والدة شهيدين من لبنان للوفاق:
ثقافة المقاومة غذّيناها لأولادنا والحصاد شهادة
للمرأة المؤمنة دورٌ كبير في تهيئة الظروف المناسبة للمجاهدين وصناعة الرجال المؤمنين؛ وخاصةً في هذه المرحلة الحساسة التي تشهد بقوة صراعاً بين الحق والباطل ومواجهة الاستكبار والاحتلال الصهيوني. وقد برز هذا الدور بوضوح في جهاد المقاومة الإسلامية في لبنان ضد العدو الصهيوني ومنعه من تحقيق مآربه. وذلك بسبب جهود ثلة من المقاومين المؤمنين بنهج أهل البيت(ع) وولاية الفقيه المباركة، وتضحيات نساء مجاهدات، قدمن أبناءهن شهداء ومعتقلين وفتحن بيوتهن للمجاهدين، يسهرن على خدمتهم وراحتهم ولو أدى ذلك إلى فقدانهن الأمن واعتقالهن أو استشهادهن. وقد سجل تاريخ المقاومة نماذج مشرقة وزاهرة لنماذج من النساء القدوة اللواتي قل نظيرهن، قدمن كل التضحيات الممكنة وشجعن أبناءهن على سلوك طريق الجهاد وقدمن الولد والإثنان والثلاثة، وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق عايدة أديب سرور والدة لشهيدين في المقاومة الإسلامية في لبنان هما الشهيد المدافع عن المقدسات علي عباس وشقيقه محمد علي المفقود الأثر شهيداًعلى طريق القدس، لتُعرفنا كيف تشارك المرأة وخاصةً الأم في دعم هذه المسيرة الحسينية الكربلائية؛ في هذه المرحلة الحساسة التي تشهد بقوة صراعاً بين الحق والباطل، وفيما يلي نص الحوار:
عبير شمص
الزرع مقاومة والحصاد شهادة
تبدأ عايدة سرور والدة الشهيدين بالتعريف بولديها، علي الذي استشهد في سوريا مدافعاً عن المقدسات والذي كُتبت قصة حياته ومواقفه وبطولاته في كتاب إسمه "عايدة" وأُعلن عنه في احتفال في إيران وكان يبلغ من العمر 17 عاماً، والذي استمد تصميم الدفاع عن المقدسات في سوريا من التربية المقاومة التي قدمتها له والدته والتي أثناء تواجدها في الجمهورية الإسلامية علمت باستشهاد إبنها الثاني محمد علي على طريق القدس، وتقول: "علمت باستشهاد إبني فبكيت كثيراً لفقده وخاصةً لكونه مفقود الأثر، ولكني عندما كنت أحضر مجالس عزاء السيدة فاطمة الزهراء(س) في الليالي الفاطمية أخجل من نفسي فهي سلام الله عليها مفقودة الأثر ومجهولة القبر، وكان إبني الشهيد يتمنى أن يكون قبره مخفياً مثل السيدة الزهراء (س) ونال ما تمناه، حينها سلمت أمري الى الله وقلت أنا راضية بقضائك يا رب، وصدقاً شعرت بالرضا لأنني متيقنة أن ولدي في الجنة مع أهل البيت(ع)، ذهب إليهم بكل طيب خاطر وعشق، كان يقاتل بشراسة في الساحات الأمامية، ساعياً إلى الشهادة، عشق الله فعشقه واختاره ورفعه إليه شهيداً، كان مقداماً لا يهاب العدو وكيف أن العدو الصهيوني كان يلاحق الشهيد من مكان إلى مكان في بلدة محيبيب الجنوبية، حتى أطلق عليه العدو الصهيوني لقب "أسد محبيب"، وأحمد الله أنه وهبني هؤلاء الأولاد الأبطال وأنا زرعت وحصدت شهادة وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى".
المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف
تؤكد عايدة سرور أن قدوتنا من أول التزامنا الديني هي السيدة الزهراء(س) وإبنتها زينب (س)، والتي كانت المجاهدة والإعلامية والداعمة والطبيبة والمبلغة في كربلاء، وقفت بكل شموخ صارخةً في وجه يزيد " كد كيدك وسع سعيك وانصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا" ونحن بنات هذه السيدة العظيمة وتخرجنا من مدرستها، لذا يجب أن يتطابق موقفنا مع مواقفها، فعند استشهاد أولادي وخاصةً إبني محمد علي وقفت بقوة وشموخ وعزة في كل احتفالات التكريم التي دُعيت إليها، قدمت ولديّ شهيدين دفاعاً عن الإسلام وأهل بيته(ع)، ووافقت على ذهاب إبني محمد علي إلى الخطوط الأمامية والتي يشترط الذهاب إليها موافقة الأهل كونه وحيد والديه بعد استشهاد أخيه، وكنت أعد نفسي ليوم استشهاده لأكون على قدر المسؤولية، وأن لا أكون ضعيفة، فالإنسان المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف".
