عضو مجلس تجمع العلماء المسلمين في لبنان للوفاق:
المقاومة عصيّة على الإنكسار .. ودم السيد الشهيد ضربة قاصمة للعدو
لا يستطيع العدو الصهيوني حسم الصراع وإعادة ترتيب المنطقة وفق مصالحه ومخططه، فهو لا يزال غير قادر على حسم جبهة غزة ولبنان، بل تنتظره حرب استنزاف طويلة أثبتتها حرب غزة الأطول في تاريخ الصراع، لذلك لم يتبقّ لـه إلا ممارسة الحرب النفسية على جماهير ومؤيّدي المقاومة في المنطقة، من أجل تشكيكهم بقدرة المقاومة على مجابهة المشروع الصهيوأميركي في المنطقة، وهنا يبرز الهدف الحقيقي من وراء اغتيال قادة المقاومة وخاصة سماحة السيد حسن نصرالله والذي يشكل جزءاً عضوياً من سلوك الاحتلال منذ اغتصابه لأرض فلسطين، وقد تناسى أن إيمان قواعد المقاومة برسوخ الجبال وأن الدم الطاهر لهؤلاء القادة ما هو إلا وقود دافع لاستمرارها ومزيد من عنفوانها حتى يبزغ فجر الإنتصار الحتمي لها. وفي هذا السياق حاورت صحيفة الوفاق عضو المجلس المركزي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ محمد الزعبي، وفيما يلي نصّه:
الوفاق / خاص
عبير شمص
شخصية السيد جامعة مؤثرة
شخصية سيد شهداء عصرنا حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن نصرالله شخصيةٌ استثنائية في تاريخنا المعاصر، ويعتبرها عضو المجلس المركزي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ محمد الزعبي من الشخصيات النادرة من حيث جمعها لكافة أبعاد العظمة فمن حيث الإيمان عُرف عنه توكله على الله ورضاه بقضاء الله إذ شهد كل الناس كيف وقف يوم استشهاد إبنه، ومن حيث نظرته للدنيا لم يكن متعلقاً بها بل كان زاهداً فيها يعيش حياته بما يكفيه، كنا نستنبط من خطاباته وكلماته وطريقة حديثه عن الدنيا حقيقة رؤيته لها، فالكثير من الوعاظ يتحدثون عن زوال الدنيا لكنك تجد أن هذا في جمال كلامهم لا في حقيقة رؤيتهم ونظرتهم، أمّا السيد فكان ينظر إليها كما أراد الله أن ننظر إليها على أنها مجرد مرحلة مؤقتة عابرة نُمتحن فيها ونقرر فيها حياتنا المستقبلية، ولذلك اختار أن يعيش في هذه الدنيا لكي يبني لنفسه العظمة الحقيقية في الآخرة ولكن أثابه الله(سبحانه وتعالى) عظمة الدنيا والآخرة.
تتمتع شخصية السيد الشهيد بالحكمة والبصيرة والدراية النفسية والإجتماعية، وفق الشيخ الزعبي الذي يشرح أن ميزات هذه الشخصية ظهرت عبر قدرته على إستيعاب كل التناقضات التي تعيشها الساحة اللبنانية إضافةً الى قدرته على اللعب بأعصاب العدو وتفوقه في الحرب النفسية فهو كان يعرف كيف يخاطب العدو عبر أخلاقه، فالحرب النفسية عنده ليست مثل الآخرين معزولة عن الأخلاق وعن الإلتزام، اعتمد الصدق في حربه النفسية حتى مع عدوه ولذلك كانت حربه النفسية فاعلة ومؤثرة جداً في ساحة العدو وجيشه وقيادته، اعتمد سماحته قول الصدق دائماً حتى مع العدو وعرف كيف يوظف هذه المعلومة الصادقة والفكرة الحقة في تدمير معنويات العدو وجعل جيشه ينهار وقيادته تحتار، كان يعرف كيف يوظف الحقيقة في خدمة الحق وخدمة رسالته، ولذلك جمع السيد كل أبعاد العظمة من حيث الإيمان والأخلاق وتعامله الفردي وتواضعه ومحبته لكل الناس، كل هذا تجسد في شخصيته وفهمه لطباع العدو وتفكيره وقدرته على التنبؤ والتوقع بسلوك هذا العدو ومعرفة كيف يواجهه وكيف يعالجه".
