السيّد نصر الله ومدرسة الولاء للقيادة الدينية وحفظ الهوية الوطنية
الشيخ علي خازم *
الدروس الفكرية من الإمام السيد موسى الصدر وأثرها في فكر السيّد نصر الله (قُدّس)
كان للإمام السيد موسى الصدر تأثير فكري كبير في توجهات السيّد نصر الله (قُدّس) ، وخاصة فيما يتعلق بالعمل من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة لجميع اللبنانيين.وكان الإمام السيد موسى الصدر قد عبّر بوضوح في نص كتيب في سبيل العدالة وهو التقرير الذي أقره المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عن حقوق الطائفة سنة 1974 :
"- بالنسبة الى نوعية المراكز يرفض المجلس تصنيف المواطنين طائفياً ويؤكد بقوة مطالب القائلين برفض طائفية الوظيفة وضرورة تبادلها بين ابناء مختلف الطوائف حسب كفاءاتهم.
- إن الألوف من المواطنين في مناطق بعلبك الهرمل وفي الشمال وفي مناطق اخرى لا يملكون بطاقة هوية لبنانية وبالتالي يحرمون من كافة الحقوق المواطنية . إن هؤلاء لا يمكن التشكيك في لبنانيتهم ولا في ولائهم الوطني ولكن ظروفهم الحياتية وسكناهم في مناطق نائية جعلتهم من المكتومين والمعلقين".
وقد قال السيد نصر الله (قدس) في خطبة له عام 2018: "نحن نؤمن بما دعا إليه السيد موسى الصدر بأن العدالة لا يجب أن تكون حكراً على طائفة معينة، بل هي حق للجميع. وهذا يدفعنا للعمل من أجل تنمية شاملة لكل المناطق، بغض النظر عن الطائفة".
يعكس هذا الفكر الاجتماعي الشامل رؤية السيّد نصر الله (قدس) للدولة على أنها إطار لخدمة المجتمع، وليس لخدمة طائفة أو مذهب.
علاقة السيد حسن نصر الله(قدس) بولاية الفقيه من خلال كلماته عن الإمامين الخميني(قدس) والخامنئي
ولاية الفقيه ليست مجرد نظرية سياسية أو دينية لدى السيد نصرالله، بل هي نهج عقائدي يلتزم به في سياسته وفكره وعلاقته بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران.
يعود ارتباط السيد حسن نصرالله(قُدّس) بمبدأ ولاية الفقيه إلى أوائل ثمانينيات القرن العشرين، عندما بدأ حزب الله بالظهور كقوة مقاومة في وجه الاحتلال الصهيوني. في تلك الفترة، كان الإمام الخميني(قدس) يمثل "المرشد الأعلى للثورة الإسلامية" في إيران، وقد أرسى أسس ولاية الفقيه كمنهج قيادي وديني للأمة الإسلامية، خاصةً لأتباع مدرسة أهل البيت. تأثر السيد نصر الله بشدة بأفكار الإمام الخميني(قدس)، واعتبره قائداً دينياً وسياسياً يحمل رؤى نهضوية تتجاوز الحدود الجغرافية، وتهدف إلى توحيد الأمة الإسلامية.
وقد عبر السيد نصر الله مراراً وتكراراً في خطبه وكلماته عن إعجابه العميق بالإمام الخميني(قدس)، واصفاً إياه بـ"المعلم والقائد الروحي" الذي ألهم أجيالاً من المقاومين، وأسهم في تغيير مسار التاريخ الإسلامي المعاصر.
في إحدى كلماته، قال السيد نصر الله (قدس): "الإمام الخميني(قدس)، رحمة الله عليه، ليس فقط مرجعاً دينياً، بل هو قائد أمة ومؤسس لمدرسة ثورية تبعث الروح في قلوب المؤمنين". هذا التصريح يعبر عن مدى تعلقه بالفكر الخميني(قدس)، ويبرز اعتباره للإمام الخميني(قدس) بمثابة المرجعية العليا التي توجه أعمال المقاومة.
