تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
من خلال المشاركة والإستثمار في القطاعات الحيوية
هل سيكون الإقتصاد بوابة النفوذ الألماني لآسيا الوسطى ؟
في ختام خطابه في القمة الثانية لرؤساء "5+1" لألمانيا وآسيا الوسطى، طرح المستشار الألماني "أولاف شولتز" أسئلة من هذا القبيل: ما الإمكانات الجديدة التي ترونها لعلاقاتنا؟ في أي مجالات يجب أن نعمق تعاوننا؟ أين يمكن لألمانيا أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا؟
لكن خطاب شولتز كان مختلفًا مقارنة بتصريحات قادة دول آسيا الوسطى. كانت كلمات المستشار الألماني ذات طبيعة أكثر عمومية وركزت على الروابط التاريخية والقيم المشتركة والدعوة للحوار. كما بدت نبرة كلامه أكثر خصوصية ودبلوماسية، مما يعكس نوعًا من الامتنان.
بالمقارنة معه، كان خطاب الرئيس التركماني "سردار بردي محمدوف" أكثر تنظيمًا وتحديدًا، ويحتوي على مقترحات وتركيز على المجالات ذات الأولوية. بعبارة أخرى، كان أسلوب وطريقة تعبير بردي محمدوف رسميًا وركز على الأهداف الاستراتيجية ومجالات التعاون المحددة.
يمكن القول إن جولة شولتز في آسيا الوسطى، التي شملت زيارات إلى أوزبكستان وكازاخستان، أبرزت نية ألمانيا في توسيع وجودها الاقتصادي في المنطقة، ما هي عواقب هذه الزيارة والتأثير المحتمل للوجود الألماني على الآفاق الاقتصادية لآسيا الوسطى.
التعاون الاقتصادي والإبتكار التكنولوجي
خلال زيارته إلى كازاخستان، أجرى المستشار الألماني محادثات مفصلة مع الرئيس الكازاخستاني "قاسم جومارت توكاييف". أشاد توكاييف بألمانيا كواحدة من الرواد العالميين في مجال الاقتصاد والابتكار التكنولوجي، وأكد على اهتمام بلاده الشديد بالاستفادة من الخبرات الألمانية لتعزيز الإمكانات الصناعية لكازاخستان. وأشار إلى أهداف مثل تشجيع "توطين إنتاج المنتجات ذات القيمة المضافة العالية"، مما يشير إلى نوع من الانتقال من حالة الاعتماد على صادرات المواد الخام إلى حالة إنشاء قاعدة صناعية أكثر تنوعًا وتعقيدًا.
المجالات المحددة للتعاون المحتمل بين كازاخستان وألمانيا تشمل التمويل والزراعة واللوجستيات والنقل العابر وتكنولوجيا المعلومات، وهي ذات أهمية رئيسية لتنويع اقتصاد كازاخستان.
يمكن للمهارات التكنولوجية والخبرات الألمانية في هذه المجالات أن تحفز تقدمًا كبيرًا في كازاخستان. بالنسبة لألمانيا، يمكن لهذه الشراكة أن تفتح فرصًا للاستثمار في الأسواق الناشئة في المنطقة، وهو ما يتماشى مع استراتيجية برلين الأوسع للحفاظ على المصالح الاقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى الطرفان دائمًا إلى تطبيق نهج متعدد الجوانب في تعاونهما. وهذا يعني أن بدء أي مشروع يتضمن أيضًا تنفيذ برامج (مشاريع) تعليمية. على سبيل المثال، تريد ألمانيا، بالتعاون مع شركة سويدية، إطلاق إنتاج الهيدروجين الأخضر في منطقة "مانغيستاو" في كازاخستان. لهذا الغرض، تم التخطيط لإنشاء جامعة مشتركة للهندسة المستدامة في كازاخستان لتدريب الموظفين المحتملين. كما يدرس الطرفان مشاركة شركة ألمانية في استخراج الليثيوم في منطقة "كازاخستان الشرقية"، ولهذا الغرض تم التخطيط أيضًا لإنشاء مركز تدريب مشترك.
مبادرات في مجال الطاقة الخضراء
كان تطوير برامج الطاقة الخضراء في آسيا الوسطى أحد العناصر الرئيسية في محادثات المستشار الألماني في المنطقة. أشار توكاييف بشكل خاص إلى المبادرة الثلاثية لجمهورية أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان لإنشاء محطات للطاقة الشمسية والرياح بهدف تصدير الكهرباء إلى الاتحاد الأوروبي. وأكد على التزام المنطقة بالطاقات المتجددة ودورها المحتمل في أمن الطاقة الأوروبي، ودعا الشركاء الألمان للمشاركة في هذا "المشروع الاستراتيجي".
