الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • ملحق خاص
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وسبعون - ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وسبعون - ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ - الصفحة ٦

على أعتاب أربعينية الثائر الخالد

أربعينية الإمام الحسين(ع) .. غزة حاضرة في المسيرة

الوفاق/ خاص

د. سيد محمود خواسته
باحث وأكاديمي

الأحداث والوقائع التي تغطي صفحات التاريخ، منذ أن بدأ وأخذت أنامل الإنسان تخط عليها ما يمليه ذهنه، مستعينة بما أبصرته الأعين وسمعته الآذان، لا تزال تلك حتى الآن هي... هي... لم تتغير، ولم يلغها نسيان وكتمان، إلّا ما ندر وتعمد البعض ذلك، خدمة لمصلحة أو منفعة ما، وراءها مال أو مقام أو منصب، حيث سعى السلطويون إلى حرف الحقائق وقلبها، ليكون الحق باطلاً والباطل حقاً، والظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً! وبالرغم مما حاولوا ويحاولون، فالشمس كما يقال، لا يمكن حجبها بغربال!... تظهر وتسطع كاشفة كل شيء، وحينها لابد للظلمات أن تنجلي ولابد لمن جاء بها أن يزول بزوالها مهما كلّف الأمر، لتبدو صفحات التاريخ مشرقة، بيضاء، ناصعة لمن أراد ويريد الحقيقة، على مرّ الدهور والأزمنة.
طبيعة الوجود
هذه هي طبيعة الوجود... وجود الإنسان كما خلقه الله تعالى، ومنحه الأرض والطبيعة بما فيها، ليخطو عليها جيلاً بعد جيل، إلى اليوم الذي يبغيه الباري عز وجل، ليقف بين يديه تبارك وتعالى، مجيباً عمّا أعطاه من نعم لا تحصى... فهل يا ترى يستطيع هذا المخلوق إحصاء ذلك؟
والله جلّ جلاله يخاطب الناس بعجزهم في هذا المجال بالقول: "إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا، إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ"، (النحل/18). لماذا، إذن، هذا العجز في العد؟ ألأن الإنسان محدود، مقيّد، وداخل إطار خاص، لا يمكنه مغادرته بأي ثمن؟!، أم، لأنه بما يتمتع به من نعم، يشعر بامتلاكها بنفسه ولاغير؟! كما هو الحال بالنسبة لقارون، الذي أنكر فضل الله عزّ وجل، ونسب ما احتوته يداه إلى نفسه، حيث قَالَ "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي..."، (القصص/78).
الإنسان حرّ وعبد
إنّ الإنسان حرّ وعبد. حرّ بما يتصرف به ويصدر عنه، كما أراد الخالق تعالى له، وعبد بإطاعة خالقه، والإستجابة له بما يأمره به، وبما يهديه إلى سواء السبيل، وما بعث الرسل والأنبياء(ع) الواحد تلو الآخر إلّا دليل على ذلك.
 فهل أخذ المخلوق ما أمر به الخالق؟... الإجابة واضحة تزدخر بها ملفات التاريخ منذ الأزل لحد الآن، خاصة في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، في شبه الجزيرة العربية، والتي يطلق عليها "الجاهلية"، بما حوته من شتى صنوف الإنكار لله تعالى ونعمه، فبدل أن يعبدوه سبحانه، ركنوا إلى عبادة هبل، العزى واللات! وهم في غفلة وسبات عميق!
لم يستيقظوا إلّا وقد جرفهم الدين الجديد إلى مزابل التاريخ، وأطاح بكل ما بنوه وأسسوه ودوّنوه، من قلاع وقوة وطقوس، وكما هي العادة، عادة البعض من بني البشر، لجأت مجموعات من عبدة الأوثان والمشركين، إلى التستر باعتناق الإسلام، للحفاظ على حياتهم وأملاً باستعادة ما ضاع، من سطوة وجلال وثروة! متبجحين بأنهم أسلموا وأخلصوا بذلك! حيث كان الله تعالى لهم بالمرصاد بقوله: "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ..."، (الحجرات/17).
