خبير تربوي سياسي لبناني للوفاق:
الذكاء الاصطناعي عدوٌ للتعليم في ظل هيمنة ثقافية رقمية غربية
في عصرٍ تسوده التغيرات التكنولوجية السريعة، يتصدر الذكاء الاصطناعي قائمة النقاشات الجدلية حول مستقبل التعليم والتربية على الصعيدين العلمي والمجتمعي بين وعودٍ بخلق مستقبلٍ أكثر تقدماً وسلاسة، ومخاوفَ من التأثير السلبي على أسس التعليم، والهوية، والثقافة. يُعتبر الذكاء الاصطناعي، بقدر ما يثير من آمال وتطلعات، مصدراً للقلق والأسئلة العميقة حول كيفية تأثيره على الإبداع والحرية الفكرية. من هنا، يطرح الخبراء تساؤلات محورية: هل يُعتبر الذكاء الاصطناعي صديقًا يسهم في تحسين العملية التعليمية وتعزيز فرص التعلم والتفاعل، أم عدوًا يهدد بجعل التعلم ذاتيًا وبعيدًا عن دور المعلم، يهدد القيم التربوية والإبداع؟ وفي إطار هذا الحوار، نستكشف التحديات التي يواجهها التعليم في ظل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ومدى قدرته على احترام الاختلافات الثقافية والدينية في ظلّ تنامي العولمة الرقمية، وتأثير ذلك على الهوية العربية والإسلامية،هذه التساؤلات وغيرها سنطرحها مع الخبير التربوي والسياسي اللبناني الدكتور ماجد جابر، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
الذكاء الاصطناعي والتربية والتعليم
قال الدكتور ماجد جابر:" واقع الذكاء الاصطناعي يشهد في مجال التربية والتعليم تطورًا متسارعًا على مستوى العالم حيث تبرز التطبيقات المختلفة للذكاء الاصطناعي كأداة هامة لتحسين وتطوير العملية التعليمية، مما يجعل التعليم أكثر تفاعلية ومتعة. ويتجلى هذا الواقع عبر استخدام تطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين التجربة التعليمية عبر تعزيز تفاعل الطلاب مع المحتوى التعليمي عبر تكنولوجيا الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، وكذلك في إتاحة التعلم المخصص والفردي للتلامذة عبر تصميم تجارب تعليمية تلبي احتياجات كل منهم على حدة، لتعزيز مهاراتهم واستيعابهم. كما تلعب تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي دورًا إسهاميًا في إدارة المعرفة، عبر تسهيل توليد وتخزين ومشاركة المعرفة بين المعلمين والطلاب، وفي دعم الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة لمساعدتهم على التعلم والاندماج في البيئة التعليمية. وفي بعض الدول المتقدمة، بات الذكاء الاصطناعي يُستخدم كمدرس افتراضي أو مساعد تعليمي من خلال تقنيات محددة مثل روبوتات المحادثة (Chatbots)، والأنظمة الذكية التي توفّر الدعم والإجابة على استفسارات الطلاب على مدار الساعة، مما يُخفف العبء على المعلمين، ويعزز من التعلم الذاتي وأسلوب التعلم عن بعد. هذا وقد أحرز الذكاء الاصطناعي تطورًا لافتا في مجال أنظمة التقييمات الذكية التي تتيح تحليل أداء الطلاب بشكل دقيق تظهر نقاط القوة والضعف، ما يسمح للمعلمين بتوفير الدعم المستهدف والفردي لكل طالب، وكذلك في تطبيقات المساعدة التعليمية، التي تساعد الطلاب في الحصول على معلومات سريعة وحل المشكلات التعليمية بشكلٍ فوري. كما بدأ العديد من الدول تطوير وتحسين مناهجها عبر الذكاء الاصطناعي واستقراء وتحليل البيانات الخاصة بسلوك الطلاب (مثل الأداء الأكاديمي ومستوى الاستيعاب) وتحليل الأنماط التعليمية، وذلك لتصميم مسارات تعليمية تناسب احتياجاتهم الفردية وتحسين جودة التعليم، وجعل المناهج أكثر ملاءمة لاحتياجات الطلاب ومتطلبات سوق العمل عبر تقديم توجيه أكاديمي شخصي لهم. هذا فضلًا عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الموارد اللازمة للتدريب والتطوير المهني للمعلمين، حيث يمكن للذكاء الإصطناعي تقديم محتوى تعليمي متطور وحديث في مجال التدريس، وفي ابتكار أساليب تعليمية جديدة مثل التعلم التفاعلي، التعلم المعتمد على المشاريع، والتعلم المدمج، إلى جانب استخدامه في إدارة العملية التعليمية عبر أتمتة المهام الإدارية، مثل إدارة الجداول الدراسية، وتقييم الطلاب، وتصحيح الاختبارات. وتسجيل الطلاب وإدارة المواعيد".
