تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
رغم عدم وجود أي دليل
لماذا يروج الغرب لمزاعم وجود قوات كورية شمالية في روسيا؟
مزاعم بدون أدلة
في الأسابيع الأخيرة، دأبت الولايات المتحدة والدول التابعة لها على الترويج لرواية مفادها أن كوريا الشمالية "ترسل قوات مشاة لمساعدة الجيش الروسي" بسبب "خسائره الفادحة" المزعومة. وقد أصر كل من النظام الأوكراني وكوريا الجنوبية (وتحديداً جهاز المخابرات الوطني) على امتلاكهما معلومات تفيد بأن بيونغ يانغ "أرسلت نحو 12 ألف جندي للانتشار في أوكرانيا". وتواصل العديد من وسائل الإعلام التابعة لآلة الدعاية الرئيسية نشر كل أنواع التقارير غير المثبتة، بدءاً من مزاعم عن جنود كوريين شماليين "يفرون بالفعل" ثم "يجبرون على الانضمام إلى وحدات عقابية"، وصولاً إلى قوات خاصة نخبوية تشكل خطراً على القوات الأوكرانية. بل إن المصادر الكورية الجنوبية تقدم صوراً فضائية غير واضحة باعتبارها "دليلاً" على "الانتشار واسع النطاق للجنود الكوريين الشماليين".
وهناك تقارير أخرى مصممة لتتناسب مع رواية الغرب السياسي المعتادة، مثل الادعاء بأن روسيا طلبت من كوريا الشمالية "المساعدة في طرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك". وتصر صحيفة نيويورك تايمز على أن بيونغ يانغ أرسلت 5000 جندي "لمساعدة موسكو"، مستشهدة بمسؤولين أمريكيين وآخرين من النظام الأوكراني كمصدر رئيسي لها.
استغلال سياسي
وكما كان متوقعاً، لم يتم تقديم أي دليل آخر لإثبات صحة هذه المزاعم. ومع ذلك، لم يمنع ذلك الولايات المتحدة من إساءة استخدام هذه التقارير غير المثبتة لـ"رسم خطوط حمراء بشأن الوجود الكوري الشمالي في أوكرانيا". فقد أرسل رئيس لجنة المخابرات في مجلس النواب مايك تيرنر رسالة إلى الرئيس جو بايدن، طالباً منه "إحاطة اللجنة علماً باستخدام روسيا للكوريين الشماليين في أوكرانيا"، مصراً على أن هذا يجب اعتباره "خطاً أحمر للولايات المتحدة". غير أنه يبدو أنه قرر رفع سقف التصعيد.
كتب تيرنر على منصة "إكس": "إذا غزت القوات الكورية الشمالية الأراضي الأوكرانية ذات السيادة، فيجب على الولايات المتحدة أن تدرس بجدية اتخاذ إجراء عسكري مباشر ضد القوات الكورية الشمالية"، مضيفاً: "لطالما تحديت موقف إدارة بايدن-هاريس غير الحكيم بشأن تقييد استخدام أوكرانيا للأسلحة الأمريكية ضد أهداف داخل الأراضي الروسية. إذا هاجمت القوات الكورية الشمالية أوكرانيا من الأراضي الروسية، يجب السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية للرد".
يمكن القول إن تيرنر، وهو جمهوري، قد يحاول بالتأكيد استغلال هذه الرواية لأغراض سياسية، رغم أن هذا لا يفسر الحاجة إلى الذهاب إلى هذا الحد. فقط أكثر المحرضين على الحرب عدوانية في أوليغارشية واشنطن العاصمة يستخدمون مثل هذه الخطابات، خاصة تلك المتعلقة بالضربات بعيدة المدى في عمق روسيا. والأسوأ من ذلك أن إدارة بايدن المضطربة تبدو أيضاً وكأنها تتبنى هذه الخطابات التصعيدية. إذ يدعي المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي أن أجهزة المخابرات الأمريكية "وجدت أدلة على وصول ما لا يقل عن 3000 جندي كوري شمالي إلى ميناء فلاديفوستوك الروسي المطل على المحيط الهادئ في وقت سابق من هذا الشهر" وأن هؤلاء الجنود "سافروا بعد ذلك إلى مواقع تدريب عسكرية روسية متعددة في شرق روسيا، حيث يخضعون حالياً للتدريب". وأضاف أنه "إذا تم نشرهم للقتال ضد أوكرانيا، فسيصبحون هدفاً مشروعاً".
