ما الذي يمكن أن يدفع الكيان الصهيوني إلى القبول بهدنة؟
ليلى نقولا
كاتبة ومحللة سياسية
ارتكب الكيان الصهيوني مجزرة جديدة في مدرسة "التابعين" في غزة خلال صلاة الفجر، وذلك بعد سريان الحديث عن ضرورة التوصل إلى هدنة، ودعم أوروبي ودولي للبيان الثلاثي الذي صدر عن كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والذي شدد على ضرورة إنهاء أزمة غزة في أقرب وقت ممكن، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإبرام اتفاق بشأن الإفراج عن الرهائن والمعتقلين، وتحديد موعد لعودة
المفاوضات.
لا شكّ، أن الصهاينة يهدفون من ارتكاب المجازر مجدداً وارتكاب الفظاعات إلى التخلص من الضغوط التي تدعوهم إلى وقف إطلاق النار، بعد أن وضعوا المنطقة على حافة الانفجار الكبير، من خلال الاندفاع إلى التصعيد عبر القيام بثلاث عمليات كبرى، هي قصف الحُديدة في اليمن، اغتيال القائد في المقاومة اللبنانية فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في بيروت، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران.
بتخطي الخطوط الحمر في المنطقة، سعى رئيس الوزراء الصهيوني وأركان حكومته من اليمين من خلال التصعيد إلى تحقيق الآتي:
استغلال الانتخابات الأميركية
يسعى نتنياهو إلى استغلال وضع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تحوّل إلى "بطة عرجاء"، بعد إعلان عدم ترشحه إلى الانتخابات بسبب حالته الصحية والعقلية، لدفع الأميركيين إلى الانخراط في حرب مشتركة صهيو - أميركية على إيران لطالما دعا إليها نتنياهو.
يريد نتنياهو استغلال الجو الانتخابي المشحون في الولايات المتحدة والمتأثر بالإبادة في غزة، إذ إن "دعم إسرائيل" هو أحد العناوين البارزة في السباق الانتخابي، وفي خطابات المرشحيْن اللذيْن يتنافسان على مبدأ "مَن الأفضل لكيان الاحتلال، ومَن يدعمه أكثر".
الكسب الشعبوي في الكيان الصهيوني
تظهر استطلاعات الرأي الحديثة أن أسهم حزب الليكود قد ارتفعت بعد التصعيد الذي قام به نتنياهو في المنطقة، ففي أحدث استطلاع للرأي حول المقاعد التي يمكن أن ينالها كل حزب في حال حصلت الانتخابات، ارتفعت أسهم حزب الليكود إلى 28 مقعداً، مقارنة مع 16 مقعداً في الأشهر الأولى التي تلت أحداث 7 تشرين الأول / أكتوبر، بينما تراجعت حصة "معسكر الدولة" المعارض إلى 18 مقعداً، مقارنة بـ 45 مقعداً في بداية الحرب على غزة. كما ارتفعت أسهم الأحزاب الدينية المتطرفة.
تحقيق صورة إنجاز
يسعى نتنياهو من خلال التصعيد إلى تحقيق صورة إنجاز يُحسب له في موازاة الإخفاقات المتعددة التي مُني بها الكيان الصهيوني خلال أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما بعده، خاصة بعد الإخفاق الكبير في تحقيق أهداف الحرب بعد مرور عشرة أشهر على بدئها، وعدم القدرة على إخضاع المقاومة في غزة.
وفي ظل استمرار الاستنزاف في غزة، يحتاج الجيش الصهيوني ومعه اليمين الصهيوني الحاكم إلى تحقيق صورة إنجاز قبل الحديث عن الذهاب إلى صفقة مع حركة حماس تنهي الحرب.
استعادة الهيبة والردع الإقليمي
كشفت أحداث السابع من تشرين الأول / أكتوبر وبعدها حرب الإبادة على غزة، الوهن الذي يعانيه الكيان الصهيوني أمنياً وعسكرياً واستخبارياً، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها "إسرائيل" بهذا الضعف.
زد على ذلك، أن قيام حزب الله بتفعيل جبهة الإسناد لغزة، والاستهداف اليومي للمواقع العسكرية الصهيونية، وظهور الخلل في القبة الحديدية، كلها أظهرت تآكل الردع الصهيوني بشكل يعرّض الكيان لمخاطر جسيمة لم يشهدها منذ الحروب العربية معه.
وعليه، وبناءً على ما تقدم، يمكن القول إن نتنياهو ومعه حكومة اليمين المتطرف غير معنيين بالأساس بالذهاب إلى هدنة، ولكن ما قد يضغط للتوصل إلى هدنة هو الآتي:
حاجة أميركية
إن عدم التوصل إلى هدنة ووقف الحرب في غزة، قد يطيح حظوظ كمالا هاريس للوصول إلى البيت الأبيض، وقدرة الحزب الديمقراطي على السيطرة على الكونغرس في الانتخابات القادمة في 4 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل.
لذلك، سيضغط الأميركيون للتوصل إلى تلك الهدنة للادعاء أمام الناخبين المتردّدين وأمام العرب والمسلمين من الناخبين أن الإدارة الحالية استطاعت إيقاف الحرب، وبالتالي إسكات الأصوات المعترضة داخل الحزب الديمقراطي التي تطالب كامالا هاريس باتخاذ موقف واضح من الحرب الدائرة في غزة
لوقف الإبادة.
احتواء الردّ الإيراني
قد يجد الصهيوني أنه من الأفضل احتواء الردّ الإيراني، إذا كانت الإدارة الأميركية غير معنية بالدخول في حرب كبرى في المنطقة. بالرغم من أن إيران أكدت أنها سترد، فإن بعثتها في الأمم المتحدة أكدت أن التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة هو أولوية، وأي اتفاق تقبله حماس سيكون مقبولاً للإيرانيين. وأضافت: "نأمل أن يتم ردنا في الوقت المناسب وبطريقة لا تضر بوقف إطلاق النار المحتمل".
الأكيد، أن إيران تسعى إلى حفظ سيادتها وأمنها وردع "إسرائيل" بالتوازي مع عدم تصعيد الأمور في المنطقة للوصول إلى حرب كبرى كما يريد نتنياهو، كما تسعى إلى وقف الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، لذلك ستكون معنية بعدم القيام بعمل يستغله الصهيوني لتحقيق أهدافه، أو لإتهام إيران بأنها مَن عطّل اتفاق وقف إطلاق النار.