الشباب.. أمل المستقبل في مكافحة الفساد
كسرى إمام جمعة *
في كل بلد ومن داخل كل نظام سياسي، يظل احتمال وقوع الفساد قائماً. سواء كان ذلك في الأنظمة الديمقراطية أو السلطوية، تُظهر التجربة العالمية أن الفساد لا يستثني أي مجتمع أو هيكل إداري. ومع ذلك، فإن الفرق يكمن في كيفية مواجهة الدول لهذه الآفة: هل تختار الاعتراف بها والعمل على معالجتها بواقعية، أم تكتفي بإنكارها وتوجيه الأنظار بعيداً عنها من خلال حملات إعلامية مضللة؟
في إيران، وعلى ضوء توجيهات قائد الثورة الإسلامية «على سبيل المثال "المرسوم الموجّه إلى قادة القوى من أجل مكافحة الفساد الاقتصادي" الصادر في أبريل 2001» والقوانين «على سبيل المثال "قانون دعم المبلّغين عن الفساد" و"قانون شفافية السلطات الثلاث"»، يمكن القول إن الجمهورية الإسلامية اختارت منهج الواقعية في مواجهة مع قضية الفساد. فهي لا تكتفي بالاعتراف بوجود الظاهرة، بل تسعى أيضاً إلى مواجهتها عبر إجراءات وقوانين تهدف إلى الوقاية منها وتقليل آثارها وايضا يشجّع مشاركة الشعب في خطوات مكافحة الفساد.
في هذا السياق، تلعب المنظمات غير الحكومية دوراً محورياً في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. ومن الجدير بالذكر أن للشباب الإيراني حضوراً ملحوظاً في هذه الجهود، حيث ينخرطون في العديد من المنظمات والجمعيات التي تهدف إلى توعية المجتمع، نشر ثقافة النزاهة، والعمل على سد الثغرات التي قد تؤدي إلى الفساد.
تأتي مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الذي يُصادف 9 ديسمبر من كل عام، كتذكير عالمي بأهمية التصدي لهذه الظاهرة التي تؤثر على تقدم الأمم واستقرارها. يحمل هذا العام شعارًا مميزًا: «الاتحاد مع الشباب ضد الفساد.. تشكيل نزاهة الغد». وهذا الشعار يعكس بوضوح الإيمان العالمي بأن الشباب هم الأمل في بناء مستقبل أكثر شفافية ونزاهة.
يمثّل الشباب القوة الدافعة للتغيير في أي مجتمع، فهم يمتلكون الطاقة، الإبداع، والرؤية الطموحة لمجتمع أكثر عدالة وشفافية. ويدرك العالم اليوم أهمية إشراكهم في صنع القرار ومكافحة الفساد عبر التثقيف والتدريب وتوفير منصات للحوار والمشاركة.
في إيران، تؤدي الجمعيات الشبابية في اطار منظمات شعبية (غير حكومية) ومراكز علمية ومراكز أبحاث دوراً بارزاً في هذا المجال، حيث تنظم حملات توعوية، وتطور برامج تدريبية لتعزيز النزاهة بين مختلف شرائح المجتمع. تعمل هذه المنظمات على ترسيخ قيم الشفافية والمساءلة في الحياة اليومية وتشكيل ثقافة عامة تحارب الفساد من جذوره. وقد اعترفت الحكومة بهذه المنظمات ومنحتها صلاحيات قانونية خاصة من أجل تعزيز فعالية وكفاءة أنشطة هذه المنظمات. على سبيل المثال، في المادة 66 من «قانون الإجراءات الجنائية»، منحت هذه المنظمات الحق في إعلان الكشف عن الجريمة والمشاركة في جميع مراحل الإجراءات. واستفاد بعض هذه المنظمات من هذا الحق ورفعوا شکاوی ضد بعض من السلطات وشارکوا في مراحل الاجراءات کممثل من کل المجتمع.
في النهاية، يظل الفساد عائقاً أمام التنمية والاستقرار، إلّا أن الشباب، بسواعدهم وأفكارهم، يمكنهم أن يكونوا حجر الزاوية في الجهود الوطنية والدولية للتصدي لهذه الظاهرة.
* باحث في الدراسات القانونية المقارنة وناشط في مجال مكافحة الفساد