المنهجية القرآنية في الحوار مع الآخرين
السيد حسين بدر الدين الحوثي نموذجاً
إعداد: محمد محسن الحوثي
ففي حجاج أهل الكتاب قال الله مخاطبا للنبي وآمرا له أن يخاطب اليهود والنصارى بالمعجزات التي أتاها محمد والعلامات التي وافقت في صفته ما تقدمت البشارة به، فاستخدم الاستفهام والمراد به التوبيخ، بل أكثر من ذلك أخذ القرآن الكريم يخطب ودهم متوسلا بما ينبغي الالتقاء عليه فقال «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»، حيث دعاهم تعالى إلى التوحيد وإلى الاقتداء بمن اتفقوا أنه كان على الحق بعد أن أعرضوا عن الإقرار بالعبودية فخاطب الله المسلمين مقابلا لإعراضهم عن الحق وتجديدا للإقرار بأنهم مخلصون مقرون بالتوحيد، منقادون لأوامر الله ونبيه ومقيمون على الإسلام وهذا تأديب من الله لعبده المؤمن وتعليم له وهذا وهدف الخطاب كما سيأتي بيانه هو التقارب والتعايش الإنساني في ظل مفاهيم سليمة خالية من التمايز الزائف
والتفاضل المغشوش.
ويشمل مصطلح أهل الكتاب (اليهود، والنصارى)، ونظنّ أن مجرد هذا الاصطلاح يدلّ على معنى تواصلي عميق ينصّ على المشترك، وهو تَلقِّي الوحي، مع ما يترتب على ذلك من العلم والابتعاد عن الغواية والهوى وما في حكمه، ومثله مصطلح (بني إسرائيل)، ففيه تذكير للمخاطَبِين بأنهم من سلالة نبي من الأنبياء، مع كلّ ما يترتب على ذلك..وموضوع أهل الكتاب في القرآن الكريم موضوعٌ شاسعٌ لا تزعم هذه الورقة أنها قادرة على استيعابه؛ ولذلك سأكتفي بالموضوع الأساسي الذي هو الحوار لأقول بأنّ القرآن الكريم قد حاور أهل الكتاب ودعا إلى محاورتهم وفق آداب خاصة:
فقال تعالى مرشدًا إلى خصوصية أهل الكتاب: «وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ»، وقال تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ».
إنه تأسيس لأرضية مشتركة، وبحث عن المشترك الذي يجعل إمكانية اللقاءات المطلوبة واردة وممكنة، ولعلّ أصرح آية في الدعوة إلى الانطلاق من موطن اللقاء، قوله تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ».
والحوار مع أهل الكتاب في شقّهم النصراني قد كان لهم مع رسول الله وقفة خاصّة، حين لقي وفد نجران فكان هذا الموقف الصريح من عيسى، قال تعالى: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ».
وفي الآية تذكير بأن خلْق عيسى له نظير: ـ«إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ»، أي: في قدرة الله؛ حيث خلقه من غير أب «كَمَثَلِ آدَمَ»؛ حيث خلقه من غير أب ولا أم، بل «خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ»، فالذي خلق آدم من غير أب، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأَوْلى والأحرى؛ وإن جاز ادّعاء البنوّة في عيسى لكونه مخلوقًا من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأَوْلى، ومعلوم بالاتفاق أنّ ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشدّ بطلانًا وأظهر فسادًا؛ ولهذا قال تعالى: «الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ»، أي: هذا هو القول الحقّ في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه، وماذا بعد الحقّ إلا الضلال، ثم قال تعالى آمرًا رسوله أن يباهل مَن عانَد الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»، أي: نحضرهم في حال المباهلة «ثُمَّ نَبْتَهِلْ»، أي: نلتعن «فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»، أي: منّا أو منكم، وقصة وفد نجران مليئة بالدلالات والعبر، ولا يتّسع
المقام لتفصيلها.
يُتبع...