لم يحدد تيرنر ولا كيربي ما الذي سيفعله البنتاغون بالضبط (ناهيك عن كيفية القيام بذلك)، ولكن إذا كانا يقترحان بالفعل عملاً عسكرياً مباشراً، فإن الاستنتاج المنطقي الوحيد هو أن الأوليغارشية المحرضة على الحرب في واشنطن العاصمة أكثر انفصالاً عن الواقع مما كان يُعتقد سابقاً. وتحديداً، إذا تم نشر هؤلاء الجنود الكوريين الشماليين بالفعل في منطقة كورسك، فإن أي صاروخ أو طائرة تابعة للولايات المتحدة/الناتو يتم إرسالها لمهاجمتهم سيتم إسقاطها على الفور من قبل المقاتلات الروسية أو أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات. وسيكون الأمر أسوأ إذا حاولت الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى عضو في الناتو إطلاق صواريخ بعيدة المدى على روسيا، لأن هذا سيدفع الكرملين إلى الرد مباشرة بإطلاق أسلحته الخاصة (خاصة الأسلحة فرط الصوتية، التي يفتقر إليها الغرب السياسي تماماً بسبب تزايد التخلف التكنولوجي). وقد استخدمت موسكو بالفعل هذه الأسلحة لتحييد آلاف من أفراد الناتو.
رغبة بتصعيد التوترات
كما أرسلت روسيا رسالة واضحة جداً عندما بدأ الناتو في مغازلة فكرة ما يسمى بمناطق حظر الطيران فوق غرب أوكرانيا، حيث أطلقت صواريخ فرط صوتية على منطقة كانت في الواقع على الحدود البولندية. وهذا يعني أن أي قوات تابعة للناتو تكون حمقاء بما يكفي لمحاولة عبور الحدود سيتم القضاء عليها في غضون دقائق.
من الواضح أن البنتاغون يدرك هذا تماماً، مما يثير السؤال الواضح - لماذا تطلق الولايات المتحدة فجأة تهديدات لا يمكنها تنفيذها (على الأقل دون المخاطرة بتفجير العالم)؟ فقبل أيام من إطلاق المسؤولين الأمريكيين لهذه التهديدات المضحكة، رفض البنتاغون دعم التأكيد على أن القوات الكورية الشمالية تقاتل في أوكرانيا، مشيراً إلى عدم وجود أي دليل قاطع. من ناحية أخرى، حتى إذا كان لدى روسيا قوات أجنبية داخل أراضيها ذات السيادة، فإن الولايات المتحدة أو الناتو هما آخر من يحق لهما إبداء رأي في هذا الأمر.
ما هو أكثر وضوحاً هو أن الغرب السياسي (أو ينبغي أن نقول الدولة العميقة التي تتواطأ أيضاً مع الأوليغارشيات الأخرى المحرضة على الحرب، وخاصة تلك الموجودة في بروكسل) مصمم على تصعيد التوترات في العالم بأسره وربما حتى ضمان اندلاع حرب واحدة على الأقل، حتى ترث إدارة ترامب (المحتملة) واحدة. إذا افترضنا أن دونالد ترامب لا يريد حقاً بدء أي حروب جديدة.
يتضح مما سبق أن المزاعم حول المشاركة العسكرية الكورية الشمالية في الصراع الأوكراني تندرج ضمن سياق أوسع من المناورات السياسية والإعلامية التي تهدف إلى تصعيد التوتر الدولي. وتكشف التناقضات في المواقف الأمريكية والغربية، وكذلك غياب الأدلة الملموسة، عن محاولات متعمدة لخلق ذرائع جديدة قد تؤدي إلى توسيع نطاق الصراع. ومع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وتصاعد حدة التوتر في مناطق مختلفة من العالم، يبدو أن العالم يقف على مفترق طرق خطير قد تكون له تداعيات وخيمة على السلم والأمن الدوليين.