وأشارت إلى أنه:"عندما أتيت إلى إيران، كنت أمًا لشهيد واحد، واليوم، عندما أغادر إيران، أنا أم لشهيدين. أشكر الله تعالى الذي رزقني البشرى بخبر استشهاد إبني عندما كنت في مرقد الإمام الرضا(ع)،على الرغم من أن محنة استشهاد ابني الثاني كانت كبيرة جدًا بالنسبة لي، ولأنني كنت بجوار الإمام الرضا(ع)، فكانت سهلة جدًا بالنسبة لي".
وتابعت:" إن استشهاد ابني الأول في سبيل الإسلام والدين والمقدسات جعلني أشعر بالفخر، أما شهيدي الثاني فقد استشهد في سبيل القضية المقدسة وعلى طريق القدس. عشر سنوات مرت بين استشهاد ابني الأول والثاني، عندما كنت أصلي كنت أخجل من ربي، فقد كان هناك أمهات قدمن أبناءً للإسلام أكثر مني. إبني محمد علي طلب مني أن أصلي من أجل استشهاده، كنت أشكر الله وأدعو له بطول عمره واستشهاده، وكان يريد صلاة خاصة للشهادة، قال لي إدعي لي بأن استشهد وأن لا يبقى مني أثر، وأن يختفي لحمي وجلدي وعظامي، قلت له سأدعو لك بما طلبت مني وكان له كما أراد، أشكر الله أن أبنائي ترعرعوا على محبة الله وتم اختيارهم شهداء."
الجراح والشهادة لن توقف هذه المسيرة
تؤكد عايدة سرور أن ما يميز أمهات شهداء لبنان هو القوة والعلاقة المتينة بمسيرة الإمام الحسين(ع)، والتي اعتبروها نهجاً وارتباطاً روحياً وفكرياً وعاطفياً، وخصوصيتنا الكبرى قائدنا سيد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله المُبلغ الأول لهذه المسيرة والحاضن لها، ونحن نشأنا ووعينا على خطبه ودروسه الداعية لنصرة دين الحق وأهل البيت(ع) والمظلومين في العالم، فهو زرع فينا هذه الثقافة ونحن بالتالي زرعناها في أولادنا وأثمرت مقاومين ومجاهدين مقدامين لا يعرفون الخوف ولا يهابون عدواً، وهذا ما شاهدناه في معاركنا كلها، وخاصةً في معركة "أولي البأس" شاهدنا أبطالاً يقفون صامدين شامخين لا يرف لهم جفن أمام طائرات العدو ومسيّراته ودباباته وجنوده المدججين بالسلاح، وفي مشهدٍ آخر من مشاهد الشجاعة تحدث الجميع في المجتمع اللبناني عن ثبات وهدوء وأخلاق المجاهدين في تفجيرات البايجر والذين واجهوا إصاباتهم في المستشفيات بهدوء أثار استغراب وإعجاب الجميع، واستمر شبابنا بإدهاش العالم بتصرفاتهم، فرغم فقد بصرهم وتقطع أطراف أيديهم تقبلوا جراحهم بكل طيبة خاطر وأصروا على الإستمرار ومتابعة الجهاد ضد العدو الصهيوني وشارك العديد منهم في المعركة الأخيرة واستشهد البعض منهم، فالجراح لن توقف هذه المسيرة ولا الشهادة، يقول الشهيد السيد عباس الموسوي بعد الشهادة تقوى العزيمة وتزداد، ويقول الشهيد الشيخ راغب حرب "دم الشهيد إذا سقط، فبيدِ الله يسقط. وإذا سقط بيد الله، فإنه ينمو ويستمر"، من هؤلاء القادة الذين قدموا حياتهم في سبيل الله ومن بعدهم السيد حسن نصر الله الذي قدم إبنه السيد هادي شهيداً ووقف شامخاً ثابتاً عندما سمع خبر استشهاده ومن ثم قدم نفسه شهيداً على طريق القدس، فكيف يمكننا أن لا نكون مثلهم وهم قدوتنا، لذا كنت تلك الأم التي تقف في أي محضر بكل قوة وبكل عزة أتكلم عن أولادي الشهداء، والحمد لله أنه اختارني من هذه الأمة التي أئمتها شهداء وقادتها شهداء".
