أستاذ للعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية للوفاق:
المقاومة صامدة.. ولولا الدعم الغربي لما بقي للصهاينة باقية
منذ تأسيسه في عام 1948، خاض الكيان الصهيوني عدة حروب ومعارك مع العرب، وكانت مجمل تلك المعارك والحروب خاطفة وسريعة، لا تدوم سوى بضعة أيام أو أسابيع قلائل، سواء كان ذلك الكيان رابحًا فيها أو خاسرًا. ولأسباب وعوامل وظروف جيوسياسية وأمنية ومجتمعية مختلفة، لم يعرف عن الكيان الصهيوني قدرته على خوض حروب استنزافية طويلة الأمد، وربما أدرك مؤسسوه وأصحاب القرار فيه منذ وقت مبكر، أن الدخول في حروب ومعارك عسكرية طويلة، قد تشكل بدايات ومقدمات تفككه وتشظيه وانهياره، رغم الدعم والإسناد الهائل له من قبل العالم الغربي، والخنوع والخضوع والانهزام من أغلب العالم العربي. وها نحن نرى المعركة الأهم والأطول في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، والتي ما زالت مستمرة مع جبهة الإسناد اللبنانية التي تطورت أحداثها في الفترة الأخيرة، يحاول الكيان الصهيوني الظهور في هذه المعركة بمظهر المنتشي والمنتصر مؤخرًا محتفيًا ببعض النجاحات التكتيكية البديهية كونها ناجمة عن مده بكل أشكال الدعم والتفوق الغربي التكنولوجي والمعلوماتي، لكنه يُنازع ويحتضر على المستوى الاستراتيجي والوجودي ويغرق أكثر فأكثر في مستنقع الهزيمة، وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وسام إسماعيل، وفيما يلي نصّه:
الوفاق / خاص
عبير شمص
محور المقاومة ووحدة الساحات
يعتبر أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وسام إسماعيل:" أن أهم خطوة قامت بها المقاومة هي أنها لم تعد مقاومة منفردة تقاتل في كل جبهة على حدة إنما أصبحت محوراً واعتمدت مبدأ وحدة الساحات، هذه الوحدة تتعرض لمحاولة كسر عبر الدعم الغربي والعربي المطلق للكيان الصهيوني في مواجهة المقاومة في غزة ولبنان واليمن والعراق، تدل شراسة العدوان الصهيوني في هذه المرحلة على أن العدو الصهيوني مرتعب من وحدة الساحات، وهو بات يرى في محور المقاومة مشروعاً استراتيجياً يستطيع تهديد الكيان المؤقت ووجوده، وبالتالي يمكننا القول أن المقاومة ارتقت على الرغم من التضحيات الكبيرة وما تعرضت له من ضربات عديدة، وباتت رقماً صعباً في المنطقة، ويجب عليها في هذه المرحلة أن تصبر وتقاوم وتنتصر حتى تثبت نفسها في المنطقة، فكل ما يجري اليوم هو محاولة لكسر محور المقاومة الذي بنى نفسه بفترة ليست طويلة، لا تتعدى عدة سنوات وبالتالي كل ما يجري اليوم لا يُدلل على ضعف المقاومة إنما قوتها لذا توجب على العدو كسرها، لذلك يستخدم في مواجهتها كل الأساليب العدوانية والوحشية وكل التكنولوجيا المتوفرة في العالم وآخر التقنيات المتطورة والعقل الإجرامي الغربي من أسلحة بُغية تفتيت هذا المحور وكسره وكل هذا يؤشر على أن المقاومة باتت رقماً صعباً ومؤثراً".
دعم جبهات الإسناد للمقاومة الفلسطينية
قررت كل جبهة من محور المقاومة اختيار الطريقة والكيفية التي ستساعد بها جبهة قطاع غزة، يشرح الدكتور إسماعيل، فنرى أن الجبهة اللبنانية ما زالت تُحافظ على أهدافها الاستراتيجية والجبهة اليمنية ما زالت تُغلق البحر الأحمر والعراق يستمر بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة كل يوم والجمهورية الاسلامية انخرطت في جبهة إسناد قطاع غزة بطريقتها، لذا يُمكننا القول أن هذه الجبهات أبلت بلاءً حسناً ومن غير العادل مقارنتها بالجبهة الأخرى من ناحية الإمكانيات والقدرات والدعم المالي والعسكري، هذه الجبهات تحاول أن تخلق نوعاً من توازن القوة ليس على أساس التعادل في القوة إنما يقوم على قدرة هذه الجبهات على الصمود وإلحاق ضرر كبير بالطرف الآخر بُغية دفعه الى التنازل، على سبيل المثال حزب الله على الرغم من كل ما تعرض له من ضربات ما زال مُصراً على إفشال أهداف الكيان الصهيوني بكسره والقضاء عليه وكذلك إعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم، كذلك الأمر على المستوى اليمني أكثر من 800 غارة تعرض لها اليمن وما زال مُصراً على تأدية مهمته التي أوكل نفسه بها إذا صح التعبير وهذا دليل قوة أما جبهة العراق وعلى الرغم من الوجود الأمريكي هناك والإنقسام السياسي القائم ما زالت تقوم بما أوكلت نفسها به وتقوم بكل ما يلزم منها ."