مع رحيل الإمام الخميني (قدس) وتولي الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله الشريف منصب "الولي الفقيه"، وإكمال مسيرة سلفه في قيادة الثورة الإسلامية، استمر السيد نصر الله في إعلان ولائه لمبدأ ولاية الفقيه، مؤمناً بأن الإمام الخامنئي هو الامتداد الشرعي لفكر الإمام الخميني(قدس)، وقائدٌ للأمة الإسلامية، خاصةً في مواجهة القوى الظالمة والاستكبار العالمي. وقد قال السيد نصر الله في إحدى المناسبات: "نحن في حزب الله نعتبر أن سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي هو إمامنا وقائدنا وولي أمرنا، ونحن ملتزمون بتوجيهاته ونصائحه". هذه الكلمات تعكس الولاء التام الذي كان يكنه السيد نصر الله للإمام الخامنئي، وتظهر اعتباره للإمام الخامنئي مرجعية شرعية وسياسية في آن واحد.
من الجدير بالذكر أن ولاء السيد حسن نصر الله (قُدّس) لمبدأ ولاية الفقيه لم يكن على مستوى الشعارات فقط، بل كان له أثر مباشر في سياسات حزبالله وتوجهاته. فالسيد نصرالله يرى أن ولاية الفقيه هي النظام الأمثل لتحقيق العدالة والوقوف بوجه الظلم والطغيان. وقد التزم حزبالله، بقيادة السيد نصر الله، بالتوجيهات العامة لولاية الفقيه فيما يخص القضايا الإجتماعية للمستضعفين والمحرومين من كل الطوائف في لبنان فقد قدم حزب الله بقيادة سماحته نموذجا في مساعدة الناس أيام المحن والحصار الإقتصادي على المشتقات النفطية مثلا فتحدى أميركا والكيان الغاصب وجاء من ايران بشاحنات المازوت عبر سوريا وأمنها لكل القرى والبلدات التي احتاجتها، كما كان له دور كبير في المواقف من القضايا الإقليمية كالصراع في سوريا واليمن والعراق فالتزم سماحته بقيادة حزب الله إلى تبني المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين وسوريا، وإلى دعم الحشد الشعبي في العراق لمواجهة داعش كما كان الصوت العربي الوحيد الفاعل تجاه اليمن.
تعتبر علاقة السيد حسن نصرالله(قُدّس) بولاية الفقيه علاقة عميقة وثابتة، وليست مجرد تحالف سياسي. من خلال كلماته عن الإمامين الخميني(قدس) والخامنئي، يُظهر السيد حسن نصر الله (قُدّس) ولاءَه العقائدي والفكري، ويُبرز مكانة القيادة الإيرانية كمحور توجيهي ومرجعية دينية وسياسية في مسيرة حزبالله.
الاستقلالية الوطنية والتبعية لولاية الفقيه
واجه السيّد نصر الله (قدس)تحدي تحقيق الالتزام بولاية الفقيه مع الحفاظ على استقلالية القرار الوطني، ويظهر ذلك بوضوح في خطبه التي يؤكد فيها أن علاقة لبنان بولاية الفقيه هي علاقة ولاء أخلاقي وروحي ديني، وليست تبعية سياسية لمصالح خارجية غير وطنية. يقول في أحد خطاباته:
"نحن نلتزم بولاية الفقيه كالتزام شرعي وديني، لكننا نؤكد أن هذا لا ينتقص من سيادتنا على قرارنا. نحن نقود حزباً لبنانياً بقرار لبناني، ونعمل ضمن إطار لبنان وسيادته، ولا نقبل بأي تدخل خارجي يهدد هذا الاستقلال".
" نحن سادة عند الولي الفقيه ولسنا عبيداً عند أميركا وأدواتها في المنطقة".
هذا الموقف يعكس رؤية السيد حسن نصر الله (قدس) في التوفيق بين انتمائه العقائدي واستقلالية القرار الوطني، موضحاً أن ولاية الفقيه ليست مفروضة بشكل يعارض المصالح الوطنية.
العلاقة مع القيادات الدينية الشيعية اللبنانية المخالفة لولاية الفقيه
رغم الاختلاف في قضية ولاية الفقيه مع بعض العلماء اللبنانيين مثل آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وآية الله السيد محمد حسين فضل الله، وآية الله الشيخ عبد الأمير قبلان رحمهم الله، حافظ السيد حسن نصرالله (قدّس) على علاقة إيجابية معهم ضمن توافق على المستوى الاجتماعي والوطني والديني. أدرك السيد نصرالله أن التنوع الفقهي لا يجب أن يكون عائقاً أمام التوافق في قضايا حفظ السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني.
