رغم إظهار اهتمامها مؤخراً
هل ستتمكن اليابان الإنضمام إلى تحالف ”العيون الخمس”؟
/ في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تسعى اليابان إلى تعزيز تحالفاتها الاستراتيجية مع القوى الغربية. ويأتي سعيها للانضمام إلى تحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي كخطوة مهمة في هذا الاتجاه، مما يثير تساؤلات حول تداعيات هذه الخطوة على علاقاتها مع جيرانها الآسيويين.
نشأة تحالف العيون الخمس وتطوره
تأسست شبكة العيون الخمس الاستخباراتية، وهي تعاون استخباراتي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، في عام 1956 في ذروة الحرب الباردة. وعلى الرغم من أن تحالف العيون الخمس هو بوضوح تحالف للدول الأنجلوساكسونية، إلا أن اليابان لا تتردد في رغبتها بأن تصبح عضواً فيه وأن تعمل كـ"عين" على آسيا، أو بشكل أكثر تحديداً، على الشرق الروسي.
في البداية، غطى التعاون مجال الاستخبارات الإلكترونية. وكان كل عضو في التحالف مسؤولاً عن جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية في مناطق معينة من العالم. كانت بريطانيا العظمى تراقب أوروبا والجزء الغربي من الاتحاد السوفيتي والشرق الأوسط. كما راقبت الولايات المتحدة الشرق الأوسط والصين والاتحاد السوفيتي وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي. وكانت أستراليا مسؤولة عن جنوب وجنوب شرق آسيا، ونيوزيلندا كانت مسؤولة عن جنوب المحيط الهادئ. أما كندا فكانت تتجسس على مناطق معينة في الاتحاد السوفيتي والصين وبعض مناطق أمريكا اللاتينية.
تبادلت الأطراف البيانات التي تم جمعها، وبالتالي عملوا معاً بشكل فعال. ومع مرور الوقت، توسع التعاون بين أجهزة المخابرات في الدول الخمس ليشمل مجالات الاستخبارات الفكرية-التكنولوجية ومكافحة التجسس. واليوم، لا يمكن لأي دولة في العالم أن تكون متأكدة من أنها ليست تحت مراقبة العيون الخمس.
اهتمام اليابان بالتحالف
أظهرت اليابان مؤخراً اهتماماً خاصاً بتحالف العيون الخمس. في العام الماضي، حضر وفد ياباني اجتماعاً لأجهزة المخابرات في الدول الخمس في كندا، ومؤخراً عُقد اجتماع لكبار المسؤولين العسكريين في تحالف العيون الخمس في اليابان. وهكذا، بطريقة غير رسمية، بدأت طوكيو في التعاون مع هذا التحالف، ولا يمكن استبعاد أن تصبح اليابان "العين السادسة" للمنظمة الاستخباراتية.
قدرات اليابان ومعوقات انضمامها
يقدّر أعضاء العيون الخمس إنجازات اليابان في الأنشطة الاستخباراتية المتعلقة بالصين وكوريا الشمالية والمناطق الشرقية من روسيا ودول جنوب شرق آسيا. ولا يقل أهمية عن ذلك أن اليابان تمتلك اليوم سبعة أقمار صناعية متقدمة للاستطلاع لجمع المعلومات، مثل القدرة على تحديد رؤوس البشر من الفضاء.
ومع ذلك، هناك بعض القضايا التي قد تمنع اليابان من الانضمام إلى تحالف العيون الخمس. وتشمل هذه أوجه القصور في الأساس القانوني ونظام الأمن في اليابان في تصنيف المعلومات الاستخباراتية والموافقة على الوصول إلى تلك المعلومات. يخشى أعضاء العيون الخمس من إمكانية تسرب المعلومات السرية من جدران وكالات المخابرات اليابانية. تحتاج طوكيو إلى تحديث نظام أمنها القومي ليتوافق مع معايير العيون الخمس. حاول رئيس الوزراء السابق شينزو آبي ورؤساء الحكومات المتعاقبون القيام بذلك لكنهم لم يروا أي نتائج.
تأثير الانضمام على العلاقات الإقليمية
هناك نقطة أخرى لا يمكن للسياسيين اليابانيين العقلاء تجاهلها: كيف سيؤثر الانضمام إلى منظمة تجسس على علاقات طوكيو مع الدول التي تراقبها هذه "العيون".
تساءل أحد الخبراء اليابانيين، إيدو نايتو، في صحيفة جابان تايمز "عما إذا كان انضمام اليابان إلى تحالف العيون الست المفترض يمكن أن يضر بعلاقاتها الوثيقة مع بعض شركاء المحيطين الهندي والهادئ الذين اعتبروا أنفسهم سابقاً أهدافاً لمراقبة العيون الخمس."
يبدو أن السلطات اليابانية لا تقلق بشأن ردود الفعل في الدول الآسيوية. فبالنسبة لهم، يعد الدخول في أي شكل من أشكال التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وحلفائها أكثر أهمية. في الوقت الحالي، تقوم اليابان والولايات المتحدة بتطوير معترضات صواريخ فرط صوتية ونظام باتريوت المضاد للصواريخ من الجيل التالي. كما تتعاون اليابان مع المملكة المتحدة وإيطاليا لتطوير مقاتلة من الجيل السادس.
العلاقات مع روسيا والنزاع الإقليمي
في محاولة لتهدئة مخاوف موسكو بشأن الاندماج المأمول لليابان في العيون الخمس، قال رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا في وقت سابق من هذا الشهر إنه على الرغم من العلاقات الصعبة مع روسيا، لا تزال بلاده ملتزمة "بحل القضية الإقليمية" وتوقيع معاهدة سلام.
ومع ذلك، أشارت موسكو مراراً إلى أنه لا يمكن إجراء حوار شامل حتى تتخلى اليابان عن سياساتها العدائية "الهادفة إلى إلحاق الضرر بالاتحاد الروسي وشعبه."
تطالب اليابان بالسيادة على أربع جزر من موسكو، والتي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي بعد استسلام الدولة الآسيوية في الحرب العالمية الثانية في 15 أغسطس 1945. النزاع حول جزر إيتوروب وكوناشير وشيكوتان، بالإضافة إلى مجموعة جزر هابوماي، المعروفة في اليابان باسم الأراضي الشمالية وفي روسيا باسم جزر الكوريل الجنوبية، منع البلدين من توقيع معاهدة سلام بعد الحرب.
يمثل سعي اليابان للانضمام إلى تحالف العيون الخمس تحولاً استراتيجياً مهماً في سياستها الخارجية والأمنية. وعلى الرغم من امتلاكها قدرات استخباراتية وتقنية متقدمة، إلا أن طريقها نحو العضوية الكاملة في هذا التحالف يواجه تحديات متعددة، سواء على المستوى التقني والقانوني أو على مستوى العلاقات الدبلوماسية. كما أن انضمام اليابان قد يغير من طبيعة التحالف نفسه، الذي ظل منذ تأسيسه حصراً على الدول الأنجلوساكسونية. وفي ظل التوترات المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يبقى السؤال المهم حول ما إذا كانت المكاسب الاستراتيجية من هذا الانضمام ستفوق التكلفة المحتملة على علاقات اليابان مع جيرانها الآسيويين، وما إذا كان هذا التحول سيساهم في استقرار المنطقة أم سيزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي فيها.