في ظل التقارب العسكري المتنامي بين الطرفين
لماذا ترغب روسيا وباكستان بتعزيز العلاقات الثنائية؟
/ باكستان وروسيا تعمَلان على تعزيز علاقاتهما العسكرية من خلال المناورات المشتركة والدعم التقني وبرامج التدريب الاستراتيجي. هذا التعاون المتنامي يُشير إلى تحوّل أساسي في التحالفات الإقليمية، مما سيؤدي إلى توسيع القدرات الدفاعية وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب. وبينما يقوم البلدان بمراجعة استراتيجياتهما الدفاعية، يمكن أن يؤدي التقارب بينهما إلى تغيير في ديناميكيات الأمن في جنوب آسيا. ماهي هذه العلاقات وعواملها وآثارها؟
زيادة التعاون العسكري
تعمل باكستان وروسيا على توسيع علاقاتهما العسكرية من خلال المناورات المشتركة والدعم التقني والدورات التدريبية. ومن الأمثلة على ذلك "التدريبات المشتركة لمكافحة الإرهاب" (Druzhba VII) التي عززت الجاهزية العملياتية لباكستان وقللت من اعتمادها على التعاون الدفاعي مع الغرب.
التقى نائب وزير الدفاع الروسي، "الجنرال ألكسندر فومين"، مع قادة القوات البحرية والجوية الباكستانية لبحث سبل توسيع التعاون الأمني البحري وتدريبات مكافحة الإرهاب. تعكس هذه اللقاءات المخاوف الأمنية المشتركة بين البلدين في المنطقة.
التغيير في اللاعبين الجيوسياسيين
يشير التعاون العسكري بين البلدين إلى تغيير في الاستراتيجية الدفاعية التقليدية لباكستان. تسعى باكستان إلى تقليل اعتمادها الكامل على الولايات المتحدة وإيجاد حلفاء جدد. في الوقت نفسه، تعمل روسيا على تعزيز نفوذها في جنوب آسيا وتوسيع علاقاتها الدفاعية مع كل من الهند وباكستان.
يمكن أن يؤثر التعاون بين باكستان وروسيا على العوامل المؤثرة في أمن منطقة جنوب آسيا والموقف الإقليمي للهند، كما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستقرار في أفغانستان. كما يسعى البلدان إلى مكافحة انتشار القوات شبه العسكرية.
تحسن العلاقات بين باكستان وروسيا
تأثرت العلاقات بين البلدين بديناميكيات الحرب الباردة. ومع ذلك، تمكن البلدان من التحرك نحو تعزيز العلاقات العسكرية من خلال تغيير مقارباتهما. التقى قائد القوات الجوية، "ظاهر أحمد بابر صديقي"، مؤخراً مع نائب وزير الدفاع الروسي، "الجنرال ألكسندر فومين"، لبحث فرص زيادة التعاون العسكري. عُقد هذا اللقاء بدعم من "العلاقات العامة بين الخدمات" (ISPR) وتناول موضوعات مثل التدريبات العسكرية المشتركة والتبادلات التدريبية والدعم التقني، مما يعكس الأهمية التي توليها باكستان لاستراتيجيتها الدفاعية الإقليمية.
أكد قائد القوات الجوية الباكستانية، في خطابه الأخير، على التزام قواته بتعزيز التعاون العسكري مع روسيا. يشمل هذا التحول الاستراتيجي برامج تدريبية وتعاوناً صناعياً وتدريبات مشتركة تهدف إلى: تعزيز الجاهزية العملياتية للقوات الجوية الباكستانية وتوسيع تحالفات باكستان الدفاعية.و أشار قائد القوات الجوية إلى رغبة قواته في استخدام التكنولوجيا العسكرية الروسية المتقدمة في بنيتها التحتية. يمكن أن يؤدي هذا التوجه إلى تقليل اعتماد باكستان على موردي المعدات الدفاعية الآخرين، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.
من جانبه أكد "الجنرال فومين"، الذي ترأس الوفد الروسي، على استعداد موسكو لتعزيز تعاونها الدفاعي مع باكستان. وأشاد "فومين" بالتطورات الأخيرة في القوات الجوية الباكستانية مشيرا إلى برامج تحديث هذه القوات تحت قيادة "صديقي". كما أكد على التزام بلاده بتقديم الدعم التقني للقوات المسلحة الباكستانية. يتجلى هذا الالتزام المتبادل بين البلدين في جهودهما المستمرة لتنويع شركائهما الدفاعيين والمعدات التكنولوجية.
ومن وجهة نظر باكستان، يُعد تعزيز العلاقات العسكرية مع روسيا طريقاً جديداً للوصول إلى القدرات التقنية، بينما تستفيد روسيا من توسيع نفوذها الإقليمي في جنوب آسيا.
هل تنضم باكستان إلى الكتلة الروسية؟
من النقاط المهمة في التعاون العسكري المتنامي بين البلدين سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة تحت اسم Druzhba (وتعني الصداقة باللغة الروسية). بدأت "تدريبات مكافحة الإرهاب المشتركة" Druzhba VII، وهي أحدث جولة من التدريبات المشتركة لمكافحة الإرهاب، في وقت سابق من هذا الشهر وتجري في المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في بابي - باكستان. تُنفذ هذه التدريبات بمشاركة القوات الخاصة الباكستانية والقوات العسكرية الروسية وتهدف إلى تعزيز الجاهزية القتالية ومهارات مكافحة الإرهاب. تعكس هذه التدريبات القلق المشترك للبلدين بشأن الإرهاب والتهديدات الأمنية على المستويين الإقليمي والعالمي.
