تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
بريطانيا تعلن ميزانية تاريخية مؤلمة
شهدت بريطانيا يوماً استثنائياً بلحظتين مميزتين. كانت راشيل ريفز، وزيرة الخزانة، أول امرأة في تاريخ بريطانيا تحمل الحقيبة الحمراء الشهيرة التي تحتوي على المشروع المالي للدولة إلى البرلمان. وتضمن هذا المشروع التاريخي زيادة ضريبية لم تشهد بريطانيا مثلها في عصرها الحديث.
سعى كرير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، جاهداً لإقناع النواب بقبول هذا المشروع. وجاء في التفاصيل: لا أحد في بريطانيا يريد دفع المزيد من الضرائب، لكن جميع السكان الذين يعيشون في منازل موبوءة بالعفن يدركون - حسب رؤية رئيس الوزراء - أن هناك خيارين إما الرسم على القالب القديم أو هدم القالب البالي وإنشاء أساس جديد للمستقبل. وصرح ستارمر قائلاً: "نحن بصدد إعادة هيكلة وضعنا المالي لتمويل إعادة إعمار بلادنا".
ووفقاً للقرارات المتخذة، سيتم تخصيص مبالغ ضخمة لترميم الخدمات الصحية الحكومية المتهالكة، والمدارس المدمرة، والسجون المكتظة، وسيُطلب من أصحاب العمل مستقبلاً دفع اشتراكات تأمين اجتماعي أعلى لموظفيهم. كما ستخضع الدخول والأصول الخارجية المعفاة سابقاً للضرائب في بريطانيا، وسترتفع ضريبة الأرباح الرأسمالية. وستُفرض ضرائب جديدة على الرحلات بالطائرات الخاصة، وستخضع المدارس الخاصة للضريبة على القيمة المضافة.
لم تعرض وزيرة المالية الجديدة أرقاماً فحسب، بل كشفت أيضاً التناقضات، حيث تتعارض هذه الزيادات الضريبية مع أحد الوعود الانتخابية الرئيسية لحزب العمال. في الصيف الماضي، طمأن ستارمر الناخبين بعدم وجود زيادات ضريبية للعاملين. سيلمس البريطانيون آثار التقشف الاقتصادي المخطط له. على سبيل المثال، يبدو خفض الدعم الحكومي لشركات الحافلات غير ذي صلة للوهلة الأولى. لكن الحافلات لا تزال الوسيلة الأكثر شيوعاً للنقل العام في المناطق الريفية البريطانية. وإذا ارتفعت التعريفات بمقدار الثلث، فسيكون لذلك بالتأكيد عواقب على "العمال".
هذا مجرد واحد من 497 إجراءً مخططاً له لسد الثغرات المالية في خزينة الدولة. وسيستغرق الأمر بضعة أيام حتى تهدأ الأمور وتتضح عواقب هذه الميزانية في الحياة اليومية. شيء واحد مؤكد: المشروع المالي الجديد للحكومة البريطانية ليس تاريخياً فحسب، بل مؤلماً أيضاً.
يتضح أن بريطانيا على أعتاب تحول اقتصادي كبير. فالميزانية الجديدة التي قدمتها حكومة حزب العمال تحمل في طياتها رسالة واضحة: إعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد بطريقة جذرية. وعلى الرغم من المخاوف والانتقادات، يبدو أن الحكومة عازمة على المضي قدماً في خطتها.
المتغيرات الاقتصادية الجديدة ستؤثر على مختلف شرائح المجتمع البريطاني، من الموظفين وأصحاب الأعمال إلى المؤسسات التعليمية والخدمية. والسؤال الأكبر الذي يطرح نفسه: هل ستنجح هذه الإجراءات في تحقيق التوازن المنشود بين إصلاح الاقتصاد وحماية المواطنين؟