تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في ظل علاقتها القوية بالنظام السابق
ما هي السياسة التي تتبعها الهند في أفغانستان بعد تسلم طالبان للحكم؟
وقد بلغت هذه العلاقات ذروتها بتوقيع اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية بين أفغانستان والهند". غير أن سقوط كابل في يد طالبان شكّل نهاية هذه الصداقة والشراكة الاستراتيجية، مما أدى إلى تبدد جميع استثمارات الهند وأهدافها في أفغانستان. وعلى عكس دول الجوار الأفغاني ودول المنطقة الأخرى، كانت الهند من الدول التي أغلقت سفارتها وقنصلياتها في أفغانستان فور سقوط كابل، وأجلت جميع موظفيها ومواطنيها منها.
وبطبيعة الحال، كان سبب هذا الإجراء هو الخوف من طالبان، وهو خوف متجذر في المعارضة التي استمرت نحو ثلاثين عاماً بين طالبان والهند. ويعود أصل هذه المعارضة إلى دعم الهند لتحالف الشمال ضد طالبان، وهو في الواقع معارضة الهند للجماعة المدعومة من باكستان - طالبان أفغانستان.
فما هو النهج الذي اتخذته الهند بعد خسارتها المطلقة أمام منافستها باكستان إثر وصول طالبان إلى السلطة؟ يظهر تحليل سياسة الهند على مدى ثلاث سنوات أنها اتبعت سياسة براغماتية متعددة المراحل في تعاملها مع طالبان، تشمل سياسة المراقبة ودبلوماسية المساعدات، والتقدم خطوة بخطوة مع طالبان نحو بناء الثقة، وأخيراً تأمين العلاقات وإقامة تفاعل إيجابي وبنّاء مع حكومة طالبان.
سياسة المراقبة ودبلوماسية المساعدات
رغم أن الهند لم تتوقع عودة طالبان إلى السلطة بهذه الطريقة، إلا أنه كان من المتوقع - في ضوء المفاوضات الأمريكية مع طالبان - أن تشكل هذه الحركة على الأقل جزءاً من هيكل السلطة المستقبلي في أفغانستان. ولذلك، سعت الهند إلى فهم أفضل لتوجهات طالبان من خلال إرسال شخص على دراية بالشؤون الأفغانية كسفير للهند في قطر.
كما أجرت بعثة هندية - على الأرجح بوساطة قطرية - اتصالات هادئة مع مكتب تمثيل طالبان في قطر قبل عدة أشهر من سقوط كابل. ومع ذلك، وبسبب عدم اليقين وغياب الثقة المضمونة، انسحبت الهند في البداية من أفغانستان واتبعت سياسة مراقبة وتقييم طالبان، متبعة هذه السياسة بحذر شديد لتجنب التدخل في الشؤون الأفغانية أو اتخاذ موقف معين من القضايا الداخلية للبلاد.
ومع فهمها الصحيح للوضع في أفغانستان، اختبرت الهند رد فعل طالبان من خلال إرسال القمح والأدوية إلى أفغانستان، لإظهار حسن نية نيودلهي تجاه أفغانستان. وقد اعتُبر الترحيب الحار وقبول المساعدات بصدر رحب من قبل طالبان، مع تطلعها لاستمرارها، إشارة إيجابية من طالبان للهند، مما دفع الهند إلى الالتزام بإرسال المزيد من شحنات القمح إلى أفغانستان.
نجحت دبلوماسية المساعدات لأفغانستان في فتح قناة اتصال بين نيودلهي وكابل، مما مهد الطريق لعودة الهنود إلى أفغانستان. ونتيجة لذلك، أعادت الهند فتح سفارتها في كابل بعد حوالي عام من إغلاقها، من خلال إرسال ما سُمي بـ "الفريق التقني". ورغم أن وزارة الخارجية الهندية أعلنت أن هدف هذا الفريق التقني هو "مراقبة وتنسيق تقديم المساعدات الإنسانية ودراسة كيفية دعم الشعب الأفغاني"، إلا أن مشاورات هذا الفريق في كابل والزيارة الأخيرة للوفد الهندي برئاسة جي بي سينغ، السكرتير المشترك لوزارة الخارجية الهندية لشؤون أفغانستان وإيران وباكستان إلى كابل، كانت محاولة لإعادة بناء العلاقات الجديدة بين نيودلهي وكابل، وشكلت مقدمة لعودة الهند السياسية إلى أفغانستان وإقامة علاقات رسمية بين البلدين.
تحرك تدريجي
على الرغم من الذهنية السلبية الناتجة عن المنظور التاريخي والسلوكيات المتعارضة، والتي جعلت الطرفين متشككين بشدة تجاه بعضهما البعض، إلا أن الهند تمكنت من كسب موافقة طالبان من خلال اتخاذ خطوات بناءة نحو بناء الثقة.
وقد أظهر تحليل نهج الهند تجاه طالبان أن نيودلهي قد تبنت استراتيجية المصالحة مع طالبان والعودة إلى أفغانستان. فبالإضافة إلى استخدام دبلوماسية المساعدات في الميدان، اتخذت الهند موقفاً وخطاباً إيجابياً تجاه طالبان في الفضاء الخطابي، وتجنبت إظهار موقف انتقادي تجاه حكومة طالبان.
