أستاذ القانون الدولي الدكتور ”محمود الحنفي” للوفاق:
المفقودون الغزيون؛ مصير مجهول ومعاناة مستمرة ولا أمل في الأفق
هناك في قطاع غزة آلاف المفقودين ممن يجهل مصيرهم حتى الآن، هل هم أسرى لدى قوات الاحتلال الصهيوني؟ أمشهداء تحت الأنقاض وفي المقابر الجماعية؟ أم أحياء بدون أي تواصل؟ وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يتوالى بشكلٍ شبه يومي نشر صور مفقودين لم يعرف مصيرهم بعد اقتحام قوات الاحتلال بعض المناطق في قطاع غزة، وهم يرجون معرفة مصيرهم، ولا يوجد إحصاء دقيق لأعداد المفقودين، بسبب انهيار جزء كبير من المنظومات الإدارية الفنية وانقطاع الاتصالات وتشتت العائلات واستمرار العدوان الصهيوني. ويتوزع المفقودون بين أشخاص ما زالوا تحت أنقاض المنازل التي قصفها جيش الاحتلال على رؤوس ساكنيها، وأفراد استشهدوا في الشوارع وما زالت جثامينهم ملقاة فيها، إضافة إلى من اعتقلهم الاحتلال سواء أثناء النزوح أو في مناطق التوغل ولا يعرف مصيرهم، لأن الاحتلال أعدم بعضهم ويخفي قسرًا مصير وأماكن احتجاز البقية وهم بالآلاف. وحول هذا الموضوع حاورت صحيفة الوفاق أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان ومدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان في لبنان الدكتور محمود الحنفي، وفيما يلي نصّه:
الوفاق / خاص
عبير شمص
مصير مجهول لآلاف الفلسطينيين
لا تُعرف حقيقة وضع المفقودين في قطاع غزة ومصيرهم فليس هناك إمكانية الحصول على المعلومات عنهم، وفق مدير مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان في لبنان الدكتور محمود الحنفي، فلا يصدر جيش العدو الصهيوني بيانات عن وضعهم ولا يسمح للمنظمات الدولية والحقوقية بالوصول إليهم، فمصيرهم مجهول غير معروف، فقد يكونون تحت أنقاض المباني المدمرة في غزة وقد يكونون أسرى في معتقلات العدو الصهيوني، وهناك احتمال تعرضهم للقتل على يد هذا العدو المجرم وتم دفنهم في أماكن غير معروفة، أو اعتقلوا وأجريت عليهم إختبارات طبية، كل هذه احتمالات فلا يوجد لدينا معلومات دقيقة ولم يتح الاحتلال الحصول على معلومات عنهم أو عبر السماح لكل من يهمه الأمر من أهل الاختصاص".
ويشير الدكتور الحنفي أن الإحصاءات الرسمية العامة المعلنة على الأقل ومن استطاعت الفرق العاملة في قطاع غزة معرفة هل هم مختفون أم مخفيون، تُقدر أعدادهم بحوالي عشرة آلاف شخص، والحرب ما تزال جارية في القطاع وهناك آلية لإحصاء أسماء الأشخاص غير المعروف مصيرهم، هؤلاء قد يكونون أسرى أو شهداء، وهذه الأعداد موزعة على كل الفئات العمرية لأن الاحتلال الصهيوني عرف عنه إجراء اختبارات طبية على المعتقلين، وقد اشتهر معتقل"سيدي تيمان" أنه مختبر للأطباء الجدد فداخله كانت تُقطع أيدي الأسرى وأطرافهم من دون مخدّر ضمن إطار تدريبي، لذلك الغالب أنهم من كل الفئات العمرية، لكن الفئة الأكبر هي فئة الشباب، وهناك أعداد من النساء والأطفال، لكن الفئة الأغلب وفق التقارير الأولية هم من فئة الشباب موزعين على كل الفئات العمرية.
