تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
بعد طرحها للمبادرة في أكثر من مناسبة
لماذا ترغب طاجيكستان بإنشاء حزام أمني في أفغانستان؟
فكرة قديمة
إن فكرة الحزام الأمني في أفغانستان ليست جديدة في الخطاب الأمني لحكومة طاجيكستان تجاه أفغانستان. فقد طرح إمام علي رحمان هذه الفكرة لأول مرة في الأمم المتحدة عام 1998، بعد توقيع اتفاقية السلام ووصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان. ومع ذلك، تم نسيان هذه الفكرة بعد الغزو العسكري الأمريكي لأفغانستان. هناك مؤشرات على أن طاجيكستان كانت تتابع أهدافًا متعلقة بهذه الفكرة منذ عام 2019، حتى عندما كانت الولايات المتحدة وحلف الناتو لا يزالان موجودين في أفغانستان.
في عام 2022، وفي إطار قمة الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، طرح إمام علي رحمان رسميًا هذه الفكرة خلال فترة حكم طالبان الثانية. وقد حظيت هذه الفكرة بدعم فوري من فلاديمير بوتين وألكسندر لوكاشينكو، رئيسي روسيا وبيلاروسيا. وبعد ذلك بقليل، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية رسمياً عن خطوات موسكو لدعم هذه الخطة من خلال آليات مثل إجراء تدريبات مشتركة وتقديم مساعدات عسكرية وتقنيّة لتعزيز الحدود الجبلية لطاجيكستان.
في عام 2023، تم طرح هذه الفكرة مرة أخرى من قبل سراج الدين مهر الدين، وزير خارجية طاجيكستان، في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. وفي أغسطس 2023، تم التأكيد على هذه المبادرة مرة أخرى من قبل المسؤولين الطاجيك في اجتماع وزراء خارجية دول جوار أفغانستان في تونشي بالصين. وأخيرًا، أكدت حكومة طاجيكستان مرة أخرى على فكرة تشكيل حزام أمني في المناطق الحدودية لأفغانستان وآسيا الوسطى في الاجتماع الأخير لمنظمة شنغهاي للتعاون، ووفقًا لتصريحات المنسق الوطني لهذا البلد، فقد حظيت هذه الفكرة بدعم الدول الأعضاء.
مزايا وعيوب
قدم أميد حاكموف، الخبير في الشؤون السياسية والأمنية في المنطقة، تصنيفاً تحليلياً في عام 2022 بعد الإعلان الرسمي عن هذه المبادرة من قبل إمام علي رحمان، حيث حدد خمس مزايا رئيسية لمبادرة الحزام الأمني في أفغانستان:
1. منع انتشار عدم الاستقرار والتطرف إلى آسيا الوسطى.
2. التعاون بين خدمات حرس الحدود لدول جوار أفغانستان يمكن أن يخلق نوعًا من الردع ضد الجماعات المتطرفة والإرهابية.
3. ضمان تشكيل ممر اقتصادي آمن للتبادلات التجارية.
4. التعاون بين مختلف البلدان في إطار هذا الحزام الأمني سيؤدي إلى مكافحة تهريب المخدرات والمواد الكيميائية لإنتاج المخدرات الصناعية.
5. يمكن أن تزيد فكرة الحزام الأمني من حوافز التعاون بين دول جوار أفغانستان، بما في ذلك أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.
ومع ذلك، هناك بعض العيوب والانتقادات الجدية لهذه الخطة:
1. تنفيذ خطة الحزام الأمني يتطلب وجود قوات عسكرية وأمنية أجنبية في أراضي سيادات مختلفة.
2. التكاليف المادية وغير المادية لهذا المشروع.
3. يمكن أن تخلق هذه المبادرة، في حال تحققها، ميدانًا جديدًا لنشوء توترات جيوسياسية بين مصالح القوى الكبرى.
4. يمكن أن تهدد هذه المنطقة العازلة الأمنية الوضع الإنساني في أفغانستان وقد تجعل الظروف أصعب مما هي عليه اليوم في أفغانستان.
الأهداف غير الرسمية
بالإضافة إلى الأهداف الرسمية والشاملة لفكرة تشكيل حزام أمني، هناك بعض الأهداف التي لا تزال تحظى باهتمام أقل خلف هذه الأهداف الشاملة. أهمها:
1. السيطرة على موجة اللاجئين في المنطقة.
2. مكافحة تسلل القوات شبه العسكرية التابعة للجماعات الإرهابية بين اللاجئين.
3. محاولة طاجيكستان لتصوير أفغانستان كمصدر رئيسي للإرهاب ومنع تشكيل نظرة سلبية تجاه طاجيكستان.
4. سعي طاجيكستان للحصول على مزيد من المساعدات في إطار خطة تعزيز حدودها مع أفغانستان.
5. تعزيز المكانة السياسية والأمنية لطاجيكستان من خلال تبادل المعلومات.
كيفية التنفيذ
على الرغم من تأكيد طاجيكستان لأكثر من عقدين على تشكيل حزام أمني، لا تزال هذه المبادرة مجرد فكرة .لم تقدم الحكومة الطاجيكية حتى الآن كيفية تحقيقها بشكل عملي.
ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن النموذج العام للتنفيذ في جميع أنحاء أفغانستان مثالي وغير واقعي، ولكن يمكن أن يكون النموذج التنفيذي للحدود الشمالية ممكناً. بشكل عام، يمكن تصور ثلاثة نماذج تنفيذ لتشكيل حزام أمني حول أفغانستان:
1. إنشاء منطقة فراغ من خلال آليات عسكرية ودفاعية.
2. يمكن تنفيذ هذا الحزام الأمني ليس في شكل عملياتي بل فقط في شكل مراقبة وجمع معلومات واسعة النطاق باستخدام تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي.
3. يمكن أن يعتمد النموذج الثالث على تشكيل عدم استقرار مسيطر عليه، بحيث تتولى القوات المعارِضة لطالبان مهمة تشكيل هذا الحزام الأمني في أجزاء من الشمال.
آفاق المبادرة
تم طرح هذا الموضوع بجدية بعد عودة طالبان إلى حكم أفغانستان، عندما أصبحت مسألة المتطرفين والإرهابيين في المنطقة تعتبر تهديدًا محتملًا. ولكن الآن، مع ظهور داعش خراسان الإرهابية وعملياتها المتعددة في دول مختلفة ، و التي يبدو أنها تحولت إلى تهديد فعلي، لذلك هناك احتمال أن تلقى هذه المبادرة ترحيبًا أكبر في الفترة الحالية.
ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن تفسيرات وتصورات الدول المختلفة تجاهها مختلفة جدًا، وفي نفس الوقت هناك الكثير من تضارب المصالح فيها. ترى روسيا أن الولايات المتحدة تنقل عمدًا تهديد الإرهاب إلى شمال أفغانستان بهدف نشره إلى آسيا الوسطى، وبالتالي يمكن أن تكون قضية جدية تستحق الدعم. لذلك، قد تشارك روسيا على نطاق محدود في تشكيل أجزاء من هذه المبادرة بتفسير مختلف عن طاجيكستان.