تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
”سرّ الألوان في الدحنون”.. الكتابة بحبر الدم والتراب
ويختم حجازي مجموعته القصصية بقصّة "كفّ القاسم ملحمة العشق الذي لا ينتهي"، وهي حكاية ذلك المقاوم الأسطوري الذي يدعى قاسم سليماني، الذي قاد صراعاً عنيداً، ضدّ الاستكبار العالمي الذي يشبه أفعى الهيدرا بأذرعها ورؤوسها القاتلة والشديدة السمّية، وذلك من إيران إلى لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، وبعد تحقيق العديد من الإنجازات للمقاومة يتحقّق لهذه الأفعى القاتلة وبدعم من حلفائها أن تلقي لهيب نارها على موكب هذا القائد البطل قاسم سليماني وأخوته ليستشهدوا في مطار
بغداد.
يتخذ القاصّ د علي حجازي من الحدث الواقعي مرجعاً لكتابة القصة، فالقصة المكتوبة عند حجازي في مجموعته القصصية" سرّ الألوان في الدحنون" هي عبارة عن استعادة لقصة عاشها الإنسان في الجنوب اللبناني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي .
تتراصف قصص حجازي وعددها 14 قصة متفاعلة مع مظلومية هذا الإنسان مشكّلة امتداداً لمعاناته وصوتاً أدبياً لصراعه المرير في سبيل سعيه الدؤوب لتحقيق شروط العيش في وطنه بعزة وكرامة، وتغرف هذه القصص من نبع واحد هو الظلم والعدوان الذي مارسه الاحتلال على المواطن اللبناني في الجنوب، لذا نجد هذه القصص مفعمة بالأمل والعزة والحماسة، الأمر الذي يجعلها منحازة أحياناً إلى التعبوية والاستنهاض من غير أن تتخلّى عن الشرط الفني وما يفترضه من دهشة وغموض، وإشراك للقارئ في النص من تحليل وتخييل وتأويل في عملية تبادلية يشتعل فيها الزيت وفتيله ليُضيئا معاً قنديل هذه التجربة الكتابية الإبداعية .
يتأمل حجازي في وجوه واقع القهر الذي يمارسه الاحتلال ويلقي شباكه في بحر القصة فيستخرج نصوصاً مختلفة ألوانها، فيصوّر لنا مشاهد حيّة مترافقة مع تصوير دقيق للمكان والزمان والشخصيات، فينقل تجارب حسية غنية بعمقها النفسي والثقافي من خلال بناء شخصيات محورية واقعية ومؤثّرة، ويوظّف هذه الشخصيات والأحداث والمواقف لنقل رسالة أخلاقية بطريقة غير نمطية وإنّما مباشرة، تبقى امتداداً لواقع واحد ينكر الاحتلال بلغة طازجة تحضر فيها الفكرة المجرّدة ويعوزها الإيحاء ويفتقدها التعقيد، ويظلّ التاريخ (تاريخ حقبة الاحتلال للجنوب اللبناني) المرجع الأساسي والرحم الذي ولدت منه هذه القصص التي تمّ جمعها تحت عنوان "سرّ الألوان في الدحنون"، هو عنوان قصة واحدة من هذه المجموعة القصصية من باب تسمية الكلّ بالجزء محقّقة استقلالاً ذاتياً.
نجح حجازي في "سرّ الألوان في الدحنون "في تكوين حقل مغلق من الإشارات والرموز والدلالات، كأنما انغلاقه جاء كضرورة علاجية تعطي الإنسان المحرّر توازناً يحتاج إليه ينفي ما علق في النفس من غبار الاحتلال .