متخصصة لبنانية في علم النفس للوفاق:
”إرهاق التعاطف”.. الوجه الخفي لتأثير الأزمات العالميّة على المجتمعات
«إرهاق التعاطف» يرتبط بشكل كبير بتأثير الأزمات العالميّة التي تتوالى بشكل متسارع، ما يجعل الموضوع أكثر شمولًا وترابطًا مع الأحداث الحاليّة. وهو حالة من الإنهاك العاطفي والنّفسي التي تُصيب الأفراد نتيجة التعرّض المستمر للقصص المؤلمة والمعاناة المتكررة وللتجارب القاسيّة، خاصةً في ظل الأزمات سوء كانت محليّة، دوليّة أو عالميّة التي تزداد تعقيدًا وتتابعًا. هذا الإرهاق ليس مجرد إستنزاف عاطفي، بل هو إنعكاس لتأثير الأزمات على وعينا المجتمعي. فقدرة الناس على الإستمرار في العطاء والإهتمام تتضاءل أمام حجم المعاناة المتزايدة والمتصاعدة حدة ووتيرة، ما يجعلهم يدخلون في دائرة من الإنهاك الشعوري والإنفعالي وهذا يؤثر على نظرتهم للعالم وعلى شغفهم بالعيش وتفاعلهم مع الأحداث، في هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الدكتورة اللبنانية رُلى فرحات وفيما يلي نصه:
سهامه مجلسي
التأثيرات العميقة لإرهاق التعاطف في السياق العالمي
تؤكد الدكتورة رُلى فرحات ترتبط ظاهرة إرهاق التعاطف بشكل كبير بالأحداث الجاريّة، خاصّة في ظل تصاعد وتيرة الأزمات وإمتدادها السّريع بصورة تجعل المشاعر الإنسانيّة الفطريّة غير قادرة على مواكبة هذا التحدّي المستمر. ففي ظل الحروب المتكررة والممتدّة في مناطق متعددة، تترافق صور الدمار والخراب والقتل وضحايا النزاعات مع تغطية إعلاميّة واسعة وسريعة من السلبيّة، مما يزيد من أثرها النفسي والفكري. فتتضخم مشاعر القلق والتوتر والخوف لدى الأفراد وتتشوه المعتقدات وصورة الذّات، بينما يتضاءل الشعور بالإيجابية تجاه إمكانية التحسين أو التغيير، وهنا يُصاب الإنسان بالعجز
وتعتريه مشاعر الإستسلام.
من ناحية ثانيّة، فإنّ إرهاق التعاطف يؤدي إلى تراجع القدرة على التّفاعل الإجتماعي، حيث يفضّل الأفراد تجنب التواصل مع الآخرين، خشية أن يعيدوا تجاربهم العاطفيّة المؤلمة وكأنّهم يختبرون أعراض اضطراب ما بعد الصّدمة وما يُرافقه من تداعيات جسديّة وفكريّة ونفسيّة. هذا الإنكفاء عن التواصل يُعمّق الشعور بالعزلة ويُعزّز الميل إلى التّهرّب من المواقف التي تتطلب عطاءً عاطفيًا إضافيًا سواء كان ذلك ضمن العائلة الواحدة أو بين أفراد المجتمع. هذه الأزمات المتسارعة، كما حصل بدءًا من غزة وصولًا إلى لبنان وسوريا، تجعل هذا الإرهاق متصاعدًا في الوتيرة، حيث لا تتاح الفرصة للنّاس بإستيعاب حدث مؤلم قبل أن يجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهة آخر، فيستقر هذا التعب داخلهم ويخلق جدارًا من اللامبالاة النفسيّة، التي تُضعف من نسيج المجتمع وقدرته على التماسك، كمان نقول: خارت قواهم!!