 ولكن، ما حدث في صدر الإسلام وعصر الخلافة الأولى وما بعد ذلك، أي في زمن الخلافة الأموية، يثبت أن تلك الشرذمة والطغمة الضالة، إنما اعتنقت الإسلام لغرض ما، في نفوسهم المريضة، التواقة إلى السلطة والمال واستعباد المسلمين، وما حروب الردة، بعد ارتحال الرسول الأعظم(ص)، وما قام به الإمام المجتبى(ع) بالصلح مع معاوية بن أبي سفيان، وتولي يزيد بن معاوية، خلافة المسلمين، إلّا دليل دامغ على ذلك. فقد تحوّلت الخلافة في هذه الفترة إلى سلطة وراثية "ملكية"، لا ينازع فيها بني أمية أحد! وأرادها يزيد ثأراً لأسلافه في معركة بدر، عندما قال:
ليت أشياخي ببدر شَهِدُوا
                جَزَعَ الْخَزْرَجِ من وَقْعِ الأَسَلْ
فأَهَلُّوا واستهلُّوا فَرَحاً
              ثمَّ قالوا يا يزيدُ لاَ تُشَلْ
إلى أن يقول:
لَعِبَتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا / خبرٌ جاء ولا وَحْىٌ نَزَلْ
ألا يبرهن قوله، على أن تلك الزمرة الضالة، التي علّقت بالجاهلية حتى بعد عصر الخلافة، لم تعتنق الإسلام حبّاً بالإسلام وبرسول الإسلام(ص)؟ وإنما تلبست بأثواب جديدة، براقة وتلوّنت، كما تتلون الحرباء من لون إلى لون!... ألا يحق لعبد صالح من عباد الله تعالى، كالإمام الحسين(ع)، إذن، الوقوف بوجه من أراد إحياء الجاهلية بما فيها؟ والتضحية بآل بيته الميامين وأصحابه الكرام، الذين قال يخاطبهم عشية التاسع من محرم: "إنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبَر وأوصَل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً"، فاستدعى المسلمين كافة، بعدم بيعته ليزيد، مُلاعِب القرود، وشارب الخمر وهاتك حرمات الله تعالى، إلى الثورة والتصدي لجاهلي، متلبس بلباس الإسلام، ومهيباً بهم... "أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى..."، (سبأ/46)، وأن لا تأخذكم في الله عز وجل لومة لائم، "وَلاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّٰارُ وَمٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ‌ ثُمَّ لاٰ تُنْصَرُونَ"، (هود/113).
دعوة لا تزال مدويّة
إن دعوة أبي عبد الله الحسين(ع) ونحن في أربعينيته، لا تزال مدوية، تقض مضاجع العتاة المجرمين، وتبشر كل مظلوم في العالم، أنه: " كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ‌"، (البقرة /249)، وأنه تعالى السميع، البصير والشاهد على كل شيء،: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ"، (ابراهيم/42 ).
هذا هو الحسين(ع)، يتجلى كالشمس في رابعة النهار، ومن أراد أن يعرفه حق معرفته، فلينظر إلى الملايين الملهوفة في مسيرة الأربعين، التي لم ولن يشهد التاريخ لها مثيلاً، فقد توحّدت القلوب فيها، ليس قلوب المسلمين فقط، وإنما قلوب كل الأحرار والشرفاء والمضطهدين في العالم من غير المسلمين.
وما قاله الإمام الباقر(ع)، بأمر شيعة آل البيت(ع) بزيارة مرقد الحسين(ع)، كاف لأن نكون في مسيرة الأربعين خاصة، لزيارة الضريح المقدس، الأعز على قلوبنا ونفوسنا: "مروا شيعتنا لزيارة قبر الحسين(ع)، فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين(ع) بالإمامة من الله عز وجل". فهل سألت نفسك يوماً، وأنت تسمع كلمة "الحر" و"الأحرار" و"الشريف" و"الشرفاء"، ما تعنيه هذه الكلمات؟