معركة الحق والباطل
تؤكد عايدة سرور:" إن أمهات الشهداء، يقلدن حياة السيدة زينب(س)، وهم ضحوا بأبنائهم في طريق الإمام الحسين(ع) وفي سبيل الإسلام. وهم مثل أم وهب ضحوا بأولادهم فداءً لإمامهم في كربلاء، واليوم بعد أن اختارنا الله تعالى كأمهات وزوجات للشهداء، فإننا أيضًا نقدم أغلى ممتلكاتنا في سبيل الله".
وتؤكد:"نحن أبناء المدرسة الكربلائية العاشورائية، وسنكون حيث يجب أن نكون دفاعاً عن ديننا وأهلنا والمستضعفين كما قال سيد شهداء الأمة السيد حسن نصرالله، وهذه الثقافة هي التي أعطت هذا المجتمع القوة والإيثار والصبر وهي التي حققت لنا الانتصارات بفضل دماء شهدائنا وقطعاً ستستمر إنتصاراتنا رغم الألم والفقد بقوة وشجاعة مجاهدينا وصبر وثبات مجتمعنا".
في محضر الولي الفقيه
تؤكد عايدة سرور أنها تشرفت بحضور لقاء لسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في مجالس العزاء بمناسبة الليالي الفاطمية، وتقول: "التقيته أيضاً في لقاء خاص وأخبرته بشهادة ولدي وبأنه مفقود الأثر فبارك لي وكان هذا عزُ ما بعده عز، كما أنني تشرفت بلقائه مرة ً أخرى في يوم المرأة وألقيت كلمة في محضره، وعندما وقفت على المنبر نظرت إليه وأحسست بالعزة لوقوفي بمحضر نائب صاحب العصر والزمان، وتحدثت بفخر عن أولادي وعن أمهات شهداء المقاومة الإسلامية وأننا نفتخر ونعتز بأبنائنا الشهداء وأردت أن أخبر العالم بأكمله عن شهدائنا ومجاهدينا ونسائنا ومجتمعنا المقاوم، وعن دورهن في تاريخ المقاومة وتحقيق الإنتصارات وهزيمة الكيان الصهيوني الأوهن من بيت العنكبوت، وعن دور سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله، الشهيد الأقدس على طريق القدس، في بناء مجتمع مقاوم سارت معه وعلى طريقه جماهيره داخل لبنان وخارجه، فالشهيد السيد الذي ترافقنا معه طيلة ثلاثين عاماً من المقاومة والجهاد والنضال لم يغب عنا وهو ما زال حاضراً في قلب كل مقاوم".
وتضيف: "كنت متهيبة وأنا بمحضر الولي الفقيه الذي كان وجهه يشع نوراً وحباً، وقلت له إمضي بنا يا نوح عصرنا فأنت الآن ربان سفينتنا وقائد مسيرتنا وأنت من سيُسلم للمهدي(عج) رايتنا، وسنُصل خلفك بالقدس مع شهيدنا الأقدس السيد حسن نصر الله عندما يأتي صاحب الزمان ومعه جيش من الشهداء وولدي الشهيدين، وأنا ربيت ولديّ ليكونا ممهدين وأنصار الإمام المهدي (عج) وفداءً له ولدين محمد وآل محمد".
وتقول عايدة سرور لولدها الشهيد:" أحب أن أذكر إسمك في كل الساحات بكل عزة وفخر وأخبرهم عن شجاعتك وإقدامك وكيف ربيتك لتكون فداءً للإمام الحسين(ع)، وعندما سمعت وصيتك أيقنت أن ما زرعته في الصغر حصدته في الكبر".
وتختم حديثها بالقول: "معركتنا اليوم وبالأمس وفي المستقبل معركة الحق والباطل، وما زلنا على الحق لا نبالي بما سيجري علينا، وإن شاء الله دماء شهدائنا هي تمهيد لدولة صاحب العصر والزمان(عج) وإن شاء الله سيأتي ومعه جيشاً من الشهداء ومعه أبناءنا ونصلي خلف شهيدنا الأقدس في القدس، وأنا أشكر الله العلي القدير أن أنعم علينا بهؤلاء الشهداء، وهم كالأقمار والنجوم التي تضيء السماء".