يرى الدكتور إسماعيل أننا لا نرى الألم على المستوى الداخلي للكيان الصهيوني الذي ما زال يوحي لنا بأنه قوي وما زال قادراً على التصرف ويملك ذراعا طويلا على مستوى الجو لذا يفترض على محور المقاومة بالمدى القريب أن يستطيع تخطي هذه العقبة. وأقصد هنا إذا انتصرنا ونحن منتصرون باذن الله(سبحانه وتعالى) أن يتحول محور المقاومة إلى الإعداد والتجهيز من أجل تغطية هذا الفارق التكنولوجي بين جبهتنا وجبهة العدو الصهيوني".
المقاومة في غزة ضربت أُسس التطبيع
يعتبر الدكتور إسماعيل بأن:" عملية "طوفان الأقصى" أعادت الإنتباه إلى القضية الفلسطينية وإلى حقوق الشعب الفلسطيني وبيّنت عدوانية ووحشية وإجرام الكيان الصهيوني وضربت مساراً طويلاً من التطبيع الذي كان يهدف إلى محو فكرة القضية الفلسطينية وإستعادة الحقوق الفلسطينية واستطاعت اقناع وتأكيد فكرة بيئة محور المقاومة أنها كانت دائماً على حق، أما بالنسبة للبيئة العربية الأخرى المطبعة فهي انزعجت منها معتبرة إياها خطراً على نجاحها لأن نجاح هذه العملية ونجاح محور المقاومة سيُلغي الأسس التي استندت إليها للإرتهان للمشروع الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية".
ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة
يؤكد الدكتور إسماعيل بأن:" هذه العملية تُمثل حلقة من حلقات الصراع مع الكيان الصهيوني والتي ستساهم أكثر وأكثر في تكريس جوهر الكيان العدواني القاتل المغتصب للأرض المتسلط المتكبر المُعبر عن المشروع الغربي الإستعماري وبأنه أداة للهيمنة على الشعوب، فهي رسخت قناعة قائمة على عدم استرداد الحقوق إلا بالقوة وبأنه مهما بلغت التضحيات ومهما تعرضت المقاومة لضربات فإن ما تدفعه من أثمان أقل بكثير من الاستسلام والخنوع والذل. في هذه المرحلة نستطيع القول أنها جعلت القضية الفلسطينية تعود إلى الواجهة وبأن المنطقة العربية لن تعيش بسلام وأمان طالما هناك فلسطيني محروم من حقوقه وطالما يحتل الكيان الصهيوني هذه الأرض، وهي أعادت إلى الأذهان حقيقة إمكانية زوال هذا الكيان المؤقت على الرغم من التطور الجوي والتكنولوجي وما يقوم به من ضربات جوية وما إلى ذلك. أظهرت المقاومة بالمواجهات البرية أنها قادرة على هزيمة هذا الكيان بل أكثر من ذلك هذه المقاومة التي تستنزف الكيان الصهيوني وتقاتل بصمود لا مثيل في مقابل الكيان الصهيوني الغاصب الذي لم يستطع الصمود والاستمرار لولا الجسر الجوي المادي والمعنوي والتسليحي والدعم الدولي وفق وسائل الإعلام الصهيونية. لذلك يمكن أن نقول أن المقاومة أي أصحاب الأرض أثبتوا أنه مهما كبرت التضحيات ومهما كانت الخسائر ومهما ارتقى لهم من شهداء هم قادرون على أن يؤكدوا تمسكهم بالأرض وتمسكهم بالقضية وهم ما يزالون جميعاً يرون أن نهاية المطاف هي انتصار وتحرير الأرض".
