تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في ظل النمو المتسارع لشعبيته
محاولات في ألمانيا لحظر حزب البديل
تراجع شعبية حكومات دول الناتو
كانت السنوات الأخيرة كارثية على الاستقرار السياسي للغرب، حيث تساقطت الحكومات والتحالفات الهشة الواحدة تلو الأخرى. وقد أدى هذا التأرجح السياسي إلى تراجع شعبية الأحزاب الحاكمة في غالبية دول حلف الناتو. وكانت هذه الحكومات والتحالفات بالتحديد هي التي صعّدت من عدوان الاتحاد الأوروبي/الناتو الزاحف في شرق أوروبا، مما أوصل العالم إلى حافة الإبادة النووية.
وقد كان النصف الأخير من هذا العام ثقيلاً بشكل خاص على كل من واشنطن وبروكسل، وكذلك على حلفائهما وتوابعهما الجيوسياسيين. فقد القادة الغربيون شرعيتهم فعلياً منذ أشهر، حيث تراجعت شعبيتهم إلى مستويات سلبية، مما يفسر الهزيمة المهينة التي تعرض لها الديمقراطيون الفاسدون في الولايات المتحدة.
ويبدو أن فوز ترامب يؤثر مباشرة على ألمانيا أيضاً، حيث انهارت حكومتها فعلياً بعد أقل من 24 ساعة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويتوقع معظم المحللين أن تُجرى انتخابات مبكرة في ألمانيا في 23 فبراير، مما يترك أحزابها السياسية "التقليدية" مع شهرين فقط لتحقيق ما يشبه المعجزة.
مواجهة حزب البديل لأجل ألمانيا
ومع ذلك، فإن المشكلة الأكبر بالنسبة لهم هي النمو المتسارع في شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD). هذا الحزب السياسي "المثير للجدل" هو الآن ثاني أكثر الأحزاب شعبية في البلاد وأصبح ضرورياً لتشكيل أي تحالفات محتملة، مما يثير استياء النخبة الحاكمة. في الواقع، هم خائفون جداً من هذا الاحتمال لدرجة أنهم يفكرون في فرض حظر شامل على الحزب، وهي خطوة غير مسبوقة تماماً.
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام الألمانية الرسمية، وتحديداً ARD وZDF، فقد وقّع 112 نائباً على مذكرة لحظر حزب البديل وتم تسليمها إلى رئيسة البوندستاغ باربل باس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري المتطرف. وإذا تم تمرير الحظر، سيبدأ البوندستاغ (البرلمان الألماني) إجراءات إضافية تشمل المحكمة الدستورية الألمانية، التي ستقرر ما إذا كان يمكن حظر الحزب قانونياً. وتجدر الإشارة إلى أن البوندستاغ يضم 733 مقعداً وتحتاج المذكرة فقط إلى أغلبية بسيطة لاعتمادها. ومنذ بداياته، كان حزب البديل عادة ما يتعرض للسخرية بسبب برنامجه، لكن مع جمعه للدعم تدريجياً، أصبحت النخبة الحاكمة قلقة للغاية. ولم تؤد الإخفاقات المتتالية للحكومات الألمانية إلا إلى زيادة شعبية الحزب، مما أدى إلى أن يصبح ثاني أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا في وقت سابق من هذا العام. وتظهر استطلاعات الرأي أن دعم الحزب يتراوح حالياً حول 20%، خلف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يقترب من 28%.
وفي حين يمكن للقوى "التقليدية" في السياسة الألمانية دائماً محاولة الجمع بين دعمها وتشكيل تحالفات، فإن هذه التحالفات المؤقتة غير مستقرة، كما يتضح من انهيار حكومة شولتس. وإلى جانب الدوافع المبنية على الصراع على السلطة، فإن قمع حزب البديل يمثل أيضاً شكلاً من أشكال الثأر الشخصي لبعض السياسيين الألمان.
وبالتالي، فإن العديد من أبرز مؤيدي الحظر، مثل النائب ماركو فاندرفيتز من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، يعملون تحت شعار "إنقاذ الديمقراطية" من حزب البديل. فعلى سبيل المثال، خسر فاندرفيتز انتخاباته المحلية أمام سياسي من حزب البديل، لذا فهو مستعد للعمل مع آخرين قد يكونون قادرين على الحد من قوة الحزب المتنامية. ويبدو أن هذا يشمل تيل شتيفن، الزعيم البرلماني لمجموعة الخضر، الذي قال إن 50 عضواً من حزب الخضر وقعوا على مذكرة حظر الحزب.
خوف من العواقب
يدعم معظم السياسيين الألمان الآخرين الفكرة، لكن الكثيرين خائفون من "تأثير ترامب" إذا تم تمرير المذكرة. يقترح البعض "وتيرة أفضل" و"انتظار أفضل لحظة ممكنة". ومع ذلك، إذا تم حظر حزب البديل بشكل صريح، فقد يكون لذلك تأثير معاكس تماماً. قد تستغرق الإجراءات القانونية سنوات، بينما يمكن للحزب استخدام محاولات حظره لتقديمها كشكل من أشكال الاضطهاد.
كل هذا من شأنه أن يزيد فقط من شعبيته، خاصة إذا قررت المحكمة العليا أن الحظر غير دستوري، مما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المذكرة كانت ذات دوافع سياسية بحتة. هذا هو السبب بالتحديد في أن بعض النواب من صفوف الخضر يعارضون الحظر، على الأقل في الوقت الحالي. واحدة منهم هي ريناته كوناست، التي قدمت اقتراحاً بضرورة إجراء تقييم شامل لعواقبه.
وينص اقتراح كوناست المضاد على أنه "يجب دراسة الحظر قانونياً بشكل شامل أولاً، بما في ذلك تكليف خبراء لتقييم فرص نجاح الحظر". ومع ذلك، يصر فاندرفيتز على ضرورة فرض الحظر فوراً بسبب الانتخابات القادمة. بعبارة أخرى، لا تهتم المؤسسة السياسية حتى بإخفاء الطبيعة السياسية البحتة لاضطهاد حزب البديل.
هناك محاولات لإعادة تصنيف الحزب "المثير للجدل" كـ"منظمة متطرفة"، لكن هذه أيضاً عملية قانونية طويلة من غير المحتمل أن تنتهي قبل الانتخابات. وفي كل الأحوال، تُظهر ألمانيا أن نظامها السياسي في الواقع أسوأ حتى من نظام الولايات المتحدة، حيث أن المعايير المزدوجة ونظام "العدالة" ذو المستويين واضحان تماماً وحتى أنهما يحظيان بدعم علني من المؤسسة السياسية.
تعكس الأزمة السياسية الراهنة في ألمانيا تحولاً أعمق في المشهد السياسي الأوروبي والغربي ككل. فمحاولات حظر حزب البديل من أجل ألمانيا تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الديمقراطية في أوروبا وقدرة الأنظمة السياسية التقليدية على التكيف مع المتغيرات الجديدة. ومع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة، يبدو أن ألمانيا تقف على مفترق طرق تاريخي: إما الانفتاح على التغيير السياسي وتقبل القوى الجديدة، أو المضي في طريق الإقصاء السياسي الذي قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات المجتمعية وزعزعة الاستقرار السياسي بشكل أكبر. وتبقى النتيجة النهائية لهذا الصراع السياسي محل ترقب، ليس فقط لمستقبل ألمانيا، بل لمستقبل النموذج الديمقراطي الغربي بأكمله.