رغم أنها، اليوم، أصبحت في العالم الغربي خاصة، جوفاء من أي معنى يذكر!... إذا أردت البحث عن المعنى الأصيل، الحقيقي والواقعي للكلمات المذكورة أعلاه، فأركن إلى شخصية فريدة في تاريخ الإنسانية، تحملها كما هي، أي، إن الحر والشريف، بما تعبر عنه الكلمة، هو سيد الشهداء، الإمام الحسين(ع)، ويكفيك الدليل على ذلك، رغم تزاحم الأدلة والبراهين، قوله في التاسع من محرم، مخاطباً أصحابه ومجيزاً لهم مغادرتهم، والعودة إلى بيوتهم وأماكنهم التي قدموا منها: "ألا وإنّي أظن يومنا من هؤلاء غداً، وإنّي قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً، في حل ليس عليكم منّي ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فأتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو أصابوني، لذهلوا عن طلب غيري".
ملهم الإنتفاضات
فالحسين(ع) ملهم الإنتفاضات، الثورات والحركات التحررية، ضد الظلم والسلطويين أينما كانوا، على امتداد تاريخ الإنسانية، وثورته كانت ولا تزال المشعل الوهّاج الذي ينير مسار ثوار العالم، سواء في إيران التي استلهمت ثورتها المظفرة من عاشوراء، وانتصرت بإذن الله تعالى، بقيادة رجل نذر نفسه مخلصاً لله عز وجل، وأطاح بركيزة الإستعمار الغربي والصهيونية في غرب آسیا، لتصبح الثورة الإسلامية الإيرانية، نموذجاً لثوّار وأحرار فلسطين المغتصبة، متمثلة بمفجّرها الفذ الإمام الخميني(قدس)، وها هي غزة وبعد أكثر من عشرة أشهر، لا تزال صامدة، صابرة، أبيّة، تقاتل بأبنائها الأشاوس وبدماء شهدائها الأبرار، أرذل خلق الله تعالى، وأكثرهم وحشية، وأعطشهم للدماء، والنصر آت لا محالة، من القدير، العزيز القائل: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"، (محمد/7).
ستبقى فلسطين ما بقي الدهر
غزة حاضرة في المسيرة التاريخية، مع الملايين المـُشاة على درب أبي عبدالله الحسين(ع)، وتحت الأعلام الخفّاقة التي ترفرف فوق رؤوس السائرين نحو كربلاء المقدسة، ليعلو اسم فلسطين التي حاول الصهاينة طمسها ومحو اسمها من خارطة الوجود، وهم الآن يواجهون الإضمحلال والإنهيار، بفضل "طوفان الأقصى" الذي بات يقض مضاجعهم، ويجعل منهم أشباحاً متحركة هنا وهناك، تائهة لا تدري أين تذهب وتحل!
وهذا هو ما أرادته للصهاينة الجُناة، الأمبريالية الأمريكية والدول الدائرة في فلكها، وانقلب السحر على الساحر، في عشية وضُحاها!
وستبقى فلسطين وغزة خاصة، ما بقي الدهر، وستندحر كافة العصابات مهما كانت، كما يحدثنا التاريخ، ومسار الأربعين باقٍ بقاء سيدالشهداء(ع)، والأحرار باقون، ترفرف أعلام فلسطين فوق رؤوسهم.. وغزة باقية، لأن مُشاة الأربعين يصدحون بها، ولأن العالم، اليوم، غيره في الأمس.. فهي، إذن، حاضرة في قلوبنا وضمائرنا، وهيهات أن تموت قلوب وضمائر الشرفاء في العالم، وكل قطرة دم طاهر تُراق على أرض غزة المقدسة، هي فوهة بندقية، تشق صدور الصهاينة المتوحشين.. ومن كربلاء المقدسة وأربعينية الحسين(ع)، يتم تتويج غزة بل وفلسطين كلها بأكيل النصر بإذن الله تعالى.
نور لا يخمد ومصباح الهدى
إنّ الحديث مهما بلغ، والقلم مهما تدحرج على الصفحات البيضاء، لا يفي حتى بجزء يسير مما تتضمنه شخصية عملاقة، عبقرية في التاريخ، ولا سيما تاريخ التضحيات والإيثار، على مسار الحق والحقيقة. فالإمام الحسين(ع) نور لا يخمد، وشمس لا تغيب، ومصباح هدى وسفينة نجاة، وعروة وثقى، لمن أراد السير على الطريق المستقيم، وهو الثائر الخالد، الذي انحنى له إجلالاً وإعظاماً أعداؤه، قبل أتباعه ومريديه، فكما يقول الشيخ باقر الخفاجي (١٣١٢_ ١٣٨١ للهجرة):
 زر قبره في الأربعين وثِق بها
                    يوم القيامة فهي خير الزاد
     وأذر مدامع مقلتيك بعندم
                      مستعبراً متجلبباً بسواد
    حتى كأنك جابر لما أتى
                      مستقبلاً للعابد السجاد

البحث
الأرشيف التاريخي