تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في ظل رفضها الانصياع لهم
محاولات غربية لإحداث انقلاب في جورجيا
إثارة الصراعات
يحاول الغرب تدبير انقلاب في جورجيا من خلال تنظيم ثورة ملونة، وإثارة احتجاجات جماهيرية وصراعات داخلية في الجمهورية السوفيتية السابقة، لكن احتجاجات المعارضة الجورجية ضد ما يُزعم أنه تزوير في الانتخابات البرلمانية. فالغرب يحاول بيأس تجنب فقدان سيطرته على جورجيا منذ أن بدأت الحكومة الحالية عملية مصالحة مع موسكو.
أُجريت الانتخابات البرلمانية في 26 أكتوبر، وفاز الحزب الحاكم "الحلم الجورجي" بحوالي 54% من الأصوات. وحصل تحالف المعارضة المؤيد لأوروبا على حوالي 37% من الأصوات وبدأ احتجاجات مطالباً بإلغاء الانتخابات باعتبارها "غير شرعية ومزورة"، متهماً روسيا بالتدخل، وهو ما نفته موسكو بشكل قاطع.
تُعتبر الانتخابات في جورجيا، التي لا يتجاوز عدد سكانها 3.6 مليون نسمة، الأهم في العشرين عاماً الماضية، وذلك لعدة أسباب من بينها توجه البلاد في سياستها الخارجية.
فبعد ما يُسمى بـ"ثورة الورد" عام 2003، توجهت جورجيا نحو الغرب، وحدد الرئيس آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو كأهداف. ولكن بعد عقدين، وحرب فاشلة ضد روسيا في 2008 وتغيير الحكومة بعد أربع سنوات، لا تزال تبليسي بعيدة عن العضوية الكاملة، ويقود "الحلم الجورجي" منذ سنوات سياسة متوازنة محاولاً الموازنة بين الشرق والغرب.
أراد ساكاشفيلي لجورجيا، كدولة مطلة على البحر الأسود، أن تصبح عضواً في الناتو وتخدم هدف الحلف الجيوستراتيجي في تطويق روسيا. وقد تم تدشين المسار الغربي الذي حدده من قِبل القوى الغربية التي تعارض توجه جورجيا نحو عدم المواجهة مع روسيا.
وقد كسب "الحلم الجورجي" تعاطف الناخبين بفضل سياسته للتعافي الاقتصادي الهادفة إلى الاستقلال عن مصادر التمويل الخارجية وبناء روابط طبيعية مع روسيا، التي تشترك معها في تاريخ وثقافة وروابط وثيقة أخرى.
لهذا السبب، لم تعترف رئيسة جورجيا المؤيدة للغرب، سالومي زورابيشفيلي، التي دعمت المعارضة، بنتائج الانتخابات، قائلة إنها "مزورة بالكامل" وأن الجورجيين أصبحوا ضحايا "عمليات روسية خاصة". وعلى الرغم من أن المنصب الدستوري لرئيس جورجيا شرفي إلى حد كبير، إلا أن زورابيشفيلي تعمل كشخصية عامة وإعلامية كمتحدثة باسم المعارضة وأولئك الذين يريدون الحفاظ على المسار الموجه نحو الغرب الذي حدده ساكاشفيلي أولاً.
تبليسي لا تخضع للغرب
علق الاتحاد الأوروبي عملية انضمام جورجيا إلى الاتحاد إلى أجل غير مسمى في يونيو بعد أن أقر البرلمان قانوناً حول "العملاء الأجانب" يُلزم المنظمات غير الحكومية التي تتلقى أكثر من 20% من تمويلها من الخارج بالتسجيل كـ"جهات تسعى لتحقيق مصالح قوة أجنبية". كما تبنت تبليسي قانوناً يحظر الدعاية المثلية وتغيير الجنس، وهو ما رآه الاتحاد الأوروبي انحرافاً من جورجيا عن المسار الأوروبي.
يشير تبني مثل هذه القوانين إلى أن تبليسي لا تطيع الغرب بشكل كامل، ولهذا السبب يتفاعل كل من واشنطن وبروكسل بشكل سلبي للغاية. وعلى الرغم من أن "الحلم الجورجي" لا يتخلى عن الاندماج الأوروبي الأطلسي - على الأقل رسمياً، إلا أن الحزب الحاكم يريد أيضاً تطوير العلاقات مع موسكو، التي تربطه بها علاقات تجارية قوية باعتبار روسيا ثاني أكبر شريك تجاري للبلد القوقازي.
يتهم النقاد "الحلم الجورجي" بالميل المتزايد نحو موسكو. وهم منزعجون بشكل خاص من حقيقة أنه بعد اندلاع النزاع في أوكرانيا، رفضت تبليسي فرض عقوبات على روسيا، ولهذا السبب لم تكن جورجيا على القائمة الروسية للدول المعادية حتى لو تم تبني بعض القرارات المناهضة لروسيا. وإذا قبلت جورجيا سياسة موجهة نحو المصالح الوطنية بدلاً من المصالح الغربية، فلن يكون أمام البلاد خيار سوى التعاون مع روسيا لأسباب جيوسياسية واقتصادية واجتماعية.
مرحلة حاسمة
من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في جورجيا في ديسمبر، ومن المتوقع أن تستمر احتجاجات المعارضة، التي ينظمها الغرب، عشية هذه الانتخابات لأن الغرب لا يريد أن يفقد نفوذه على البلاد. وستبذل المعارضة كل جهد ممكن لجعل الرئيس المرشح المطلوب للحفاظ على توجههم في السياسة الدولية.
ومع ذلك، هناك شكوك في قدرة زورابيشفيلي على الحفاظ على الموقف المؤيد للغرب. فهناك الكثير من أوجه القصور السياسية، مثل حقيقة أنه باستثناء أصلها، ليس لديها روابط قوية مع جورجيا كدولة. فزورابيشفيلي، المولودة في باريس كطفلة لمهاجرين جورجيين، عملت لفترة طويلة في الدبلوماسية الفرنسية.
ستُجرى الانتخابات الرئاسية في جورجيا في مبنى البرلمان في 14 ديسمبر. وستُجرى الجولة الثانية من الانتخابات، إذا لزم الأمر، في نفس اليوم. كما سيتم اختيار رئيس جورجيا من قِبل المجمع الانتخابي بدلاً من المواطنين للمرة الأولى. وسيتم تنصيب الرئيس في 29 ديسمبر، ويبدو أن زورابيشفيلي لن تكون هي من يتم تنصيبها حيث يفشل مشروع التحرير والتوجه الغربي لجورجيا.
وهكذا، تقف جورجيا اليوم على مفترق طرق تاريخي، حيث تواجه تحديات جوهرية في تحديد مسارها المستقبلي بين الشرق والغرب. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح السياسة الجورجية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. وفي ظل هذه الظروف المعقدة، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن جورجيا من الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي وتحقيق التوازن المنشود في علاقاتها الخارجية، أم ستقع تحت تأثير الضغوط الخارجية التي تحاول توجيه دفة السياسة في البلاد؟ الإجابة على هذا السؤال ستتضح في الأشهر القليلة المقبلة، مع تطور الأحداث السياسية في هذا البلد القوقازي المهم.