التعاون في مجال القوات الجوية
بالإضافة إلى التعاون بين القوات الجوية الباكستانية وروسيا، التقى "الجنرال فومين" في المقر الرئيسي للقوات البحرية الباكستانية مع قائد القوات البحرية "الجنرال نافيد أشرف". ركز هذا الاجتماع على تعزيز التعاون البحري بين البلدين، خاصة في مجالات الأمن البحري والتكنولوجيا البحرية والاستقرار الإقليمي.
يجعل الموقع الاستراتيجي لباكستان بالقرب من طرق بحرية مهمة الأمن البحري ذا أهمية كبيرة لها، كما يوفر فرصة للتعاون الوثيق مع روسيا في هذا المجال. يتوافق هذا التعاون مع مصالح كلا البلدين في أمن الطرق البحرية.
انتصار كبير لبوتين
خلال المفاوضات، أشار "الجنرال أشرف" إلى رغبة باكستان في إقامة علاقات طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد مع روسيا.و أكد على أهمية برامج التدريب الثنائية وتبادل الأفراد والتدريبات البحرية المشتركة. في المقابل، أشاد "فومين" بجهود القوات البحرية الباكستانية في تأمين خطوط الملاحة الإقليمية وأكد على التزام روسيا بتعزيز العلاقات البحرية بين البلدين. يكتسب التعاون البحري أهمية خاصة نظراً لتعطل أمن الطرق البحرية في المحيط الهندي وما وراءه، ويرجع ذلك أساساً إلى تصاعد التوترات الإقليمية وزيادة الوجود العسكري للقوى العالمية في البحار.
لا يمكن أن تتطور العلاقات بين روسيا وباكستان دون آثار جيوسياسية. من الناحية التاريخية، تمحورت العلاقات الدفاعية لباكستان حول الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين نتيجة للحرب الباردة. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة رغبة إسلام آباد في تنويع حلفائها الدفاعيين، خاصة مع تعرض علاقاتها مع الولايات المتحدة لبعض المشاكل. من خلال التقرب من روسيا، عززت باكستان أنشطتها المتعلقة بإحداث تغيير في سياستها الخارجية، بهدف تقليل اعتمادها على حليف واحد في عالم متعدد الأقطاب.
ميل روسيا وباكستان لتعزيز التعاون
إن توقيت تعزيز التعاون بين البلدين مهم للغاية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه باكستان والتوترات الجيوسياسية بين روسيا والدول الغربية. ولا يقتصر التعاون العسكري عادةً على الدعم التقني فحسب، بل يحمل أيضاً فوائد اقتصادية محتملة، بما في ذلك الاستثمار في البنية التحتية العسكرية والمشاريع الصناعية. وبالنسبة لباكستان التي تواجه قيوداً اقتصادية، فإن استخدام الخيارات الدفاعية الروسية الأقل تكلفة يمكن أن يكون مفيداً ويتيح لها تحديث جيشها بتكلفة أقل.
ويُعد هذا التوجه نحو توسيع التعاون، من وجهة نظر روسيا وباكستان، جزءاً من التغيير الأوسع في المشهد الأمني الإقليمي. ويشير تحول باكستان نحو روسيا إلى رغبتها في التنويع الاستراتيجي واحتمال الاستفادة من ميزة التعاون مع عدة شركاء في مجال الدفاع. ومن وجهة النظر الروسية، يعزز هذا التعاون من نفوذها الأمني في العالم، كما يُظهر استعدادها للتعاون مع الدول التي تبحث عن بدائل للأنظمة الدفاعية الغربية. ومع استمرار تعزيز التعاون الدفاعي، تقدم باكستان وروسيا نفسيهما كشريكين قادرين على المساهمة في تحقيق الأهداف الأمنية لبعضهما البعض.
يبعث هذا التعاون العسكري برسالة إلى القوى الإقليمية والعالمية الأخرى بشأن الهند، التي تتمتع تاريخياً بعلاقات دفاعية قوية مع روسيا. وقد يشير تعزيز العلاقات العسكرية مع موسكو إلى تغيير محتمل في توازن القوى الإقليمي. فقد اعتمدت الهند لعقود على التكنولوجيا الدفاعية الروسية؛ ومع ذلك، فإن فرصة استفادة باكستان من دعم تقني مماثل من روسيا يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد الأمني في جنوب آسيا. كما أن التعاون الحالي بين الهند والولايات المتحدة في المجال الدفاعي يزيد من تعقيد العلاقات الأمنية في المنطقة، حيث تسعى كل من روسيا والولايات المتحدة للحفاظ على نفوذهما
في جنوب آسيا.
ختاماً، تشير العلاقات العسكرية المتنامية بين روسيا وباكستان إلى تغيير مهم في تركيبة القوى المؤثرة على أمن جنوب آسيا. فمن خلال التدريبات العسكرية المشتركة والتدريب والتعاون التقني، يمكن لباكستان الاستفادة من مزايا استراتيجية إضافية، بينما تستطيع روسيا تعزيز نفوذها الإقليمي. ويعكس تزايد التعاون بين البلدين تقارباً في المصالح بين دولتين تعيشان في ظروف جيوسياسية معقدة وتسعيان لتعزيز قدراتهما الدفاعية. وبينما تواصل روسيا وباكستان توسيع علاقاتهما العسكرية، سيكون لتأثير هذا التعاون والتقارب بين البلدين صدى في المنطقة وخارجها.