شباب عالمي متضامن مع القضية الفلسطينية
يشير أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وسام إسماعيل أنه:" قبل عملية "طوفان الأقصى" تعرضت القضية الفلسطينية للنسيان من قبل جيل كبير من الشباب الذي كان قد ألغاها من قاموس حياته ووعيه ولكنها أعادت كي الوعي على المستوى العالمي ولفتت النظر إلى وجود شعب مظلوم مهدور الحق ومقاومة تقاتل بكل ما تستطيع وعرّفت العالم بأسره على قطاع محاصر وشعب فلسطيني يُقتل ويُذبح ويُسجن كل يوم، أعادت التذكير بأن الأمم المتحدة لا تقوم بواجبها وهي غير قادرة ولا تملك الآلية لتنفيذ أي قرارات لخضوعها للسيطرة الأمريكية والغربية فهي لم تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني المهدورة كبقية الشعوب المظلومة والمستضعفة في تقرير مصيرها، اليوم نرى شباب ومثقفين في العالم متضامنون مع هذه القضية ومع ما يحدث في غزة ولبنان من جرائم ومجازر تُرتكب بحق المدنيين، وأعتقد أن ما يفعله العدو الصهيوني في هذه المرحلة من جرائم وإبادة جماعية لن يتمكن أبداً من محوه من الذاكرة الجماعية العالمية وسيبقى وصمة عار عليه وعلى الأمم المتحدة وعلى الولايات المتحدة والغرب وعلى بعض الأنظمة المنافقة التي تُحابي الكيان ولكنها تُطلق بعض التصريحات لتمتص الغضب والنقمة الشعبية، كل هؤلاء يعرفون أن المقاومة منتصرة في نهاية المطاف مهما كانت التضحيات والدليل على ذلك حرب فيتنام ولبنان والثورة الجزائرية والثوره الإسلامية في ايران وهذه كلها تجارب أثبتت أنه مهما كان جبروت المحتل ووحشية جيشه فإنه لن يتمكن في النهاية من كسر وهزيمة إرادة شعب، هذا الشعب الذي يتسلح بإنسانيته بكرامته بوعيه الجماعي بتاريخه بتُراثه وهو مستعد بالتضحية بالمال والروح وكل شيء. على سبيل المثال اليوم ما نراه ويشهده العالم اليوم في الجبهة اللبنانية في الجنوب اللبناني فلم يستطع العدو الصهيوني الدخول لأمتار بسيطة في القرى الحدودية المحاذية لفلسطين المحتلة في العديسة ويارون ومارون الراس، بمواجهة شباب المقاومة المتحلي بالصبر وبروح القتال والمعنويات العالية للدفاع عن لبنان والثأر لكل الشهداء في لبنان وفلسطين، خسارة العدو الصهيوني هذه تدفعه للجوء إلى القتل والتدمير وارتكاب المجازر بُغية الضغط على بيئة المقاومة لدفعها للثورة والإنتفاض على قادة المقاومة وعلى مشروعها. لذا يمكننا القول بأن هذه العملية أعادت القضية الفلسطينية قضية الحق والكرامة والإنسانية والتضامن ودعم المظلوم في مواجهه الظالم إلى الوعي الجماعي العالمي".
أوهن من بيت العنكبوت
يُشدد الدكتور إسماعيل أن العالم اليوم بات يشعر اليوم بإمكانية هزيمة الكيان الصهيوني وها نحن نرى مدنه المغتصبة تتعرض للقصف بصواريخ المقاومة، والتي أكدت أن هذا الكيان هو أوهن من بيت العنكبوت وفق ما قاله الشهيد السيد حسن نصر الله وما نشهده اليوم من جريمة إبادة يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني في غزة وبحق المدنيين في لبنان لا يمكن أن يكون أبداً معياراً لقوته ولقدرته وإنما هو دليل على عجزه وعدم قدرته على تحقيق أهداف استراتجية منها إعادة المستوطنين إلى مستوطناتهم، وهؤلاء متأكدين أنهم لن يعودوا إلا بقرار من المقاومة وتوسيع الحرب سيزيد أعدادهم فهو بصواريخه التي يطلقها يستطيع إدخال مليون مستوطن إلى الملاجئ".
ويختم الدكتور إسماعيل حديثه بالقول:" لا يُعلن الصهاينة عن خسائرهم ولكن تتسرب بعض المعطيات عن المعارك في جبهة الجنوب اللبناني فنعرف بأن هناك مجموعات صهيونية تُباد بأكملها، ويعترف الإعلام الصهيوني بأن من يدخل إلى لبنان إما أن يعود جريحاً أو يقتل، كل هذا يتعلق بالردع الاستراتيجي وهذه الحرب هي حرب أهداف من يحقق أهداف ينتصر، يريد العدو الصهيوني الأمن والأمان والتفوق والردع والهيمنة، لكنه لم يحققها، والردع كله مرهون بقرار المحور وبقرار محور المقاومة".