هكذا حاول الكيان الغاصب الانقلاب على انتصار المقاومة!
علي عوباني
سواء اتفقت مع نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد أو اختلفت معه، ثمة حقائق تاريخية لا يمكن لأحد إغفالها أو إنكارها، أولها أن هذا النظام على علّاته وما يؤخذ عليه اليوم حتى من دول تفوقه سوءًا، هو الوحيد الذي وقف إلى جانب المقاومة وقضية فلسطين ورفض التسليم لـلكيان أو التطبيع معه، وقت مدت فيه العديد من الدول العربية يدها له، ولو فعل كما فعلت وباع القضية لكان نصب حاكمًا بأمره، وكيل المديح في حقه ولما كان ثمة «ثورة» ولا «معارضة» ولا «قانون قيصر» ولا حصار على سورية ولا من يحزنون.
في المقابل، لم يكن موقف المقاومة إلى جانب النظام السوري السابق لمصالحه الذاتية السلطوية، فلمن لا يعرف المقاومة، منطلقاتها دومًا وأبدًا ومواقفها تنطلق من اعتبارات موضوعية وليست شخصية ولا طائفية أو مذهبية، من حفظ نهج المقاومة وقدرتها ومداها الحيوي لدعم قضيتها المركزية (فلسطين) وهي لم تحد عن هذا الخط منذ انطلاقتها، مذ ساندت في أقصى الأرض مسلمي البوسنة، وذهبت بخيرة شبانها وقادتها، لنصرتهم كمستضعفين بوجه الظلم الذي تعرضوا له.
منذ انطلاقة المقاومة كان موقفها واضحًا وضوح الشمس وقفت ناصرًا ومساندًا ومعينًا لفلسطين يوم قلّ الناصر والمعين، وتفاعلت مع قضيتها حربًا ولم تجنح للسلم والسلام المدعى في أوسلو ومدريد، قاومت شرم الشيخ وكل مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية بمسمياتها المتعددة خلال 44 عامًا، ودعمت بالسلاح والمال والخبرة وبكل ما أوتيت من قوة انتفاضة الشعب الفلسطيني بعد تحرير عام 2000 وأمدته بالسلاح والذخيرة وقدمت أول شهدائها على طريق القدس وفلسطين من خيرة قادتها ومنهم الشهيدين علي صالح وغالب عوالي وغيرهم الكثير.
وإذا كانت تداعيات تحرير العام 2000 أثمرت انتفاضة فلسطينية ثانية، فإن حرب تموز ٢٠٠٦ والتي شكلت فيها سورية خط إمداد أساسي للمقاومة بالسلاح الذي مكنها من تحقيق الانتصار الإلهي الكبير، أنعشت آمال الفلسطينيين بالقدرة على التغلب على الجيش الذي لا يقهر، فراحوا يبنون قدراتهم في الضفة وغزة وخاضوا جولات من المواجهات ما بين 2008 و2023، وصولاً لـ«طوفان الأقصى» 7 أكتوبر/2023، ودخول المقاومة اللبنانية منذ اليوم التالي في معركة إسناد ونصرة غزة، ومجددًا كانت سورية خط المدد للمقاومة في حربها التي خسرت فيها خيرة شبابها وأرفع قادتها على طريق القدس وبقيت وحيدة إلى جانب بعض شرفاء الأمة متمسكة بإسناد غزة ونصرتها ولم تتراجع حتى حققت نصراً جديداً. لكن ما الذي حصل في اليوم التالي؟!
ما حصل أن الكيان سارع لمحاولة الانقلاب على انتصار المقاومة، فاستغلت اللحظة التاريخية فور سقوط نظام الأسد مباشرة لتحقيق أمرين: الأول قطع خط إمداد المقاومة، والثاني الانقضاض على كل مقدرات الجيش السوري وترسانته الإستراتيجية وذهبت باتجاه اجتياح مساحات شاسعة من سورية لفرض منطقة أمنية عازلة في ظل صمت رسمي عربي وانغماس المعارضة السورية بنشوة انتصارها بتغيير النظام.
ألا يثبت كل ما جرى حتى الآن صحة موقف المقاومة التي لطالما حذرت من الأطماع «الإسرائيلية».. وأن ما يحصل وما تتحدث عنه جميع تحليلات الإعلام المطبع عن خسارة خط إمداد المقاومة بالسلاح المخصص لصدر العدو ولدعم فلسطين هو هدف أميركي «إسرائيلي» مشترك لإضعاف المقاومة في لبنان وفلسطين، وأنها بيت القصيد والهدف من وراء كل ما حصل.
تاريخياً كانت سورية ومصر المجاورتان لفلسطين داعمتين لقضيتها، حتى خرجت مصر أنور السادات من الصراع ووقعت اتفاق «كامب ديفيد» ومنذ ذلك الحين حملت منظمات المقاومة لواء تحرير فلسطين بمساندة سورية التي صحيح أنها لم تنخرط مباشرة في الحروب التي كانت تخاض على لبنان وفلسطين إلا أنها خصصت موقعها «الجيوسياسي» لدعم ومساندة حركات المقاومة، فكانت تستضيف قادتها من حماس والجهاد ودفعت أثماناً باهظة، والجميع يذكر ورقة البنود العشرة التي حملها كولن باول وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس بوش الابن للرئيس الأسد بعد سقوط النظام الصدامي في نيسان عام ٢٠٠٣، والتي رفضها الأسد وكان جوهرها التخلص من حركات المقاومة.
اليوم، ليس هناك من ينازع القوى السورية المختلفة على السلطة وشكل الحكم الجديد، لكن أمامها قراءة واضحة للمشهد ولمستقبل سورية الجديدة وتحديات جدية، أولها أن تحفظ وحدة سورية وسيادتها وموقعها من الصراع، وألا تكون ورقة بيد التركي أو الأميركي تستخدم لتحقيق أمن الكيان وإضعاف خاصرة المقاومة الأمل الوحيد المتبقي لفلسطين وشعبها.
منطق الأمور وتطور الأحداث يقولان، إن التحدي الأساسي أمام الشعب السوري هو الحفاظ على وحدته وهويته وسيادة أرضه، وألا يترك سورية تضيع في مهب لعبة الأمم، وألا يدع اللاعبين الدوليين الكبار من حوله يتقاذفون بها لحماية مصالحهم وأمنهم القومي على حساب مصالحه وأمنه الذاتي بالحد الأدنى.