت الحالي.
احتمالية نشوب خصومة جدية
رغم أن العلاقات بين طالبان وباكستان بعد وصول الحركة إلى السلطة في عام 2021 كانت متوترة بشكل عام، إلا أن هذه التوترات ظلت على المستوى التكتيكي. على المستوى الاستراتيجي، نشهد علاقات وثيقة بين بعض قيادات طالبان العليا والباكستانيين. هذه العلاقات تؤثر على السياسات المعلنة والفعلية لطالبان تجاه باكستان.
نظراً للطبيعة التكتيكية لهذه التوترات، والأسباب التي سنذكرها لاحقاً حول ضرورة تدخل باكستان في أفغانستان، من غير المرجح أن تتصاعد هذه التوترات إلى مواجهة جدية. من جانب آخر، تحتاج حكومة طالبان إلى باكستان لاستمرار بقائها، بغض النظر عن علاقتها الوثيقة التي استمرت ثلاثة عقود.
أسباب حاجة باكستان لأفغانستان
- استغلال قدرات أفغانستان (العمق الاستراتيجي) في مواجهة الهند.
- إدارة الجماعات شبه العسكرية المعارضة للحكومة الباكستانية في أفغانستان.
- الحاجة الاستراتيجية للموارد المائية الأفغانية.
- الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية والعبور.
- كسب امتيازات من المنظمات الدولية والدول الإقليمية والدولية.
- كسب رضا بعض الجماعات الإسلامية الباكستانية.
- إدارة قضية البشتون والخلافات الحدودية.
أسباب حاجة أفغانستان وطالبان لباكستان:
- عدم وصول أفغانستان للمياه المفتوحة واحتياجات العبور.
- قدرة باكستان على استخدام جماعات متطرفة كورقة ضغط.
- حاجة حكومة طالبان لداعم سياسي إقليمي ودولي.
- الاعتماد الاقتصادي على باكستان والصين.
- استمرار إقامة عائلات العديد من مسؤولي طالبان في باكستان.
- نفوذ الاستخبارات الباكستانية.
- وجود أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني في باكستان.
الحاجة المشتركة
- العلاقات الوثيقة بين علماء الدين الباكستانيين وطالبان.
- القرابة العرقية وترابط البشتون في البلدين.
- وجود 2400 كم من الحدود المشتركة وما يترتب عليها من فرص وتهديدات.
كانت العلاقات بين طالبان وباكستان وثيقة وعميقة منذ نشأة الحركة حتى عودتها للسلطة عام 2021. بعد تشكيل حكومة طالبان الثانية، تصاعدت التوترات لعدة أسباب. لكن نظراً للتاريخ الطويل من العلاقات والحاجات المتبادلة، لا تبدو التوترات الأخيرة عميقة (مستوى تكتيكي) ومن غير المحتمل أن تنهي العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين. وما لم يتدخل عامل خارجي (دول إقليمية أو دولية)، فإن احتمال تعميق التوترات وبدء مرحلة مواجهة عسكرية جدية بين أفغانستان تحت حكم طالبان وباكستان يبدو غير محتمل في الوقت الحالي.