من جانبهم، وباستثناء تصريحين معاديين للهند من عباس ستانكزي، أحد كبار المفاوضين من طالبان في قطر والذي أصبح لاحقاً نائب وزير الخارجية في حكومة طالبان، لم يتخذ باقي مسؤولي طالبان مواقف سلبية ضد الهند وأكدوا باستمرار على إقامة علاقات ودية مع دلهي. وقد تحدث الملا محمد يعقوب، وزير دفاع طالبان، في مقابلة مع قناة تلفزيونية هندية، عن استعداده لإقامة علاقات دفاعية وعسكرية مع الهند في حال إقامة علاقات سياسية بين كابول ونيودلهي. كانت هذه الرسالة من أعلى مسؤول عسكري في طالبان بمثابة رد مقنع لنيودلهي بأن وجود طالبان في أفغانستان لن يشكل خطراً على الهند ومصالحها، بل إن كابول مستعدة للتعاون في معالجة المخاوف الأمنية للهند. والأمر المثير للدهشة هو أن طالبان أظهرت عملياً خلال السنوات الثلاث الماضية أن نظرتها للهند تكاد تكون مستقلة عن تأثير باكستان.
ونتيجة لعملية بناء الثقة هذه والسلوك حسن النية، أرسلت دلهي جي بي سينغ، السكرتير المشترك لوزارة الخارجية الهندية لشؤون أفغانستان وإيران وباكستان، إلى كابول لإجراء مفاوضات لتطوير التفاعل والعلاقات. والتقى سينغ خلال زيارته مع أمير خان متقي وزير الخارجية والملا يعقوب مجاهد وزير الدفاع. وكانت نتيجة هذه اللقاءات قبول الهند لدبلوماسي من طالبان كقنصل عام في مدينة مومباي.
مستقبل العلاقات الثنائية
رغم أن خطوات الهند للتقارب مع حكومة طالبان كانت بطيئة، إلا أنها تشير إلى استراتيجية الهند في أفغانستان، والتي يمكن تعريفها بأنها تقارب تدريجي ومدروس مع حكومة طالبان. قد لا تكون الهند مقتنعة تماماً حتى الآن بأن طالبان قد تخلت عن موقفها السلبي تجاهها وتخلت عن التعاون مع باكستان والجماعات الجهادية المناهضة للهند الموجودة في باكستان وكشمير، لكن رغم ذلك، أظهرت طالبان خلال هذه السنوات الثلاث سلوكاً يبني الثقة نسبياً لكسب ثقة الهند.
لم تظهر خلال السنوات الثلاث الماضية أي علامات على تعاون طالبان مع الجماعات المناهضة للهند. ويظهر تحليل سلوك طالبان أن الحركة تنظر إلى النزاعات بين الهند وباكستان، خاصة النزاع حول كشمير، كقضايا بين الطرفين وقد اتخذت موقفاً محايداً. في الواقع، إذا أثبتت طالبان في المستقبل التزامها بهذا التعهد، فإنها ستضع حداً للمخاوف الرئيسية للهند، وستتجه العلاقات بين البلدين نحو التوسع.
المتغيرات السلبية
من الطبيعي أنه مع توسع العلاقات بين الهند وطالبان، والذي يعني نجاح الهند في الساحة الأفغانية، ستجد باكستان، المنافس الرئيسي والتاريخي للهند، نفسها في موقف الخاسر. فبعد سنوات من الاستثمار في طالبان، تتوقع باكستان أن تقف الحركة إلى جانبها ضد الهند ولا يمكنها تحمل مثل هذه الخسارة الاستراتيجية.
قد لا تستطيع باكستان اتخاذ إجراء سلبي فعال ضد الهند، لكنها تمتلك قدرات تخريبية ورادعة عالية ضد طالبان. تمتلك باكستان أدوات متعددة، بما في ذلك خلق انقسامات داخل طالبان، واستخدام جماعات مناهضة لطالبان مثل داعش، وممارسة ضغوط اقتصادية يمكن من خلالها الضغط على طالبان. وتعتمد قدرة طالبان على التخلص من الفخ الباكستاني ومواصلة تحركها المستقل في دعم الاستراتيجية الهندية على متغيرين رئيسيين: أولاً، أن يحافظ قادة طالبان على تماسكهم الحالي، وثانياً، أن تعزز طالبان البدائل للتغلب على الضغوط الباكستانية، خاصة الاقتصادية منها.
المتغيرات الإيجابية
على الرغم من أن باكستان تعمل كأكبر عامل رادع في طريق التقارب بين الهند وطالبان، إلا أن هناك متغيرات أخرى تجذب الهند وطالبان إلى بعضهما البعض كالمغناطيس. فطالبان بحاجة إلى الاعتراف سياسياً، والهند بحاجة أمنياً إلى أفغانستان خالية من التهديدات. طالبان تحتاج اقتصادياً إلى شريك، والهند تحتاج إلى التواجد في أفغانستان.
وفي هذا السياق، يُعد العداء المشترك تجاه باكستان والاستخدام المشترك لميناء تشابهار الإيراني من العوامل المشتركة التي تجعل الهند وطالبان متعاونتين أكثر من غيرهما من العوامل.
يمكن أن تكون حركة طالبان باكستان (TTP) أداة مشتركة يمكن لطالبان والهند استثمارها لإشغال باكستان، كما يمكن أن يؤدي الاستخدام المشترك لميناء تشابهار الإيراني كطريق اقتصادي بديل إلى تقليل الضعف الاقتصادي لطالبان وأن يكون مساراً آمناً لوصول الهند إلى أفغانستان.