في ظل الضغوط التي تتعرض لها من أميركا
الهند أكبر المستفيدين من نهاية الحرب الأوكرانية الروسية
/ تقف الهند اليوم في موقف دقيق على الساحة الدولية، حيث تحاول الموازنة بين علاقاتها التاريخية مع روسيا وضغوط الولايات المتحدة المتزايدة في ظل الأزمة الأوكرانية. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتطلع نيودلهي إلى احتمال انفراج في العلاقات مع واشنطن، خاصة فيما يتعلق بموقفها من الصراع في أوكرانيا. وتكتسب هذه التطورات أهمية خاصة في ضوء العقوبات الأمريكية الأخيرة على عدد من الشركات الهندية وتأثيرها على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للبلاد.
الحفاظ على التوازن
وفقاً لمقال نشرته صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، فإن الهند، التي تقف على الهامش السياسي بين الغرب والشرق، قد تستفيد إذا نجح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في التوصل إلى اتفاق سلام في الأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، وحتى يتولى ترامب الرئاسة، يتعين على الهند أن تتعامل مع الاستفزازات الأمريكية، مثل فرض العقوبات، مع مواصلة العمل على فتح حوار بين موسكو
وكييف.
وتشير الصحيفة إلى أن نيودلهي حاولت الحفاظ على التوازن في نهجها تجاه القضية الأوكرانية طوال فترة النزاع، رغم قيام الولايات المتحدة مؤخراً بفرض عقوبات على 19 شركة هندية بزعم تعاونها مع شركات روسية في المجمع الصناعي العسكري.
وذكرت الصحيفة: "إذا نجح دونالد ترامب في المساعدة على إنهاء الحرب، فقد تحصل الهند على دفعة على الصعيدين الدبلوماسي والتجاري".
آفاق جيدة لنيودلهي
يتمتع التعاون الروسي الهندي بتاريخ طويل. فالدفاع في البلد الآسيوي يعتمد بشكل كبير على المعدات العسكرية الروسية الصنع، من البنادق الهجومية إلى الطائرات المقاتلة. وفي الوقت نفسه، تظل الهند من أكبر مشتري النفط الخام الروسي، مستفيدة من خصم كبير، في ظل محاولة الغرب وضع سقف لأسعار النفط والمنتجات البترولية الروسية منذ إطلاق العملية العسكرية الخاصة في فبراير 2022.
ووفقاً للخبراء الذين قابلتهم الصحيفة، فإن إمكانية تحقيق ترامب للسلام ستفتح آفاقاً جيدة لنيودلهي لأن الرئيس المنتخب لن يهتم "بمن يبيع النفط لمن". وبالتالي، تولي الهند اهتماماً كبيراً لتحركات ترامب فيما يتعلق بالنزاع الأوكراني.
وتنقل الصحيفة عن محلليها قولهم: "قد تكون الهند من أكبر المستفيدين من الدفعة التجارية الناشئة عن وقف الأعمال العدائية". وإلا فإن الشركات المرتبطة بشركائها الروس ستستمر في المعاناة من الضغط الاقتصادي الذي يفرضه الغرب على من لا يتبعون قراراته.
ضغوط أميركية وصبر هندي
أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أبريل 2021، أمراً تنفيذياً بعنوان "حظر الممتلكات فيما يتعلق بأنشطة ضارة محددة لحكومة الاتحاد الروسي"، وفرض عقوبات على مئات الشركات من أكثر من 20 دولة حول العالم بسبب التوريدات والمبيعات لروسيا. وفي 30 أكتوبر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 19 كياناً هندياً، بما في ذلك شركات وأفراد، لتقديمهم تقنيات "مزدوجة الاستخدام" لروسيا وصفقات أخرى مع شركات روسية، واصفة إياهم بـ"المتهربين من العقوبات من دول ثالثة".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية راندير جايسوال إن الهند لديها "إطار قانوني وتنظيمي قوي" بشأن التجارة الاستراتيجية وضوابط عدم الانتشار.
وأضاف جايسوال: "نحن أيضاً عضو في ثلاثة أنظمة متعددة الأطراف رئيسية لمراقبة الصادرات لمنع الانتشار. وتماشياً مع اعتمادنا الراسخ في مجال عدم الانتشار، نعمل مع جميع الإدارات والوكالات المعنية لتوعية الشركات الهندية بأحكام مراقبة الصادرات المعمول بها، وكذلك إبلاغها بالتدابير الجديدة التي يجري تنفيذها والتي قد تؤثر على الشركات الهندية في ظروف معينة"".
لم تبالغ نيودلهي في رد فعلها على العقوبات الأمريكية، خاصة أنه يمكن عكسها بمجرد دخول ترامب البيت الأبيض في يناير. وفي مواجهة الاستفزاز الأمريكي، لا تتوهم الهند أن العالم سيتغير بمجرد أن يصبح ترامب رئيساً، خاصة مع تزايد الشك في العولمة في الولايات المتحدة.
وقال وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار إن المشاكل التي أدت إلى فوز ترامب بفترته الرئاسية الأولى قد تفاقمت مؤخراً.
وأضاف: "أعتقد أن هناك خوفاً في الولايات المتحدة من أن العولمة ضارة. حالياً، العولمة لا تخدم مصالح الولايات المتحدة وهي، في نواحٍ كثيرة، ضارة بقطاعات مختلفة من المجتمع الأمريكي".
وتابع قائلاً: "إذا تم تفسير القرار السياسي الأمريكي، فإنه يعكس استياء الناخبين وعدم سعادتهم بتأثير العولمة عليهم"، مضيفاً أن الولايات المتحدة ستصبح أكثر وعياً بذاتها في ظل إدارة ترامب فيما يتعلق بمصالحها الاقتصادية والتصنيعية.
كما أضاف أن الهند من بين الدول القليلة في العالم التي يمكنها التحدث مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وتهدف إلى جمع أوكرانيا وروسيا على طاولة المفاوضات. وقال جايشانكار: "لم نقدم خطة سلام. لا نعتقد أن هذا من شأننا"، مؤكداً على دور الهند في تعزيز الحوار.
باتباع مسار مستقل وعدم قطع العلاقات طويلة الأمد مع موسكو رغم الضغوط من الغرب، تستطيع نيودلهي أن تكون وسيطاً. ومع ذلك، هذا هو أيضاً سبب تصرف إدارة بايدن بعدائية دون أي استفزاز من الهند.
مستقبل العلاقات
مع وصول ترامب إلى السلطة في الأسابيع المقبلة، من المرجح أن تتوقف الكثير من العداءات الأمريكية تجاه نيودلهي بشأن قضايا أوكرانيا. ومع ذلك، لا يعني هذا بالضرورة أن العلاقات بين واشنطن ونيودلهي ستكون هادئة، خاصة أن ترامب سيسعى على الأرجح إلى فرض تعريفات تجارية على الهند وخلق قضايا تتعلق بالهجرة. ومع ذلك، فإن أي قضايا ناشئة لن تكون متجذرة في محاولة تعطيل علاقات الهند الطويلة والمثمرة مع روسيا.