بيئة المقاومة عصية على الإنكسار
يرى الشيخ الزعبي بأن: اليوم العدو الصهيوني يخوض حربا نفسية على مستوى المعنويات أشرس من الحرب المادية، فالعدو الصهيوني لم يكن فيما سبق ناجحاً في حروبه النفسية بل كانت المقاومة هي التي تشن عليه حربها النفسية وتنجح في ذلك إضافةً إلى حربها العسكرية لكن اليوم العدو يشن هجوماً نفسياً شرساً نتيجة امتلاكه مقدرات مختلفة يحاول ان يستغلها في حربه النفسية وليس في حربه العسكرية ، فهو علم واكتشف أن تفجيرات البايجر وأجهزة اللاسلكي التي فجرها ببيئة المقاومة لا تصيب بنية المقاومة بنسبة أقل من نصف بالمئة يعني 30 شهيداً و400 جريح معظمهم ربما يتعافى ويعود إلى عمله وتعداد المقاومة 100000، في الحقيقة هذه الضربة ليست عسكرية إنما كانت ضمن إطار الحرب النفسية، ولكنه أصيب بخيبة أمل إذ فوجئ بقدرة بيئة المقاومة على التماسك واستيعاب الضربة والصبر وتلقي الإصابات بإيمان وعزيمة وشكل هذا مفاجئة للعدو وربما حتى لكثير ممن يحبون المقاومة وبيئتها هؤلاء الجرحى الذين تحملوا جراحهم واستعدوا أن يبذلوا أكثر وكذلك أهالي الشهداء الذين فرحوا بشهدائهم، كل هذا أكد أن هذه البيئة عصية على الإنكسار المعنوي وأن بيئة المقاومة ورجالها وقيادتها وأهاليها لا يمكن أن تُهزم معنوياً ولذلك اغتيال قيادات المقاومة كانت ضربات موجعة ومؤلمة على مستوى الأشخاص وعلى مستوى حبنا لهؤلاء الذين بذلوا زهرة شبابهم ومعظم أعمارهم في خدمة الأمة الإسلامية والشعب اللبناني وفلسطين وفي مواجهة هذا العدو الظالم والطاغية، ولكن نعلم أن هذه المقاومة مقاومة منتجة تسد الفراغ بشكلٍ تلقائي لأنها أصبحت تمتلك من الكفاءات العدد الوفير كل موقع من مواقع المقاومة وهناك لائحة طويلة تنتظر ليحل الواحد محل الآخر ولذلك نعم حين يستشهد قائد لا ننكر ألم هذه الفجيعة ولكن ذلك لا يعني أن العدو أصابنا إصابة بليغة، فكما قال سماحه السيد القائد الإمام آية الله علي الخامنئي (حفظه الله) "هذا العدو أصغر من أن يصيب بنية المقاومة إصابة مؤثرة"، قد يقول قائل كيف لا يصيبها وهو قد قتل الكثير من قادتها العسكريين وقتل سيدها نقول الذي يقرأ تاريخ هذه المقاومة يعرف أنها مقاومة ولّادة سرعان ما تسد الفراغ ويبقى سير المقاومة إلى الأمام، فكل موقع سواء وحدة المسيرات أو وحدة الصواريخ والوحدات المقاومة حينما يستشهد من على رأسها فهناك عشرات بالكفاءة نفسها جاهزون ليحلوا محله ومن يحب التأكد من قدرة المقاومة وصلابتها وإرادتها التي لا تنكسر لينظر إلى الميدان كما قال سماحة السيد الشهيد "بيننا وبينهم الميدان والأيام والليالي" استشهد السيد ولكن أيام المقاومة ولياليها وأيام من تركهم خلفه لا تزال كما هي وصواريخ المقاومة لم تخف وتيرتها ما زالت تمطر العدو بصواريخها، بل أصبحت أشد مما كانت ولذلك الميدان يثبت أن المقاومة لم تضعف ولم تنكسر ولذلك حُق للسيد الشهيد أن يفرح في عليائه، السيد اليوم مستبشر بهذه