البقاء على قيد الحياة أولوية قصوى
التعاون الدولي في قضية المفقودين في قطاع غزة غير فعال، ويلفت الدكتور الحنفي بأنه توجد أولويات في الوقت الراهن تحمل أهمية أكثر من قضية المفقودين، فالأولويات الأولى حالياً في قطاع غزة هي الحفاظ على الأحياء الذين ينزحون من مكانٍ لآخر وفق طلب الاحتلال الصهيوني من المواطنين كل فترة وأخرى، وذلك إلى أماكن يحددها العدو ومن ثم يقصفها فيضطرون إلى الانتقال من جديد هرباً من آلة القتل الصهيونية، لذا هَم المجتمع المحلي حالياً الحفاظ على أرواح النازحين، وكذلك هناك حصار مطبق على قطاع غزة لذا يتمحور الاهتمام اليوم على كيفية إدخال مساعدات إنسانية وهنا لا يحالفنا النجاح كثيراً في هذه المسألة لكنها تشكل أحد أبرز اهتمامات المجتمع المحلي الغزي حالياً، وهناك الطواقم الطبية والمنظمات الطبية أصبحت هدفاً في مرمى الاحتلال، وهذا ما شاهدناه في استهداف موظفي المطبخ المركزي العالمي وموظفين دوليين آخرين وكذلك الطواقم الصحفية، فبالتالي من يستطيع إجراء الفحوصات للمفقودين ويجيب عن الأسئلة حول هويتهم هم هؤلاء، وهم يتعرضون للملاحقة ومستهدفون بالقتل، أن تكون صحفياً استقصائياً أنت هدف للعدو، في المحصلة أن الجهات المفترض بها البحث عن المفقودين والتأكد من هوياتهم هي مستهدفة لكن الجهات الحكومية بإمكانياتها المتواضعة حاولت مقاربة الموضوع والعمل عليه، فقد وزعت استمارة على المواطنين تشمل الذين استشهدوا والمفقودين الذين يُسجلون في إطار مجهولي المصير دون تحديد حالتهم مخفيين أو مختفين ، فلا يُعرف أين مكانهم والذي يجب أن تُحدده المنظمات الدولية بشكل رئيسي، لكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر غير قادرة للأسباب الآنفة الذكر".
تدمير البُنية الطبية كلياً
يؤكد أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان الدكتور الحنفي أنه:" لا يمتلك المجتمع الفلسطيني ولا مؤسساته القدرة على تشخيص هوية الأشخاص خاصةً إذا مر وقت على وفاتهم، فقد تكون الجثث متحللة، فيتم تجميع الجثامين وتحديد هويتها عبر وزنها وهذه هي الوسائل المتاحة حالياً، المستشفيات تعمل بالحد الأدنى من طاقتها، فجميعها مستهدفة وليست محمية أمنياً من العدو فقد تعرضت للقصف ولا تملك الأدوات والوسائل الطبية الضرورية لعملها من أدوات الجراحة وأدوات التعقيم والتخدير، وفاقم من أزمتها عدم إدخال المساعدات الطبية للقطاع، وقد خرج الكثير من المستشفيات من الخدمة وبالتالي القدرات الطبية الفلسطينية تراجعت بشكل حاد بسبب استهداف العدو الصهيوني البنية المجتمعية بأكملها وعلى رأسها البُنية الطبية من مختبرات علمية، مركز الطب الشرعي، ولم يقتصر الاستهداف على المباني والمراكز الصحية بل الطواقم الطبية ايضاً من أطباء وممرضين مما يخلق صعوبة بالغة بالعمل".
القضية مفتوحة حتى معرفة المصير
الصعوبات النفسية التي يُعاني منها أهالي المفقودين لجهلم بمصير أقاربهم سيئة جداً تترك آثاراً سلبية على المجتمع، ويبقى الجرح مفتوحاً لدى أعزائهم الذين يحدوهم الأمل ببقائهم على قيد الحياة، ويرى الدكتور الحنفي بأن الانتظار صعبٌ للغاية ويُصعّب حياة عائلة وأصدقاء المفقود، فيجعلهم في حالة قلق دائم واضطراب مجتمعي، ولا توجد وسيلة لمواساة أهالي المفقودين، ولا نعلم كيف سنعالج الجانب النفسي في هذه القضية مستقبلاً بعد نهاية الحرب العدائية الجارية، فستظل القضية مفتوحة طالما لم يعرف الناس مصير أحبائهم وأبنائهم".