استراتيجية القيادة والسيطرة في مواجهة الاحتلال الصهيوني
د. أكرم شمص*
في خضم الصراع القائم بين المقاومة الإسلامية في لبنان وقوات الاحتلال الصهيوني، تتجلى عناصر القيادة والسيطرة كأحد العوامل الحاسمة التي تدير المعارك وتحدد مسارها. القيادة الحكيمة للمقاومة لم تقتصر على إدارة عملياتها العسكرية فقط، بل توسعت لتشمل ميدان المفاوضات والتأثير النفسي على العدو الصهيوني، مستندة إلى روح الشجاعة والصمود. يُظهر الميدان بوضوح أن المقاومة قد أعدت مفاجآت استراتيجية وعمليات مدروسة، جعلت من المواجهات العسكرية والمفاوضات ساحةً لإبراز القوة وإضعاف العدو نفسيًا وعسكريًا.
القيادة والسيطرة في غرفة العمليات تعزز قوة المفاوض
تؤكد المقاومة، كما أشار قادتها، أن صلابة موقفها ينبع من ثقتها بقوتها الميدانية وقدرتها على التصدي لأي تصعيد. فالقيادة الحكيمة للمقاومة، ومن خلال عملياتها العسكرية والنفسية، وضعت العدو تحت ضغط دائم، حيث أصبحت المقاومة تطرح نقاطها بشموخ وكبرياء. وفقًا لرؤية الشهيد الأسمى القائد السيد حسن نصر الله ووصايا القادة، فإن العزة في الميدان لا تعني فقط القوة العسكرية، بل هي مبدأ راسخ يُظهر رجال المقاومة كنماذج للشجاعة والعزة، مما يضفي بعدًا معنويًا يعزز من ثباتهم واستعدادهم للتضحية.
إدارة الصراع وتقديم المفاجآت الاستراتيجية
اعتمدت المقاومة استراتيجية المفاجآت المتواصلة التي تهدف إلى إرباك العدو وتقييد قدرته على التحكم بمجريات المعركة. ورغم تمكن العدو من تنفيذ بعض أهدافه، فإن المقاومة أكدت أن مفاجآتها لم تبدأ بعد، وأن ما ظهر من قدراتها في الميدان هو مجرد بداية. وكان لإطلاق الصواريخ المتفرقة على تل أبيب، والتي أجبرت أكثر من مليوني صهيوني على دخول الملاجئ، دورٌ في توجيه رسالة قوية مفادها أن المقاومة تستطيع تهديد العمق الصهيوني، لابل وتستهدف وزارة الدفاع مما يفاقم الضغط النفسي داخل المجتمع الصهيوني ويؤدي إلى تدهور الثقة بقدرة الجيش على الحماية.
التأثير على الجبهة الداخلية للعدو
اتبعت القيادة في المقاومة استراتيجية «الحرب النفسية» بالتوازي مع العمليات العسكرية. وأثارت ضربات المقاومة في تل أبيب وصفارات الإنذار المستمرة في الشمال حالة من الرعب والقلق بين المستوطنين الصهيونيين. وكما أفادت تقارير بسقوط طائرة مسيّرة صهيونية في جنوب لبنان وفشل الدفاعات الجوية للعدو في التصدي لطائرات المقاومة، مما يعكس مستوى الفعالية الذي حققته المقاومة في استنزاف العدو معنويًا. كذلك، كان لاستهداف الكتيبة 51 التابعة للواء جولاني على الحدود تأثير عميق في قلب الجيش الصهيوني حيث أتت العملية بعد زيارة وزير الحرب يسرائيل كاتس إلى الشمال حيث قال ان نزع سلاح حزب الله أحد أهداف الحرب وهو ما عزز صورة المقاومة كقوة قادرة على تدمير نخبة الوحدات العسكرية للعدو.
نجاح الاستراتيجية النفسية للمقاومة
حالة الذعر التي سادت بين الصهاينة نتيجة الإنذارات المتكررة وإطلاق صافرات الإنذار في الجليل الأعلى تعكس نجاح الاستراتيجية النفسية للمقاومة. قدرة المقاومة على إبقاء المجتمع الصهيوني في حالة قلق دائم تُعتبر جزءًا من تكتيكها لضمان عدم شعور العدو بالأمان، حتى في عمق كيانه. وفقًا لوسائل الإعلام الصهيونية، فإن «الصواريخ القليلة» التي أُطلقت على تل أبيب دفعت الملايين إلى الملاجئ، مما يدل على فعالية التكتيكات النفسية التي تتبعها المقاومة في زعزعة استقرار المجتمع الصهيوني.
انهيار إرادة القتال لدى الجيش الصهيوني
يسعى مراقبون إلى إبراز هدف المقاومة في «قتل إرادة القتال» لدى الجنود الصهيونيين، من خلال التركيز على استهداف القواعد والمراكز العسكرية للعدو. يشير تاريخ المقاومة إلى استراتيجية مماثلة نجحت في عام 2000 عند انسحاب جيش لحد من الجنوب. وتأمل المقاومة اليوم أن تُعيد هذا السيناريو، حيث تُجبر الجنود الصهيونيين على الانسحاب بعد فقدانهم الثقة بقيادتهم وتبخّر الشعور بالأمان في قواعدهم. هذه الاستراتيجية، إن نجحت، ستدفع القيادة الصهيونية إلى إعادة النظر قبل الانخراط في أي تصعيد عسكري مستقبلي.
