نظرة على منهج السرد القصصي عند سعدي الشيرازي

"سعدي الشيرازي " شاعر وكاتب إيراني، درس في النظامية ببغداد التي كانت تعتبر أهم مركز للعلم والمعرفة في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وبعدها سافر كداعية إلى مناطق مختلفة، بما في ذلك الشام والحجاز. كثرة أسفاره والاطلاع على مختلف العلوم جعلته يحقق في الشعر والقصة مكانة لم يتمكن غيره من الشعراء من تحقيقها، كما أن براعته في الشعر والرواية في نفس الوقت لا نراها إلا في القليل من الشعراء في تاريخ الأدب.
لقد كان لكلمة "سعدي الشيرازي" تأثير لا يمكن إنكاره على اللغة الفارسية؛ بحيث يكون هناك تشابه ملحوظ بين اللغة الفارسية الجديدة واللغة السعدية. تم تدريس أعماله منذ فترة طويلة في المدارس والكتاتیب كمصدر لتعليم اللغة والأدب الفارسي.
 العديد من الأمثال الشائعة في اللغة الفارسية مقتبسة من أعماله. وعلى عكس كثير من الكتّاب في عصره أو قبله، اعتمد البساطة والإيجاز واستطاع أن يحقق شهرة كبيرة حتى في حياته.
استخدم سعدي الشيرازي لغة القصص للتعبير عن أفكاره بالطريقة القديمة، وكما نعلم فإن لسرد القصص مكانة خاصة في تاريخ حياة الإنسان، وقد حظى سرد القصص بشعبية كبيرة بين أمم الشرق. والسبب القوي لأهمية القصة هو أن جزءا كبيرا من القرآن الكريم هو قصص الأنبياء والشعوب الماضية.
كما اتبع سعدي هذا الأسلوب الذي كان لغة التعبير الفني الوحيدة عن الأخلاق، وقام بتصميم أعماله، وخاصة كتاب "بوستان".
كتاب "بوستان" عبارة عن مجموعة كاملة من جميع أنواع القصص مع ميزات القصص الحديثة. وإن معظم الميزات والأقسام التي تقدم للقصص وأنواعها اليوم تعتمد على نصوص "نثرية"، ويمكن أن تكون الرسالة المنقولة والتوصيف والأحاديث متسقة مع أنواع الترتيب. یحتوي كتاب "بوستان" لسعدي على حوالي 177 قصة قصیرة وربما يبدو من الناحية العامة أن كل هذه الحكايات توضع في فئة واحدة، لكن إذا تم الاهتمام قليلا بهذه الحكايات، فإن بعض النقاط الواضحة ستضعها في عدة فئات.
إحدى طرق معرفة الرواية التقليدية الفارسية هي فحصها بطرق علمية جديدة وتطبيق التحليل البنيوي على النصوص السردية. نتيجة استخدام مثل هذه الأساليب، بالإضافة إلى إحياء تقاليد القصة القديمة، تؤدي إلى فهم أفضل للبنية السردية للنصوص واكتشاف تقنيات السرد القصصي الرئيسية للمؤلفين وشرح نقاط القوة والضعف في أعمالهم .
لقد أثار الباحثون كثيراً من الدراسات حول صياغة ومعنى قصائد سعدي، ولكن هناك معلومات أقل حول أسلوبه في السرد القصصي. ولا بد من الفصل والتصنيف حسب العناصر التي تشكل بنية القصص (بما في ذلك عدد الحوادث، عدد الأشخاص، و خاتمة القصص أو نهايتها). وبحسب الصور النمطية السردية القوية الموجودة في ذهنه، فقد بدأ سعدي في استكمال القصص وفي بعض الأحيان توسيعها وتحديثها.
إن النقاش حول جنس الناس، والطبقة الاجتماعية للناس، ووجود الناس، والشخصيات الحقيقية والمجازية، ونقد أساليب السرد وأنواع الحوار، يشمل جوانب أخرى من تقنيات السرد القصصي عند سعدي.
وفي "جلستان" أيضاً تم استخدام عناصر القصة في صورتها البسيطة ليتمكن القارئ من فهم رسالة هذا العمل القيم وسر جماله الأبدي في أقصر وقت. من بين إجمالي 178 قصة في جلستان، هناك حوالي 80 قصة قصيرة جدًا يمكن تكييفها مع القصص البسيطة للأدب الغربي بعدة طرق ويمكن فحص البنية القصصية لبعض هذه القصص بمعايير النقد الحديث.
