الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • ثقاقه
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وستمائة وتسعة وخمسون - ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وستمائة وتسعة وخمسون - ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

كاتبة وناشطة لبنانية للوفاق:

المرأة اللبنانية أيقونة للتضحية والعطاء

في الصراع بين الحق والباطل يبرز دور المرأة المؤمنة في تهيئة الظروف وصناعة عباد الله؛ ومواجهة الاستكبار والاحتلال الصهيوني. وقد برز دورها بوضوح في جهاد المقاومة الإسلامية في لبنان في زمن الاحتلال وبعد التحرير ودحره عن الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية، وفشله في تحقيق مآربه، وذلك بسبب جهود ثلة من المقاومين المؤمنين بنهج أهل البيت(ع) وولاية الفقيه المباركة، وتضحيات نساء مجاهدات، قدمن أبناءهن شهداء ومعتقلين وفتحن بيوتهن للمجاهدين، يسهرن على خدمتهم وراحتهم وحمايتهم ولو أدى ذلك إلى فقدانهن الأمن واعتقالهن أو استشهادهن. وقد سجل تاريخ المقاومة نماذج مشرقة وزاهرة لنماذج من النساء القدوة اللواتي قل نظيرهن، قدمن كل التضحيات الممكنة وشجعن أبناءهن على سلوك طريق الجهاد وقدمن الولد والإثنين والثلاثة وهذا ما عزز مقاومة لبنان. وفي الحرب العدوانية الصهيونية الأخيرة على لبنان كان للمرأة دورٌ بارز فكانت الصامدة في قريتها والمشرفة على النازحين في أماكن نزوحهم المختلفة والممرضة والطبيبة التي لم تترك ميدان عملها، وكانت المرأة التي وقفت أمام منزلها المدمر لتُعلن ثباتها مع المقاومة وتفدي بيتها ومالها للمقاومة ولسيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وكانت الأم والزوجة التي دفعت بولدها إلى الجبهة بكل طيبة خاطر، هذه المرأة وأمام استشهاد أبنائها وتدمير منزلها ومعاناتها في النزوح وقفت شامخة لتردد قول قدوتها السيدة زينب(ع) ما رأيت إلا جميلاً. عن هذه المرأة المجاهدة وموقفها في حرب تدميرية همجية هدفت إلى إخضاع مجتمع المقاومة وباءت محاولاته بالفشل،عن هذه الحرب وتداعياتها على المجتمع اللبناني بكل مكوناته، أجرت صحيفة الوفاق حواراً مع الكاتبة والناشطة اللبنانية الدكتورة بتول عرندس وفيما يلي نصه:

سهامه مجلسي

"الحرب: ميدان الألم وبناء الروح"
‎تعتبر الدكتورة عرندس أنه لطالما كانت الحروب جرحًا عميقًا في حياة الشعوب، تُخلّف وراءها دمارًا ماديًا ونفسيًا واجتماعيًا. لبنان، هذا البلد الصغير في مساحته والكبير في معاناته، شهد عقودًا من الصراعات التي لم تترك بيتًا إلا وطرقته بألم الفقد أو التشريد أو الخوف. ومع ذلك، وسط هذا البلاء العظيم، تبرز فرصة ذهبية للتأمل والتعلم من التجربة، لجعل الحرب مدرسة لإعادة بناء الذات. ويعد الصبر والصمود أهم دروس هذه الحرب، قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ" (البقرة: 155).
تشير الدكتورة عرندس بأن الحروب اختبارات للصبر والتحمل، وقد أثبت الشعب اللبناني، رغم كل الأزمات، قدرته على الصمود والوقوف من جديد. الصبر هنا ليس مجرد احتمال الأذى، بل هو أداة لتحويل الألم إلى فرصة للتطور والنهوض. من بين الركام، نتعلم أن قيمة الإنسان لا تكمن في ما يملكه، أو في مظاهر التفاخر التي قد تحكم الحياة اليومية، بل في قدرته على العطاء، التسامح، ومدّ يد العون للآخرين. الحروب تعرّي زيف الامتيازات الدنيوية وتجعلنا ندرك أن ما يميزنا كأفراد ليس ما نظهره للآخرين، بل ما نحمله في أرواحنا من إنسانية وعطاء.
‎إنها فرصة لإعادة التفكير: هل جعلتنا الحرب أكثر قربًا من الآخرين؟ هل صقلتنا التجربة لنكون أشخاصًا متواضعين، لا ننظر إلى أنفسنا على أننا أفضل من غيرنا بسبب ما نملكه أو ننجزه، بل بما نقدمه من حب وصدق؟ وكما قال الإمام علي(ع): "اعفُ عن المسيء تكرم."
و‎الحروب تُظهر هشاشة الحياة، لكنها تمنحنا فرصة لإعادة البناء على أسس أكثر إنسانية وعدالة. وسط الألم، يمكن أن نجد الطريق إلى إعادة بناء الذات، ليس فقط لمداواة الجراح، بل لصنع معنى أعمق لوجودنا، حيث يكون الإنسان هو القيمة الأولى والأخيرة.‎
صمود يكتب التاريخ
تشير الدكتورة بتول عرندس إلى أن في أحلك اللحظات وأصعب المواقف، تجلت قوة المرأة اللبنانية وصمودها كأيقونة للتضحية والعطاء، خاصة خلال فترات الحرب والقصف والدمار. تحملت المرأة اللبنانية مسؤوليات جسيمة لم تتوقف عند حدود الأسرة، بل امتدت لتشمل المجتمع بأسره، وكانت دائمًا في مقدمة الصفوف لمواجهة
المحن.
صناعة الأبطال
تذكر الدكتورة بتول عرندس أن الأم اللبنانية لم تكن مجرد شاهد على الأحداث، بل كانت مصنعًا للأبطال. هي التي زرعت في أبنائها حب الوطن، والقيم النبيلة، والشجاعة في مواجهة الظلم. قدّمت أبناءها شهداء على مذبح الحرية، ووقفت شامخة رغم الألم، تؤمن أن دماءهم تروي شجرة الكرامة. لم يكن فقدان الإبن أو الزوج أو الأخ نهاية لحياتها، بل بداية لمسيرة نضال
جديدة.
كانت الأم تودّع ابنها الشهيد لتعود إلى بيتها وتواصل دورها كأم لأولاد آخرين، تزرع فيهم الأمل والإصرار. احتضنت أطفالها تحت القصف، وسهرت على راحتهم في الملاجئ، تحاول جاهدةً أن تكون السند الذي يمنحهم الطمأنينة رغم كل التحديات.
الزوجة اللبنانية.. بين التضحية والرعاية
وتلفت عرندس أن الزوجة اللبنانية  لم تكن أقل عطاءً من الأم. ففي الحرب، فقدت الكثير من النساء أزواجهن، سواء بالاستشهاد أو بالإصابات التي أفقدتهم القدرة على الرؤية أو الحركة. لم تكن هذه النكبات عائقًا أمام المرأة اللبنانية، بل زادتها إصرارًا على مواصلة المسيرة.
تحولت المرأة إلى طبيبة وممرضة تعالج جراح أزواجهن، واهتمت برعايتهم الصحية والنفسية. كانت ترافقهم في رحلة الشفاء، تدعمهم بحبها وصبرها، وتمنحهم الأمل في حياة جديدة. وفي الوقت نفسه، كانت أمًا مسؤولة عن أطفالها، تحمل هم تربيتهم وتعليمهم وسط غياب الأب أو عجزه.
المرأة والمجتمع.. منارة للعطاء
وتؤكد الدكتورة عرندس أنه لم يقتصر دور المرأة اللبنانية على أسرتها فقط، بل كانت عنصرًا فاعلًا في المجتمع. ففي عمليات كبرى مثل عملية البيجر، التي أصابت العديد من الشباب اللبناني بفقدان البصر أو الأطراف، كانت المرأة اللبنانية حاضرة بقوة. قدمت الدعم النفسي والمادي للجرحى وأسرهم، وأسهمت في التخفيف من آلامهم ومعاناتهم.
أصبحت المرأة صوت من لا صوت له، ويد العون التي تمتد للجميع. شاركت في جمع التبرعات، وتنظيم حملات الإغاثة، وتقديم الرعاية الإنسانية للمصابين. أظهرت للعالم كيف يمكن للمرأة أن تكون رمزًا للقوة والحب في مواجهة المآسي.
رسالة أمل وعبرة للمجتمعات الأخرى
ولفتت الدكتورة بأن المرأة اللبنانية ليست مجرد نموذج للصمود، بل هي رسالة للعالم بأسره. تقول هذه الرسالة إن المرأة قادرة على صنع التغيير، وإن دورها في بناء المجتمعات لا يقل أهمية عن دور الرجال.
رغم الألم والخسارة، لم تفقد المرأة اللبنانية روحها ولا أملها. ظلت تؤمن بالغد، وتعمل على بناء مستقبل أفضل لأبنائها ووطنها. قصة المرأة اللبنانية ليست فقط عن الألم، بل هي قصة عن الأمل الذي لا يموت، والقوة التي لا تنكسر، والتضحية التي لا حدود لها.
هذا الصمود، وهذه التضحيات، تجعلنا نتأمل دور المرأة في مواجهة الحروب والأزمات في كل مكان، ونستلهم من المرأة اللبنانية نموذجًا حيًا للصبر والقوة، وحب الوطن.

 

البحث
الأرشيف التاريخي