التأثير على مستوى السياسات العالمية وتوجيه الرأي العام
تؤكد فرحات ان ظاهرة إرهاق التعاطف تُعدّ عاملًا مؤثرًا على القرارات السياسيّة وتوجيهات الرأي العام. فحين يفقد الأشخاص قدرتهم على الإهتمام بمصير الآخرين، تتضاءل المطالبات بإتخاذ إجراءات إنسانيّة لمواجهة الأزمات لأنّهم أصبحوا في نشوة من الإرهاق والتعب والعجز، يُصيبهم الجمود العاطفي وتبلد المشاعر، وهو أمر خطير على الصعيد الخاص والعام. هنا تأتي الفرصة الذهبيّة فتتدخل السياسات العالميّة لإستغلال هذه اللامبالاة إستغلالًا سيّئًا لهذه الفجوة العاطفيّة في تنفيذ أجندات تتجاهل الأبعاد الإنسانيّة، ما يجعل حكومات وأطرافًا خفيّة تسعى للهيمنة أكثر ولتحقيق أهدافها بدون رقابة حقيقيّة، والأخطر أن الشعوب تنصاع طوعًا وقصرًا لهذه المتغيّرات السلبيّة سواء كان ذلك عن وعي أو لا وعي، لأنه ببساطة يُصابون بحالة من الشلل الفكري وقصر النظر وضعف البصيرة. كيف لا؟! ويُصبح شغلهم الشّاغل رغيف الخبز لعيالهم فتسقط الأهداف وتضمحل الطموحات ويستشري الوهن.
وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى دور حكومة العالم الخفيّة أو السلطة العالميّة التي تتحكم في صناعة القرارات والسياسات الدوليّة من إقتصاديّة وسياسيّة وإجتماعيّة وحتى تربويّة تُسهّل التلاعب بالشعوب الضّعيفة وتوجيهها حيث ترى مصالحها.
ما هي حكومة العالم الخفيّة؟
وتشير الدكتورة فرحات الى ان «حكومة العالم الخفية» هو مصطلح يشير إلى فكرة وجود مجموعة صغيرة من الأشخاص أو المنظمات القويّة التي وبشكل سري تتحكّم في شؤون العالم وتسير الأحداث العالمية من وراء الكواليس. هذا المفهوم يأتي ضمن نظريات المؤامرة التي تزعم بأن هناك شبكة خفية من النخب السياسيّة، الإقتصاديّة، والإجتماعيّة التي تسيطر على القرارات الكبرى وتوجهها لتحقيق مصالحها الخاصّة، بعيدًا عن الرقابة العامة والمساءلة الديمقراطيّة.
هذه الفكرة تتنوع في التفاصيل حسب السياق، لكنها غالبًا ما ترتبط بأسماء منظمات عالميّة مثل «نادي بيلدربيرغ»، «مجموعة العشرين»، أو حتى نظريات تتحدث عن العائلات ذات النفوذ المالي مثل عائلة «روتشيلد» أو «روكفلر». ويشير المؤيدون لهذه النظرية إلى أن هذه الجهات تتحكم في الإقتصاد العالمي، توجّه الحروب، وتقود الحكومات والسياسات الدوليةّ لتحقيق أهداف إستراتيجيّة تصب في مصالح النخبة.
بطبيعة الحال، ينقسم الناس حول مدى صحة هذه النظريات، فالبعض يعتقد بوجود هذه الحكومة الخفيّة بناءً على شواهد تُفسر ضمنيًا، مثل تحكم مجموعات الضغط والمصالح الضخمة في قرارات السياسة العالميّة، بينما يراها آخرون مجرد أساطير أو مبالغات لا تستند إلى دلائل واضحة وتُعتبر جزءًا من الهواجس الناتجة عن تعقيدات النظام العالمي وتنامي عدم الثقة في الحكومات والمؤسسات الرسميّة.
هذه النظريات قد تكون مدفوعة بالشعور بأن السيطرة على العالم تتجاوز حدود ما يُرى على السطح في السياسة العلنيّة، وتستند إلى الرغبة في البحث عن تفسير للأحداث المعقدة التي تتجاوز قدرة الفرد على الفهم، مثل الأزمات الاقتصاديّة، الحروب، أو التغيرات السياسيّة المفاجئة أو حتى بعض الكوارث الطبيعيّة المفتعلة مثل الزلازل وما ينشأ عنها من تغيّرات وتداعيات تتوافق مع جوهر أهداف الحكومة الخفيّة.