الأربعاء الأسود
محمدمهدي إيماني بور
رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية
إنّ الهجوم غير الطبيعي الذي شنّته القوات الأمنية وإعلان الحكومة الألمانية عن إغلاق المركز الإسلامي في هامبورغ، يعتبر خطوة ألقت الضوء على مهزلة وكذب مزاعم حقوق الإنسان وحرّية التعبير وحقوق المواطنة التي يدّعيها هذا البلد الأوروبي، وإن الادعاءات والاتهامات غير الحقيقية التي وجّهتها وسائل الإعلام والدوائر الرسمية الألمانية للمركز الإسلامي ولطبيعة نشاطاته، لا يمكنها بالتأكيد أن تبعد أنظار كلّ مَن يتحلى بالرؤية الواقعية وكلّ مَن يتابع وينادي بالحقّ، عمّا يجري خلف الكواليس من حقائق.
وفي هذا الشأن، هناك ملاحظات يجب الإنتباه إليها:
الأُولى: تتعلق بالماضي المشرّف للمركز الإسلامي في هامبورغ والمكانة التي يتبوأها في ألمانيا، علماً أن تأسيس هذا المركز جاء بطلب من جمع من المؤمنين والأهالي المتدينين بمدينة هامبورغ، والذي واصل طوال ما يربو على 7 عقود تعامله وتعاطيه بصدق وسلمية مع سائر الأديان السماوية، وهذا إلى حدّ أنّ العديد من باحثي الدين الألمان أقرّوا بأنه يعتبر واحداً من المراكز المهمة للحوار والتقارب الديني في بلدهم. وإن نظرة على النشاطات البنّاءة لهذا المركز، ستوفر لنا شهادة على مصداقية ذلك في ظل هذه الإجراءات الوقحة التي هي دليل وممارسة تتعارض مع التقارب الديني والحوارات العلمية والبنّاءة لكل مَن يسعى وراء المشاعر الروحية والفكرية والعيش كمؤمن.
الثانية: تتعلق بتوجه الحكومة الائتلافية الألمانية الحالية، علماً أنه أُثيرت سابقاً مزاعم غير واقعية ضدّ المركز الإسلامي تمهيداً لإغلاقه؛ لكن الائتلاف الحالي أضحى مسؤولاً عن تسريع تنفيذ السيناريو الذي رسمته اللوبيات الصهيونية والمؤسسات الأمنية في الكيان الصهيوني الغاصب، لذا علينا الفصل وبعقل واعٍ بين حقيقة ما حصل وبين الادّعاءات الواهية.
الأحزاب والمؤسسات الرسمية في ألمانيا تسعى للإيحاء بأن إغلاق المركز الإسلامي تمخض عن مسار قانوني، في حين أن هذا هو بمثابة توفير وصف غير حقيقي وممارسة حرف الرأي العام عن واقع الخطوة المتخذة.. والأجواء الكاذبة التي صُنعت في هذه البرهة الزمنية الحالية، إنما هي إجراء يوفر متنفساً ويقلل من حجم الضغوط على الكيان الصهيوني القاتل للأطفال، خاصة في وقت أضحى فيه هذا الكيان ووجهه الحقيقي الإجرامي الوقح واضحاً للرأي العام أكثر من أي وقت مضى.
الملاحظة الثالثة: هي أن برلين دفعت دائماً ثمناً باهضاً عند لعب الأحزاب الألمانية على أرض كيان الاحتلال؛ لكن ثمن مسايرتها هذه المرة سيكون أكبر بكثير، مع العلم أن الهبّة الواسعة والغيورة من قبل المواطنين الألمان دفاعاً عن الفلسطينيين فيما يخص جرائم القتل في غزة، تشكل نقطة تحول في التاريخ المعاصر لسياسة برلين الخارجية. وهنا، فإن المسؤولين الألمان لم يضيعوا مثل هذه الفرصة لفصل مسارهم عن اللوبيات الصهيونية فحسب، بل أيضاً بمواصلة مسايرتهم لجلادي غزة ومحتلي القدس، فاقموا الهوة بينهم وبين مواطنيهم.
الملاحظة الرابعة: هي بشأن نتائج وتأثيرات القرار الذي اتخذته الحكومة الألمانية لإغلاق المركز الإسلامي في هامبورغ يوم الأربعاء (الموافق 24 يوليو 2024) والذي نُسمّيه "الأربعاء الأسود" ليس فقط لإغلاق المركز، بل لأنه تمّ فيه القضاء على حرّية التعبير على مرأى المليارات من البشر، وإن ما يثير قلق الواعين في أرجاء العالم أكثر من ذي قبل هو التوجه العام والأدبيات المتخذة إزاء مثل هذه الخطوة، التي يمكن تكرارها في أي نقطة أخرى من العالم وتحت أي ذريعة.
ربما يتصور البعض أنّ المستهدف في الإجراء الأخير للحكومة الألمانية هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورسالة الثورة الاسلامية، وهذا غير صحيح، حيث أن إغلاق المركز هو إجراء ضدّ مبدأ حرية التعبير، وضدّ حقوق البشر والحوار البنّاء بين أتباع الأديان السماوية في القرن الحادي والعشرين، وإذا تمّ السكوت عن هذا الإجراء أو إذا أراد بعض علماء الدين اعتباره قضية عادية وقراراً محدوداً، فإن هذا سيكون خطأ فادحاً، وإن ممارسات محاربة الدين في الغرب نظير حرق الكتب السماوية المقدسة وإزالة القيم الفطرية، والهجوم على كيان العائلة، وتعزيز ممارسة الفساد والركض وراء الملذات غير الطبيعية، هذه الممارسات أصبحت واضحة، وإن أي مجابهة أو محاولة لفضحها قام الغرب بإدانتها والوقوف بوجهها.
وأصبح كل واحد من الأديان وكل حضارة تدفع الإنسان ليصون نفسه ومبادئه على القائمة السوداء لمؤسسات القوى الخفية في أوروبا، لذا يتوجب وضع حدّ لهذا التوجه، وذلك بالتقارب بين مختلف الأديان والمذاهب، وبالتأكيد فإن من أهم السبل لذلك هو أن يطالب زعماء الدين في العالم بإلغاء قرار إغلاق المركز الاسلامي في هامبورغ.