المقاومة الصلبة القوية الإرادة، تحزن للفقد ولكن تتابع مسيرة قائدها، وكأننا نرى السيد في عليائه ينظر إلى هؤلاء الأشداء الأبطال الذين رباهم وخلّفهم من ورائه ينظر إلى بأسهم وهم يلقون صواريخهم رغم عنف هجوم العدو ورغم ما يملك من إمكانات وتكنولوجيا متطورة جداً ورغم الدعم الدولي له لم يستطع هذا ولا الدول الكبرى التي تدعمه منع صواريخ المقاومة وإعادة الذين هجروا من من شمال كيان العدو وسيستمر هذا الوضع إلى أن يرفع العدو الراية البيضاء، ولن تنهزم المقاومة لأن قدراتها النفسية ومعنوياتها الإيمانية كما ظهر بعد كل ما جرى عليها في هذه الأيام الأخيرة المتلاحقة، تبين أنها فعلاً عصية على الإنكسار لأن ما جرى عليها لو جرى على دول عظمى لانهارت، وها نحن اليوم في مناطق النزوح للمهجرين من القصف الصهيوني نلاحظ امتلاك هؤلاء النازحين المعنويات العالية ومنهم تستمد الأمل والمعنويات بالنصر".
تضحيات المقاومة لا تُقيّم
يشدد الشيخ الزعبي بأن: "تضحيات المقاومة يُقيمها الله سبحانه وتعالى ولا نستطيع نحن تقييمها، فكل ما قدمته المقاومة من أجل حماية لبنان ونصرةً لفلسطين ودعم غزة شيءٌ لا يمكن أن نتصوره ولذلك ما قدمته المقاومة اليوم من استشهاد قائدها بل أعظم قادتها من أجل إسناد غزة ودعم فلسطين وحماية الشعب اللبناني فهذا يدل على عظمة التفاني عند هذه المقاومة والإيثار الذي يتميز به شبابها وأهلها وقيادتها حتى أنصارها وكل من فيها، الذين علمهم وعلمنا السيد كيف نؤثر سعادة الناس على سعادتنا وحمايتهم على حماية أنفسنا، ولذلك تضحيات المقاومة تضحيات عظيمة جداً ولابد أن يمنحنا الله سبحانه وتعالى نصراً عظيماً بمستوى الثمن الغالي الذي دفعناه" .
رد المقاومة سيكون من حيث يحتسب العدو أو لا يحتسب
اتضح لكل متابع لهذه الأحداث العظيمة ولهذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخ الأمة أن القوة غير متكافئة، ويوضح الشيخ الزعبي الذي يرى" أن العدو يملك قدرات كبيرة وقوية ودعماً دولياً مستعداً أن يمده بكل أنواع الأسلحة، ولكن أثبت محور المقاومة أنه رغم عدم امتلاكه القدرات التي يملكها هذا العدو لكنه بإيمانه وبثقته بنفسه وبسرعة بديهته وبذكائه الفائق عرف نقاط ضعف هذا العدو ومقاتله وكيف يضربه الضربات المؤلمة والموجعة، ولذلك لا نستطيع توقع هذا الرد وحتى العدو الصهيوني يصعب عليه توقع رد محور المقاومة، وقد أعلن السيد الشهيد في خطابه بأنه سيعاقب هذا الكيان المجرم من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، والمقاومة لا تقول كلمة ليست قادرة عليها، فهي لا تمارس البروباغندا بالمعنى الذي يمارسه السياسيون اليوم إنما تمارس حرباً نفسية مبنية على صدق وعلى معرفة بواقع قدراتها وإمكاناتها، وأن ما يحتسبه العدو من رد لن يستطيع مواجهته فكيف بما لا يحتسبه وهو الذي سيكون الأفظع ولذلك العدو يحاول الآن بكل طاقته العمل على فك ارتباط محور المقاومة لكنه
سيفشل بذلك".