عربياً... في طور النمو
يشير الدكتور جابر: "أن مستوى الدول العربية، في مجال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم يمر بمرحلة النمو والتطور، وفي مراحله الأولى، خصوصًا أن المدارس والجامعات في غالبية الدول العربية تفتقر إلى البنية التحتية التكنولوجية اللازمة، مثل الإنترنت السريع وأجهزة الحاسوب الحديثة، إلى جانب أن النسبة الأكبر من التطبيقات لا تحاكي اللغة العربية، وتنحصر في لغات أخرى فقط، مما يجعل تطبيق الذكاء الاصطناعي محدوداً، أو يكاد يكون معدومًا في بعض الدول، دون أن ينفي ذلك وجود جهود متزايدة لاعتماده في تحسين جودة التعليم وتطوير المناهج، ولكن مع وجود تفاوت كبير في مستوى التقدم بين دولة عربية وأخرى. وتتجلى استخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم في الدول العربية عبر استخدام منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم تجربة تعليمية مخصصة للطلاب، وفي استخدام روبوتات الدردشة التفاعلية لتحسن المحتوى التعليمي، وتعزيز التعلم الذاتي، خاصة في المجالات العلمية واللغوية، وكذلك في أتمتة تقييم الامتحانات وتصحيحها، وإدارة بيانات الطلاب، وفي انتاج محتويات رقمية ( صور – فيديوهات – عروض – نصوص-....) لتحسين العلمية التعليمية التعلمية".
هيمنة ثقافية تربوية غربية
فيما يتعلق بوضع برنامج تربوي موحد لا يراعي الاختلافات الدينية والثقافية، يقول الدكتور جابر:" هناك مخاوف حقيقية من أن برامج الذكاء الاصطناعي، قد تساهم في تقديم برامج تربوية موحدة لا تراعي هذه الاختلافات، والتي قد ينجم عنها فقدان الهوية الثقافية والدينية أمام النماذج العالمية المصممة من دول معينة لفرض الثقافة الغربية على المجتمعات الأخرى، مما يُحدث نوعًا من "الهيمنة الثقافية الرقمية"، وبالتالي رفض المجتمعات الأخرى للتقنيات الجديدة باعتبارها تهديدًا لهوياتهم وثقافاتهم، وإقصاء الطلاب من التعليم في حال كانت البرامج التعليمية غير متوافقة مع القيم المحلية، إذ قد يشعر الطلاب بعدم الانتماء، مما يؤثر على دافعيتهم واستيعابهم. لكن هذه المخاوف ليست حتمية، وتعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يتم بها تصميم وتطبيق الأنظمة الذكية. ويمكن أن نعزو الأسباب التي تؤدي إلى توحيد المناهج عبر برامج الذكاء الاصطناعي إلى طبيعة الذكاء الاصطناعي العالمية، إذ يتم تطوير هذه البرامج غالبًا في دول غربية أو مؤسسات عالمية تعتمد قيمًا وأطرًا ثقافية معينة. إذا تم اعتماد هذه البرامج دون تخصيصها لتلبية احتياجات المجتمعات المتنوعة، قد تفرض رؤى أو مناهج تعليمية موحدة لا تراعي التنوع الديني والثقافي. كما أن اعتماد الذكاء الاصطناعي على مصادر بيانات عالمية يتعلم منها، ويتدرب عليها، قد يؤدي إلى توحيد المناهج إذا كانت هذه البيانات تعكس ثقافة أو قيمًا معينة دون مراعاة للتعددية، فقد تُنتج أنظمة تعليمية تقدم رؤى ضيقة لا تعكس تنوع الثقافات والهويات، هذا فضلًا عن ضغوط العولمة لتبني مناهج وبرامج تعليمية متشابهة عالميًا لتلبية متطلبات سوق العمل الدولي، مما يؤدي إلى تهميش الخصوصيات الثقافية والدينية لصالح برامج موحدة. أضف إلى ما تقدم، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تركز على تقديم حلول تعليمية سريعة وفعالة، لكنها قد تهمل التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالثقافات المحلية والقيم المجتمعية، أي أنها تركز على الكفاءة على حساب التنوع، إلى جانب أن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على الإنجليزية كلغة أساسية في تطوير المحتوى الرقمي، وهذا قد يضع اللغات الأخرى في موقف ضعف، ويعزز اللغة والثقافة الإنجليزية عالميًا."
في المقابل أيضاً، يُرجح الدكتور جابر أنه:" في حال تم تطوير الذكاء الاصطناعي بشكلٍ كبير، أن يكون مرنًا لتلبية الفروقات الثقافية والدينية والتعددية المجتمعية عبر تصميم أنظمة تخصصية تأخذ في الاعتبار الخلفيات الدينية والثقافية عند تصميم البرامج التعليمية، مما يجعلها أكثر ملاءمة للبيئات المختلفة، بحيث يمكن على سبيل المثال توفير برامج تعليمية متوافقة مع القيم الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، وبرامج أخرى تناسب المجتمعات ذات القيم الليبرالية أو العلمانية. كما أن انتشار البرامج ونجاحها الفعّال يحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار السياق الاجتماعي والثقافي للمتعلمين والمستخدمين. فإذا تجاهلت برامج الذكاء الاصطناعي ذلك، فإنها ستفشل في تحقيق أهدافها التعليمية والتجارية، ولكن كل ذلك يحتاج جهود كبيرة لتحقيقه خصوصاً أن النجاح في هذا المجال يعتمد على توازن دقيق بين توحيد المعايير العالمية والحفاظ على الخصوصية الثقافية والدينية لكل مجتمع، خصوصًا في ظل المنافسة بين القوى العالمية التي لم تعد تقتصر على الجانب التقني فقط، بل تمتد إلى المجال الثقافي. الصين، على سبيل المثال، تعمل على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تعكس هويتها الثقافية، مما يحد من سيطرة الثقافة الغربية على مجتمعها.