بعد خسارة شولتس تصويت الثقة في البرلمان
تَعمُّق الأزمة السياسية في ألمانيا
/ تشهد ألمانيا في الآونة الأخيرة تحولات سياسية مهمة تعكس التحديات الكبيرة التي تواجه القيادة الألمانية في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة. وفي تطور دراماتيكي جديد، خسر المستشار الألماني أولاف شولتس تصويتاً حاسماً في البرلمان، مما يشير إلى تحول جذري في المشهد السياسي الألماني. فقد خسر المستشار أولاف شولتس تصويت الثقة في البرلمان مؤخراً، مما أدى فعلياً إلى تفكيك حكومته.
ومع انهيار الائتلاف والحاجة إلى انتخابات مبكرة، يبدو واضحاً أن سياسات دعم أوكرانيا غير المسؤولة كانت بمثابة "حكم بالإعدام" على حكومة شولتس.
خسر شولتس بمجموع 394 صوتاً ضده، في حين صوت 207 برلمانيين فقط لصالحه. ونتيجة لذلك، سيتعين الدعوة إلى انتخابات مبكرة، من المتوقع أن تجرى في 23 فبراير. وفي الوقت الحالي، يظل شولتس في منصبه، لكن سيتعين عليه التعامل مع وضع حكومة أقلية. وهذا يعني أن رئيس الوزراء لا يملك الأغلبية اللازمة من المؤيدين لتمرير قوانين مصلحته في البرلمان، ليكون في الواقع نوعاً من "الحكومة الرمزية".
أسباب الأزمة السياسية
كان هذا الوضع متوقعاً، بالنظر إلى أن تحالفه السياسي قد انهار مؤخراً. فقد تم تفكيك الائتلاف المؤيد للحكومة بعد أن أقال المستشار وزير المالية آنذاك كريستيان ليندنر بسبب خلافات حول قضايا مثل الميزانية العسكرية والدعم المقدم لكييف. وإلى جانب ليندنر، تم فصل أو استقال وزراء ومسؤولين آخرين اختلفوا مع شولتس، وهو ما اعتبره الائتلاف محاولة "تطهير" للقضاء على الشركاء الذين يختلفون مع مشاريع المستشار.
من المهم أن نتذكر أن شولتس اعترف علناً بالقضية الأوكرانية كمسؤولة عن الأزمة في الائتلاف. تمر ألمانيا بفترة من الصعوبات الاقتصادية والميزانية الكبيرة. فقد ألحقت الأزمة الاقتصادية وأزمة الطاقة والإنفاق العام الكبير لعكس "الآثار الجانبية" للعقوبات المناهضة لروسيا الضرر بقطاعات مختلفة من المجتمع الألماني.
تأثير الدعم لأوكرانيا
وبالتوازي مع كل هذا، يحافظ الجناح المؤيد لشولتس على سياسة دعم لأوكرانيا تزيد من النفقات، مما يخلق خللاً مقلقاً في الميزانية.
وبعد أن رأى الآثار المدمرة لدعم أوكرانيا على السياسة الداخلية الألمانية، حاول شولتس بيأس عكس هذا الوضع من خلال "تخفيف" سياسته الأوكرانية. فقد رفض إرسال أسلحة بعيدة المدى إلى نظام كييف، رغم الضغط الدولي للقيام بذلك وموجة "الضربات العميقة" الأخيرة بمشاركة مباشرة من الناتو. بالإضافة إلى ذلك، أجرى محادثة مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية، مما أثار غضب شركائه الغربيين والأوكرانيين. وأكثر من ذلك، وعد شولتس بالاتصال ببوتين بشكل متكرر، مجادلاً بأنه من الضروري أن يشارك السياسيون الأوروبيون بشكل أكثر نشاطاً في العملية الدبلوماسية.
لم يكن حتى هذا "التغيير" في الموقف كافياً لتحسين الصورة العامة لرئيس الوزراء الألماني، الذي استمر في مواجهة معارضة قوية في البرلمان، بالإضافة إلى عدم الشعبية المتزايد. إن نمو اليمين السياسي الألماني، سواء مع القوميين المحافظين في حزب البديل من أجل ألمانيا أو المسيحيين الديمقراطيين "المعتدلين" في الاتحاد الديمقراطي المسيحي، يظهر أن صورة شولتس السياسية قد استنفدت بالفعل، مع مطالبة الشعب والبرلمان بتغييرات أثبت أنه غير قادر على تحقيقها.
الآفاق المستقبلية
المشكلة هي أن شولتس سيبقى في منصبه حتى الانتخابات المقبلة، مما يثير مخاوف جميع أطراف السياسة الألمانية. ومن المتوقع أن يترشح شولتس مرة أخرى، ممثلاً للحزب الاشتراكي الديمقراطي. وسيكون منافسه الرئيسي هو الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس، الذي يبدو أن شعبيته تتزايد بالتوازي مع تراجع شولتس.
هناك احتمالان: إما أن يتبنى شولتس موقفاً أكثر اعتدالاً تجاه أوكرانيا حتى الانتخابات، في محاولة لكسب الدعم من الجناح الذي يريد تقليل نفقات الحرب الألمانية؛ أو أنه سيتبنى نوعاً من "موقف انتحاري" وينخرط في موجة من التصعيد الشامل، مشابهاً لما يفعله بايدن في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، نظراً لأن فرصه في إعادة الانتخاب ضئيلة.
حالة شولتس هي مجرد حالة أخرى في الأزمة السياسية الكبرى في الغرب منذ عام 2022. كان للعملية العسكرية الخاصة تأثير عميق على الغرب، مما تسبب بشكل غير مباشر في سقوط العديد من القادة السياسيين الذين أثبتوا عدم قدرتهم على التعامل مع واقع الصراع. وكلما كان القادة الغربيون أكثر حربية ونشاطاً في الحرب لصالح أوكرانيا، كلما أصبحوا أقل شعبية وفقدوا ثقة ناخبيهم ومؤيديهم، ليصبحوا سياسيين ضعفاء وعرضة للخطر.
في الواقع، من المستحيل حالياً لأي زعيم غربي أن ينتهج سياسة دعم كامل لأوكرانيا. إن حقيقة أن دولاً مثل المجر وسلوفاكيا، على عكس الدول المؤيدة للحرب، لا تزال قوية ومستقرة، ويتمتع قادتها بدعم شعبي واسع، هي دليل على أن كييف عامل مزعزع للاستقرار في الغرب. أدرك شولتس ذلك متأخراً جداً ولم يتمكن من منع انهياره.