مُناظرة بين الإنسان والحرب!!
الوفاق / خاص
د. رُلى فرحات
ألو ألو أأنت الحرب؟
نعم، هذه أنا أيها السائل!
أأنت ولّادة الدمار ومنشئة الخراب
أأنت شاربة الدماء وآكلة الأرزاق
أأنت قاتلة الطموح ومخربة الآفاق
أأنت حارقة البنيان وخانقة الرياحين
أأنت جارفة الجمال ومكسرة الآمال
أأنت سارقة النوم وعابثة الفساد
أأنت سالبة الحق ومهجرة الناس
هل اكتفيت أم تريدين سؤال المزيد؟
ماذا أسأل بعد وأنت مسيلة دموع الثكالى والأطفال
وأنت منهكة الرجال والشيب والشبان
وأنت حاصدة الأعياد؟!!!!!!
وأنت النهمة المتعطشة الجائعة، ألم تكتفين بعد؟
آلاف من القتلى والجرحى والمعوقين، آلاف من المهجرين والنازحين، آلاف من الثكلى والأيتام والمفقودين، آلاف من المرضى والضائعين، آلاف من المتعبين، آلاف من الخائفين الهائمين، آلاف من المغربين المهاجرين، وآلاف آلاف من المؤمنين الصامدين، الذين بالحق منتصرين !!
أنا الحرب التي تسأل عنها، صنعني البشر وزرعوا بي كل الفجور والغطرسة، أنا آلة وأداة ولست أنا أنا، بل أنا أنتم أيها البشر، أنا مطامعكم وأحقادكم ولؤمكم وفجوركم، أنا إنتقامكم وفسادكم وجوعكم، أنا شوقكم للدماء، أنا قتلكم للأنبياء، أنا رأسماليتكم الجشعة، أنا ديكتاتوريتكم الظالمة، أنا ديمقراطيتكم السوداء، أنا بروليتاريتكم البلهاء، أنا برجوازيتكم العمياء، أنا صلاتكم الكاذبة، أنا دعواتكم الماكرة، أنا مملكتكم الفانية، أنا نفسكم الأمارة بالسوء، أنا سعيكم تحت عباءة التقوى لقتل أخيكم في الإنسانية – صدقا تضحكني هذه الكلمة كثيرا وتُثير إشمئزازي بل تجعلني أتقيأ من كثرة كذبكم ودجلكم... لم يكفيكم عبثكم في الأرض فتوجهتم نحو الفضاء واحتللتم القمر وانتهكتم الأجواء ورافقتم الجن والشياطين واتهمتموهم بالخبث، هل هم الخبثاء؟!!! لعلني أُبقي فمي مطبقا على وصفكم... فبماذا أصفكم؟ لقد اصطفاكم الله على جميع مخلوقاته وزينكم بالعقل «ورب النار أضحك حين أقول أنكم ذوو عقل!!!» وخلقكم على أحسن صورة، وسخر لكم كل الدنيا وأطايبها، سهولها وجبالها، سطحها وجوفها، بحارها وأنهارها وحتى أثيرها ونورها. لقد تطاولتم بالعمران وصغرتم بالحكمة، وأكثرتم النظريات وبعدتم عن الإتزان، لقد أكثرتم مساحيق التجميل وفرحتم في عقولكم التي ازدادت إتساخا وأغرقت نفوسكم في مستنقع موحل يتعشق للدماء والتنكيل.
حقيقة يا بني البشر أنتم عاهة المخلوقات وعواهر الأقدار، وأنتم المجرمون الذين لا تشبعون، ولا تحضّون على مال اليتيم ولا تؤتون طعام المسكين، ولا تنفقون مما ترزقون، ولا تؤمنون رغم كثرة الأنعام، ولا تتعظون رغم كثرة الآلام. هل فعلا أنتم تملكون أدمغة؟!!
تفرحون بإنجازاتكم، وتحتفلون بإختراعاتكم، وتتنافسون في إبتكاراتكم. وأي إبتكارات هذه التي لا تزيد الحياة إلّا أمراضا وآفاتٍ. تنشرون الفيروسات والأوبئة في الأخلاق والمعتقدات والتقاليد، وفي الأبدان والأفكار والمشاعر، لقد أصبحتم أشباه وقد شُبّه لكم أنّكم «إنسان».
أيّها السائل؟! هل تُحدثني عن زيتون أجدادكم، وسنديانات جيرانكم، وأرز تلالكم. هل تُخبرني كيف أخشابكم وأحرفكم وصباغكم قد وصلت إلى شواطىء كل العالم، وكيف دخلت في كل الثقافات! حتى حريركم وخزفكم قد تغنّت به الكثير من الحضارات.. هل أنا مَنْ قمتُ بحرقها وتدميرها؟ّ هل أنا مَنْ اخترعت البارود والقذائف الفسفوريّة؟! هل أنا منْ حوّلت اليورانيوم إلى قنابل ذريّة؟! هل أنا مَنْ سممّتُ الهواء؟! هل أنا مًنْ إغتصبتُ النّساء؟! هل أنا مَنْ قتلتُ الأنبياء؟! وهل أنا مَنْ طلبتُ منكم الرجوع إلى الوراء؟! وهل أنا مَنْ وأدّتُ البنات؟! هل أنا مَنْ خلطت الجنسين وفرّعتهم إلى أجناس وأجناس؟! وهل أنا مَنْ لوثتُ الأفكار وبلدتُ المشاعر والأحاسيس ونشرتُ الأمراض؟!
أيّها السائل! إسمع ما أخبرتك به، أكتبه ومن ثم أعد قراءته بموضوعية وشفافيّة... ثم أخبرني: هل فعلًا أنا المسؤولة عن كل ما نَعَتّني به؟! وهل أستحق كل الوصف الذي دلوت به؟!
أيّها السائل نعم أنا الحرب... هل لك أن تُخبرني مَنْ أنت؟
أنا الإنسان ولست من البشر، أحمل غصن الزيتون وأنشر الخير، أفترش الأرض في الصيف ليحلو السمر، وفي الخريف أحرث أرضي وأجدّ بدرسي، وأسعى بعملي، وفي الشتاء أُكمل جهدي وأُوظّف جهودي، وفي الربيع يُزهر عودي. أنا إنسان أعبدُ ربي، وأسعى برزقي، وأساعد جاري، وأرعى ولدي..
أيتها الحرب، أنا إنسان، أنا الحب والجمال، أنا الإيمان.. أنا السّلام.
أيتها الحرب، أنا إنسان بصمودي عزة وكرامة ستغلب يد البشر التي صنعتك لأرفع رايات النّصر فوق رمادك، وأغرس الأعلام في جذور تراب الأرض الطاهرة، فترفرف لتُثبت إنسانيتي.