دم السيد الشهيد الضربة القاصمة للعدو
في الحقيقة شهادة السيد خسارة كبيرة وربح كبير في الوقت نفسه، يؤكد الشيخ الزعبي، ويشرح: " تتجسد الخسارة بفقدنا لهذه الشخصية الإستثنائية التي عشقناها وألفناها والتي تعودنا على إطلالاتها المشرقة التي كانت تمنحنا الثقة والأمن والطمأنينة، ففي كل إطلالة كان سماحته يهدئ روع الناس ويرفع معنوياتهم ويجعلنا على يقين وهذا اليقين حتى باستشهاده لن يتزعزع لأن هذا العدو سيهزم، لا ننكر أنها خسارة فظيعة ومؤلمة وموجعة جداً ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى لا تدري "لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً"، وكما قال أيضاً "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم"، ربما عطاء دم السيد سيكون هو الضربة القاصمة لهذا العدو، فسماحته أعطى للمقاومة وللعرب وللمسلمين ولكل أحرار البشرية وقته وجهده وأمنه وقلقه كان يعض دائماً على جراحه ويتحمل من أجل أن يعطي الأمة ما يستطيع حتى يقف بين يدي الله سبحانه وتعالىويقول سبحانه له "وأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى" ويسر الله للسيد الشهيد اليُسرى فكانت هذه أيسر طريق وصلها، هو أعطى كل شيء ما بقي إلا روحه فلا بد أن يعطيها ليتحول هذا الدم إلى طاقة دافعة، واتضح من الميدان أن شهادته قد زادت المقاومة شدة وبأساً وصلابة وعزيمة وإرادة، ولذلك السيد اليوم بشهادته أعطى الأمة خيراً كثيراً ،وهَزَمت الأمة في حزنها وفي ألمها وفي وجعها وفي غضبها وإرادتها هذا العدو، بالرغم من وجود بعض المتصهينين الذين لم يعد لهم أي وزن وقيمة يحاولون أن يستعيدوا مكانتهم ولكن لقد أصبحوا جراثيم على هامش حياة هذه الأمة، كل هذا ببركة هذا الدم الطاهر الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن تتحول هذه الشهادة إلى طاقة دافعة للأمة تنهض بعقلها ووعيها وإرادتها، والسيد نال ما يريده وهذا ربح كبير ولا يمكن لأحد أن يتوقع بحرمان السيد من هذه المرتبة العظيمة وأن لا يستشهد بعد أن قدم خيرة أحبائه وشبابه، لذا لابد أن ينال ما نال فقد حقق أمنية حياته ونال ما كان يطمح إليه وما كان يدعو الله سبحانه وتعالىأن يمنحه إياه ناله في وضع حرج ولكن ربما في وضع يكون هو الأنفع لهذه الأمة لأن الخيرة فيما اختاره الله نرضى بقضائه ونرضى بما يرضي الله سبحانه وتعالى وكما قال الإمام الحسين(ع) هون علينا ما نزل بنا إنه بعين الله، وما دام بعين الله فلا بد ان الله سبحانه وتعالى سيراه كما رأى دماء الإمام الحسين(ع)، كل ما نصنعه اليوم وكل ما تنجزه المقاومة اليوم إنما هو من ذلك الدم الطاهر الكربلائي، وكذلك ستقر عين السيد بالنصر الذي يصنعه أبنائه الذين تركهم من خلفه.