"معظم الشخصيات في القصص القديمة، وخاصة في قصص جلستان، هي شخصيات ثابتة، ولا يمكن رؤية تحول كبير فيها. نظراً للإيجاز السائد في القصص، أحياناً يتم سرد القصة من قبل الراوي ولا تكون الشخصيات نشيطة جداً، ولكن لأن الشخصيات يتم اختيارها من قلب المجتمع والناس على دراية بأفعالهم وسلوكهم، تبدو القصة أكثر واقعية. في بعض الأحيان يكون لبطل القصة اسم خاص وهذا يدل على أهميته. في مثل هذه القصص، تتمتع الشخصية بقاعدة اجتماعية وموقع تأثير؛ أي أن شخصية بارزة ومشهورة تحمل مهمة إيصال الرسالة، مما يزيد من وظيفة الخطاب وإشباعه لدى القارئ.
في بعض الأحيان في القصة، كانت القصة تُروى فقط من قبل الراوي ولم تكن الشخصيات نشيطة جدًا، ولكن لأنها كانت تمتلك روحًا وكانت مرتبطة بحياة الناس، كانت جذابة وسهلة الاستماع. حتى أنه حدث في بعض الأحيان أن أبطال وشخصيات القصة لم يفعلوا شيئًا، لكن نيتهم ودوافعهم هي التي دفعت القصة إلى الأمام. لكن هذه القصص سمعها الناس أيضًا. لأن الناس فهموا أن الدافع هو الذي يعطي قيمة أخلاقية لأفعال الشخصية. ولذلك فإن أفضل القصص وأكثرها جاذبية بين الناس هي تلك التي تحتوي على أفضل الشخصيات وأفضل المواضيع، وأفضل الشخصيات هي تلك التي تكونت من المجتمع وأحداثه. وبالنظر إلى "جلستان" من هذا المنطلق، أي تقنيات توصيف سعدي، ندرك ميزة أخرى لهذا العمل القيّم، الذي يكشف سر خلود "جلستان" .
قصص من السعدي بلغة بسيطة:
ركب ملك وعبده سفينة للسفر إلى مكان ما. وبمجرد أن ذهبت السفينة إلى البحر، بدأ غلام ينفد صبره ويبكي، لأنه كانت المرة الأولى التي يرى فيها البحر.
ومهما تحدثوا معه بلطف، فإنه لن يهدأ. لدرجة أن الملك سئم منه.
وكان في السفينة رجل حكيم فقال للملك: إذا سمحت لي أستطيع أن أسكت هذا العبد.
فقال الملك: إذا فعلت هذا فقد قدمت لي معروفا عظيما.
فقال الحكيم لطاقم السفينة أن يلقوا العبد في البحر. وعندما غرق ونزل في الماء عدة مرات، أخرجوه.
ومنذ ذلك الحين جلس غلام في الزاوية ولم يزعج.
فسألوا ذلك الحكيم: ما السبب في ذلك؟
قال الحكيم: حتى رأى المأساة لم يقدر سلامة السفينة وأمنها.
 هدوء السفينة يقدره من وقع في مأساة الغرق في البحر.
قصة أخرى:
أحد مدرّبي المصارعة كان لديه متدرب موهوب وعلّمه 365 فن من فنون المصارعة. وعندما كبر المدرب، قال المتدرب: سمعة مدربي لا أساس لها من الصحة ويمكنني هزيمته بسهولة.
وصلت هذه الكلمة إلى أذني الملك، فأمر هذين المصارعين بالتصارع.
وبمساعدة الفن رقم 366، استحوذ المدرب العجوز على متدربه القوي. وردًا على شكواه من عدم تعليمه كل الفنون، قال المدرب: لم أكن جاهلًا لدرجة أنني لم أتذكر أيامي القديمة.
أعجب الملك بتفكير السيد العجوز وأعطاه ثوباً ثميناً.
الاستنتاج الأخلاقي الذي يستخلصه الشاعر من هذه القصة هو أنه لا ينبغي لأحد أن يعلم تلاميذه الحيلة
الأخيرة.

البحث
الأرشيف التاريخي