تم الحفظ في الذاكرة المؤقتة...
في إطار التنافس مع روسيا
ما هي استراتيجية تركيا لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى و القوقاز؟
تعاون ومنافسة
قامت مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية التحليلية في مقال لها بدراسة النفوذ المتزايد لتركيا في آسيا الوسطى والقوقاز على خلفية الحرب في أوكرانيا. وقد سردت المجلة الظروف الجيوسياسية المعروفة التي في صالح أنقرة، والاستراتيجية التي تتبعها لتعزيز نفوذها.
وفي هذا السياق كتبت المجلة:
لقد عززت الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو العلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا. فأصبحت موسكو واحدة من الشركاء الرئيسيين لأنقرة من خلال زيادة صادراتها إلى تركيا، كما زادت الصادرات التركية إلى روسيا، في ظل الضغوط الغربية على الأخيرة، واكتسبت تركيا أهمية متزايدة كمشترٍ للغاز الروسي ومصدر للبضائع الأوروبية إلى السوق الروسية. ومع ذلك، يصاحب هذا التعاون منافسة جيوسياسية - "تتحدى تركيا، بثقتها العالية، روسيا في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى؛ وهما منطقتان تعتبرهما موسكو بحزم جزءًا من منطقة نفوذها الحصرية."
نفوذ متصاعد
تستخدم تركيا جمهورية أذربيجان كبوابة نحو دول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية. وبالتالي، هناك ديناميكية عبر بحر قزوين تحت رعاية كتلة تركية ناشئة تغطي مجالات مختلفة مثل الأمن والتجارة والثقافة. ويمكن ملاحظة النفوذ الجيوسياسي المتزايد لتركيا في منطقة بحر قزوين في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020 بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان، حيث تمكنت الأخيرة بدعم عسكري كبير من أنقرة، من استعادة جزء كبير من الأراضي التي كانت تسيطر عليها جمهورية ناغورنو كاراباخ منذ أوائل التسعينيات.
على الرغم من أن فلاديمير بوتين توسط لوقف إطلاق النار وأمر قوات حفظ السلام الروسية بدخول منطقة النزاع، إلا أن التدخل العسكري التركي في جنوب القوقاز لصالح جمهورية أذربيجان ساعدها في إنهاء الحرب لمصلحتها، و سجل أول تدخل عسكري غير روسي إلى المنطقة، وعززت أنقرة وباكو، في أعقاب هذا النجاح، تحالفهما الاستراتيجي في إعلان شوشا 2021.
لاحقًا، في سبتمبر 2023، حققت جمهورية أذربيجان هدفها الذي استمر ثلاثين عامًا والمتمثل في السيطرة الكاملة على ناغورنو كاراباخ من خلال هجوم عسكري، وفي أبريل 2024، أعلنت روسيا الانسحاب الفوري والكامل لقواتها من ناغورنو كاراباخ، وأظهر هذا للدول التركية في آسيا الوسطى أن التعاون مع أنقرة يمكن أن يجلب فوائد أمنية.
رفع مستوى التعاون
رفعت كازاخستان وأوزبكستان علاقاتهما الثنائية مع تركيا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة وأبرمتا اتفاقيات لتطوير التعاون العسكري في مجالات مثل التدريب والتمارين العسكرية المشتركة وجمع المعلومات الاستخباراتية. حيث تكتسب الصناعة الدفاعية التركية بسرعة السيطرة على سوق الطائرات بدون طيار المتنامي في آسيا الوسطى، ما أدى إلى منافسة هيمنة موسكو كمورد وحيد للأسلحة في المنطقة. أما الاشتباكات الحدودية العنيفة في عامي 2021 و2022 بين القوات المسلحة لقيرغيزستان وطاجيكستان، وكلاهما عضو في التحالف العسكري CSTO بقيادة روسيا ويستضيف قواعد عسكرية روسية على أراضيه، فقد قوبلت برد فعل معتدل فقط من جانب روسيا. بدلاً من ذلك، تدخلت تركيا لدعم جهود المصالحة بين قيرغيزستان وطاجيكستان وحولت بعض التقدم الأخير في اتفاقيات الحدود إلى إنجاز لها.
تعزيز الممر الأوسط
يساهم التعاون التركي في تعزيز ممر التجارة والنقل عبر بحر قزوين المعروف باسم "الممر الأوسط"؛ وهو طريق بديل للتجارة بين أوروبا وآسيا يتجنب روسيا. لذلك، يحظى هذا التعاون باحترام ودعم الغرب أيضًا.
الممر الأوسط هو شبكة من الطرق والسكك الحديدية والمسارات البحرية التي تربط أوروبا وآسيا عبر آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وتركيا. يربط الممر الأوسط دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى بمبادرة البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي وكذلك مبادرة الحزام والطريق الصينية. كما يشكل اضطراب النقل التجاري واللوجستيات مشكلة خاصة لاقتصاد كازاخستان المعتمد على الطاقة. يتم تصدير حوالي 80٪ من النفط عبر روسيا إلى الأسواق الغربية. في عام 2022، انقطع هذا التدفق، ما دفع كازاخستان إلى توسيع تعاونها مع جمهورية أذربيجان لإعادة توجيه الطاقة إلى أوروبا عبر بحر قزوين.
كما كثفت تركمانستان، التي تمتلك احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، المحادثات مع جمهورية أذربيجان وتركيا والمفوضية الأوروبية بشأن مشروع خط أنابيب عبر بحر قزوين إلى أوروبا الذي طال اقتراحه، وهو مشروع يتطلب استثمارات كبيرة. بالنسبة لدول آسيا الوسطى الغنية بالموارد، ستكون تركيا مركزًا مهمًا للغاز والنفط ومفتاحًا للوصول إلى أسواق الطاقة الغربية.
منظمة الدول التركية
مثل روسيا، تروج تركيا أيضًا لصيغتها متعددة الأطراف، وهي منظمة الدول التركية، التي تحولت من منصة للحوار إلى منظمة لتعزيز التعاون الشامل في جميع الجوانب. اعتمدت الدول الأعضاء في هذه المنظمة، وهي تركيا وجمهورية أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، الخطة الطموحة لرؤية العالم التركي 2040. والهدف الواضح هو أن تكون هذه المنظمة بمثابة اتحاد أوروبي للأتراك يسمح بحرية حركة السلع ورأس المال والخدمات والتكنولوجيا والأفراد بين الدول الأعضاء. وبالنسبة إلى بنك الاستثمار التركي فهو في مراحله الأولى، وحتى تركمانستان المحايدة بشكل دائم، التي عادة ما تتجنب المنتديات متعددة الأطراف، انضمت إلى هذه المجموعة كمراقب.
تداعيات الحرب في أوكرانيا أجبرت دول جنوب القوقاز وآسيا الوسطى على تنويع علاقاتها الدبلوماسية والبحث عن طرق بديلة للوصول إلى الأسواق الدولية. تركيا من جانبها تستجيب لهذا الطلب المتزايد على الشراكات البديلة. وبالتالي، تريد تركيا، من خلال التركيز على مجالات الدفاع والطاقة والثقافة (وهي النقاط التي كانت تشكل جوهر نفوذ موسكو)، أن تصبح ثقلاً موازنًا لروسيا على الجانب الآخر من بحر قزوين.