كان آية الله الشيخ شمس الدين ناقداً لمبدأ ولاية الفقيه، لكنه تعاون مع السيد نصرالله حول قضايا تخص الشأن اللبناني والمقاومة. قال السيد نصرالله(قدّس) في تأبينه: "عاش هموم الوطن والأمّة... قد تختلف معه، ولكنك لا تستطيع الا أن تحترم منطقه". كما أضاف عنه: "موقفه من المقاومة وفلسطين كان موقفاً عقائدياً دينياً قبل أن يكون سياسياً".
أما آية الله السيد فضل الله، فقد كان شخصية مستقلة، ورغم خلافه حول بعض التفاصيل في مسألة ولاية الفقيه، لكنه كان مرشدا دينيا وروحيا لأجيال متعاقبة، وداعماً للمقاومة، واعتبر الدفاع عن الأرض اللبنانية واجباً دينياً ووطنياً. قال السيد نصرالله (قدّس) عنه: "فقدنا اليوم أباً رحيماً ومرشداً حكيماً... عَلّمنا في مدرسته أن نكون الرافضين للظلم والمقاومين للاحتلال".
وبالنسبة لآية الله الشيخ قبلان، الذي شغل رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بعد آية الله شمس الدين، فقد كان من اللصيقين بمسيرة الإمام السيّد موسى الصدر ومن كبار دعاة الوحدة الإسلامية والوطنية وداعمي المقاومة. أثنى عليه السيد نصرالله بقوله: "غادرنا اليوم... سماحة آية الله العلامة الشيخ عبد الأمير قبلان... كان سنداً قوياً للمقاومة في لبنان حتى النفس الأخير".
أظهر السيد نصرالله وعياً عميقاً بأهمية الوحدة، حيث استطاع بتقديره واحترامه للآراء المختلفة أن يحافظ على علاقات إيجابية مع هؤلاء العلماء، مرتكزاً على القواسم المشتركة ودعم المقاومة والوحدة الوطنية، مما عزز التلاحم داخل المجتمع الشيعي اللبناني وتاليا مع الطوائف الأخرى.
الخاتمة والتوصيات
نجح السيد حسن نصر الله(قدس) في إنشاء مدرسة فكرية تجمع بين الالتزام بمبدأ ولاية الفقيه والحفاظ على استقلالية القرار الوطني، مقدماً نموذجاً سياسياً يجمع بين الهوية الدينية والهوية الوطنية. ويستحق هذا النهج التوسع في دراسته واستعراض مزيد من خطب السيّد نصر الله (قدس) لفهم كيفية مزجه بين الولاء العقائدي والمصلحة الوطنية.
التوصيات:
التعمق في دراسة خطب الشهيد السيّد حسن نصرالله (قدس) حول مفهوم التعايش.
استكشاف المزيد من تأثيرات السيد موسى الصدر على فكر السيّد حسن نصر الله (قدس).
مراجعة دقيقة وجمع وتحليل نصوص المواقف المتعلقة بالاستقلالية الوطنية والولاء لولاية الفقيه.
* أمين سر مجلس الأمناء
تجمع العلماء المسلمين في لبنان
الفهرست:
- الخلفية الفكرية والمدرسة الصدرية بين لبنان والنجف الأشرف.
أ. السيد موسى الصدر: التركيز على البعد الوطني والتعايش.
ب. السيد محمد باقر الصدر: توظيف البعد العلمي والأخلاقي.
- تحليل الخطب والمواقف الخاصة بالسيد حسن نصر الله.
أ. التعايش الوطني.
ب. الحفاظ على الهوية الدينية.
- الاستقلالية الوطنية والدفاع عن الحدود.
- الإلتزام بمشروع الدولة الواحدة مقابل مشاريع التقسيم والفدرلة.
- الدروس الفكرية من الإمام السيد موسى الصدر وأثرها في فكر السيّد نصر الله (قُدّس).
- علاقة السيد حسن نصر الله (قُدّس) بولاية الفقيه من خلال كلماته عن الإمامين الخميني (قُدّس) والخامنئي.
- الاستقلالية الوطنية والتبعية لولاية الفقيه.
- العلاقة مع القيادات الدينية الشيعية اللبنانية المخالفة لولاية الفقيه.
- الخاتمة والتوصيات.