المأزق الحالي في مفاوضات وقف حرب الإبادة: جدلية التفاؤل والتعنّت الصهيوني
ناصر سعيد
كاتب و محلل فلسطيني
مع دخول الحرب التي يشنها العدو الصهيوني على قطاع غزة شهرها العاشر، ومع تجاوزها كل الحدود الإنسانية والشرعية، تبدو المفاوضات الجارية لوقف حرب الإبادة وتبادل الأسرى أقرب إلى مسرحية هزلية منها إلى عملية حقيقية تهدف إلى إنهاء العنف وحفظ الأرواح. منذ اندلاع هذه الجولة الدموية في أكتوبر 2023، نجح بنيامين نتنياهو في عرقلة كل جهود وقف الحرب، متمسكاً بسياسته القائمة على المماطلة والتعنّت، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني في غزة وتوسيع رقعة التوتر الإقليمي.
التعنّت الصهيوني وازدواجية الخطاب الأمريكي
المفاوضات التي جرت في الدوحة مؤخراً لم تحمل جديداً، بل كشفت عن عمق الفجوة بين ما يُعلَن من تفاؤل حذر، وما يُمارس فعلياً من تعنّت وتصلّب صهيوني. فالعدو الصهيوني، وعلى الرغم من الإشارات التي يظهرها بين الفينة والأخرى، ليس معنياً حقاً بالتوصل إلى وقف لحرب الإبادة أو صفقة تبادل أسرى. هذا الموقف يتماشى مع استراتيجية نتنياهو القائمة على استغلال المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت، وتحقيق أهدافه العسكرية والسياسية من خلال إطالة أمد العدوان وتوسيع دائرة الدمار.
في الوقت الذي تعلن فيه الولايات المتحدة عن قرب التوصل إلى اتفاق، يتضح من تصريحات المسؤولين الصهاينة أن هذه الادعاءات ليست سوى أوهام تتنافى مع الحقائق على الأرض. تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن حول «التفاؤل الحذر» وقرب التوصل إلى اتفاق، تبدو في أحسن الأحوال محاولة لتخفيف الانتقادات المتزايدة ضد إدارته التي تُتهم بالتواطؤ مع العدو الصهيوني في تنفيذ حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. من جهة أخرى، تُظهر هذه التصريحات ازدواجيةً في الموقف الأمريكي، حيث تدعم واشنطن العدو الصهيوني عسكرياً وسياسياً، بينما تدّعي الضغط عليه دبلوماسياً.
الهدف الصهيوني: تدمير غزة وتصفية القضية الفلسطينية
من الواضح أن العدو الصهيوني يسعى إلى تحقيق هدفه الإستراتيجي الأسمى وهو استعادة «الردع» في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وتدمير البنية التحتية لغزة بشكل كامل. هذا الهدف يتطلب استمرار العدوان إلى أبعد مدى ممكن، وتجنُّب أي تسوية قد تتيح للمقاومة فرصة لإعادة بناء قدراتها. كما أن العدو الصهيوني، وبالتعاون مع الولايات المتحدة، يخطط لترتيب المنطقة وفق رؤيته الخاصة، والتي تشمل تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري وإقامة نظام إقليمي جديد يخدم مصالحه.
التلاعب بالمفاوضات وفرض الإملاءات
العدو الصهيوني يستخدم المفاوضات كأداة لتحقيق هذه الأهداف، عبر فرض شروط مستحيلة والتراجع عن أي اتفاق يُمكن أن يقود إلى وقف القتال. في كل مرة يقترب فيها الوسطاء من تحقيق تقدم، يضع العدو الصهيوني عراقيل جديدة، مُتذرعاً بحجج واهية لتبرير استمرار العدوان. المقترحات الأمريكية التي تُقدَّم في هذه المفاوضات ليست سوى غطاءً لتقديم المزيد من التنازلات للعدو على حساب الفلسطينيين. وبينما يُمارس الوسطاء ضغوطاً على المقاومة للقبول بهذه الشروط، يُواصل العدو الصهيوني التلاعب بالمفاوضات لتمديد أمد الحرب، ومنع أي وقف لحرب الإبادة يمكن أن يُعيد للفلسطينيين شيئاً من حقوقهم.
المقاومة الفلسطينية؛ السد المنيع أمام المؤامرات
ورغم كل هذه المؤامرات، تبقى المقاومة الفلسطينية العامل الحاسم في إفشال المخططات الصهيونية والأمريكية. فالمقاومة التي استمرت في القتال على مدى الأشهر العشرة الماضية، لا تزال قادرة على الصمود وإيقاف آلة الحرب الصهيونية، بل إنها قادرة على قلب الموازين في أي لحظة. كلما ازداد الضغط على المقاومة، ازدادت عزيمتها في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، مدركة أن أي تراجع أو قبول بشروط الاحتلال يعني فتح الباب على مصراعيه لمزيد من التهجير والتصفية.
إلى أين تتجه الأمور؟
من الواضح أن الأمور تتجه نحو مزيد من التعقيد، مع تمسك العدو الصهيوني بسياساته العدوانية واستمراره في رفض أي تسوية حقيقية. ومع دخول الانتخابات الأمريكية في الأفق، يبدو أن إدارة بايدن تفضل استمرار الوضع الراهن حتى لا تتورط في مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني أو تُتهم بالتخلي عن حليفها الأقرب في المنطقة. ولكن، مع تصاعد التوتر الإقليمي واحتمال انفجار الوضع بشكل أكبر، قد تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لتغيير استراتيجيتها، وإن كان ذلك سيأتي متأخراً.
في النهاية، تبقى المقاومة الفلسطينية هي الأمل الوحيد في وجه هذه المؤامرات، وكما أثبتت التجارب السابقة، فإن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته هو ما سيحدد مستقبل هذه المعركة، وليس تلاعب العدو الصهيوني أو ازدواجية الولايات المتحدة.