تتماشى مشاركة ألمانيا في هذا المشروع مع أهدافها الطموحة في مجال المناخ والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. يمكن لألمانيا، من خلال الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة في آسيا الوسطى، أن تساهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وكذلك في توفير مصادر بديلة للطاقة. يمكن للاستثمارات ونقل التكنولوجيا الألمانية أن تساعد في تسريع تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة لدول آسيا الوسطى.
اتفاقيات الهجرة و ديناميكيات سوق العمل
في أوزبكستان، توصل الرئيس "شوكت ميرضيايف" والمستشار الألماني إلى اتفاق بشأن الهجرة والحاجة إلى القوى العاملة. نشرت العديد من وسائل الإعلام معلومات تفيد بأن أوزبكستان، مقابل الاتفاق على العمال المهاجرين، قد تعهدت بمسألة نقل المواطنين الأفغان الذين ارتكبوا جرائم خطيرة في ألمانيا إلى بلدهم. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هذا الاتفاق قد تم بالفعل أم لا، حيث أن أوزبكستان وألمانيا تتفاوضان في هذا الشأن منذ أكثر من عام، وحاليًا لم يتم تأكيد أو نفي إبرام الوثيقة ذات الصلة من قبل المصادر الرسمية للبلدين. كما تجري مفاوضات مماثلة بين قيرغيزستان وألمانيا.
بالنسبة لأوزبكستان، ستكون مثل هذه الوثيقة متماشية مع جهود ميرضيايف لإعادة تنظيم سوق العمل ونقل الاقتصاد إلى مرحلة إنتاج السلع النهائية. ستتمكن أوزبكستان، من خلال تصدير القوى العاملة المتخصصة، من تحسين إمكانات قوتها العاملة في الوقت نفسه وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع ألمانيا. كما سيقدم هذا الاتفاق أوزبكستان كفاعل دولي مسؤول ومستعد للتعاون في القضايا المعقدة.
المصالح الإستراتيجية والنفوذ الإقليمي
تعد زيادة مشاركة ألمانيا في آسيا الوسطى بمثابة خطوة استراتيجية لتوسيع نفوذها في المنطقة. من خلال المشاركة الاقتصادية والاستثمار في القطاعات الحيوية في آسيا الوسطى، تقدم ألمانيا نفسها كلاعب رئيسي في تشكيل مستقبل هذه المنطقة.
يتماشى التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة مع الأهداف الأوسع للاتحاد الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة، وهو موضوع اكتسب أهمية أكبر بكثير في سياق تصاعد التوترات الجيوسياسية الأخيرة. توفر الإمكانات الهائلة لآسيا الوسطى في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فرصًا لأوروبا للوصول إلى مصادر بديلة للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، ستوفر المشاركة الألمانية في المجالات التكنولوجية والاقتصادية دورًا بديلاً للاستثمارات الأخرى لدول آسيا الوسطى. قد يكون النهج الألماني، الذي يركز على نقل التكنولوجيا والتنمية المستدامة، أكثر جاذبية للدول التي تسعى إلى شراكة متوازنة.
التداعيات الداخلية لألمانيا
على المستوى الداخلي، فإن هذه الاتفاقيات الدولية، التي تشير إلى التحرك نحو قضايا مهمة، لها فوائد لحكومة شولتز. إن رسم حلول لمشاكل الهجرة يتوافق مع روح المجتمع الألماني، كما أنه يمثل ردًا على التحديات التي يطرحها المعارضون السياسيون لشولتز. كما سيساعد توظيف العمال المهرة الأوزبك في معالجة مشكلة نقص القوى العاملة ودعم النمو الاقتصادي في ألمانيا.
ومع ذلك، ستظل مسألة إدارة الهجرة قضية حساسة. في النهاية، سيؤثر مدى فعالية هذه الاتفاقيات في إدارة تدفقات الهجرة وتأثيرها على الرأي العام على السياسة الداخلية الألمانية، وستكون الشفافية والتواصل مع المجتمع (الرأي العام) حيوية لفهم ودعم هذه المبادرات الدولية.
من الواضح أن المانيا رأت في الإقتصاد الطريق الأنسب للنفوذ إلى منطقة آسيا الوسطى، و بطبيعة الحال لا يمكن اعتبار هذه التحركات منفصلة عن التحركات الغربية الأخيرة اتجاه هذه المنطقة، حيث تهدف هذه التحركات للتدخل في آسا الوسطى بذريعة مواجهة ما يسميه الغرب النفوذ الصيني-الروسي.