معادلات المقاومة الإسلامية في الصراع
استطاعت المقاومة الإسلامية، أن تفرض معادلات جديدة على ساحة الصراع، أبرزها:
1. فرض توازن الردع: نجحت المقاومة في تحقيق توازن استراتيجي يجبر العدو على إعادة حساباته، حيث أرست معادلة مفادها أن أي اعتداء على لبنان أو فلسطين سيواجه برد مباشر وفعّال. وعمليات المقاومة الأخيرة أكدت هذا التوازن، حيث شلت حركة العدو في عدة مناطق وأدت إلى حالة من القلق الداخلي.
2. إضعاف إرادة القتال لدى الجنود الصهاينة: تركز المقاومة على استهداف المراكز العسكرية الصهيونية، وليس الأهداف المدنية، بهدف زعزعة ثقة الجنود بقدرتهم على الحماية. والهدف النهائي للمقاومة هو الوصول إلى «مرحلة انهيار الجيش» وتفكيك بنيته المعنوية، كما حدث في انسحاب جيش لحد من الجنوب عام 2000.
3. تعزيز الروح الوطنية والدعم الشعبي: المقاومة، عبر خطابها السياسي والإعلامي، عززت من روح التضامن الوطني والدعم الشعبي، مما يوفر لها زخمًا إضافيًا وقاعدة دعم واسعة، ويحصّن مجتمعها من أي محاولات للتشكيك.
4. إظهار العجز الصهيوني أمام الجمهور العالمي والمحلي: المقاومة استطاعت إظهار ضعف العدو في اختراق الحدود اللبنانية وفشل تحقيق أهدافه العسكرية، مما أسهم في تعزيز الثقة بقدرات المقاومة على فرض معادلة الردع.
تأثيرات التصعيد الحالي على المجتمع الصهيوني
تعيش الجبهة الداخلية الصهيونية حالة من الإحباط والقلق، إذ تشير الاستطلاعات إلى أن غالبية المستوطنين الصهيونيين يرون أن الوضع الأمني لا يسمح لهم بالعودة إلى المستوطنات الشمالية. مع تزايد عدد ضحايا الكيان الغاصب، تتفاقم هذه الحالة مما يزيد الضغط على الحكومة الصهیونیة ويدفعها للتفكير في حلول سياسية لتخفيف التوتر.
استراتيجية المقاومة في المرحلة المقبلة تحقيق الأهداف الكبرى
تشهد المرحلة الحالية من الصراع تصعيدًا نوعيًا، حيث أطلقت المقاومة هجومًا بالطائرات المسيّرة على قاعدة الكرياه في تل أبيب، مقر وزارة الدفاع الصهيونية. يحمل هذا الهجوم رسالة واضحة بأن المقاومة قادرة على الوصول إلى عمق الكيان الغاصب، مما يضع الجيش الصهيوني في مأزق عسكري وسياسي. الرسالة الأساسية للمقاومة في هذه المرحلة هي عدم الرضوخ لدعوات وقف إطلاق النار إلا بشروط تضمن سيادتها، مؤكدةً أن الصمود سيؤدي إلى إرهاق العدو وإجباره على التراجع.
الصمود أمام تهديدات العدو ورفض إملاءات نتنياهو
تعكس تصريحات النائب حسن فضل الله رسالة واضحة للمجتمع الدولي وللصهاينة، مفادها أن محاولات رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية بعد فشله في الميدان العسكري لن تثمر عن نتيجة. فالمقاومة الإسلامية تؤكد عبر خطابها أنها لن ترضخ لأي شروط تُفرض تحت التهديد أو باستخدام القوة العسكرية، وأن تدمير البنية التحتية أو استخدام أساليب وحشية لن يغير من موقفها الراسخ. هذا النهج يُظهر أن المقاومة تضع المبادئ والسيادة فوق كل اعتبار، وترى أن العزيمة والصمود هما السبيل الوحيد لتحقيق أهدافها. كما يُبرز هذا الموقف عجز نتنياهو عن فرض إرادته، موضحًا أن السياسة لن تكون سلاحًا أقوى من الحرب في كسر إرادة المقاومة التي تعتمد على دعم شعبي واسع واستراتيجية صمود عميقة.
الخاتمة
في ضوء ما تقدّم من التحليل السابق، يتضح أن المقاومة الإسلامية استطاعت ترسيخ معادلات جديدة في الصراع مع العدو الصهيوني، معتمدة على توازن الردع، واستهداف إرادة القتال لدى جنود الكيان الغاصب، وتعزيز الروح الوطنية والدعم الشعبي. هذه الاستراتيجية جعلت من المقاومة قوة سياسية وعسكرية يصعب تجاوزها، وأكدت أنها قادرة على فرض إرادتها وتوجيه مسار الصراع. والتصريحات الصهيونية حول الاستمرار في القتال وعدم القبول بأي تسوية دون تحقيق الأهداف، تعكس حالة من التخبط، وتؤكد أن العدو يدرك أن المقاومة تمتلك زمام المبادرة في هذا الصراع الطويل الأمد.
* خبير في العلاقات الدولية