إيران تنتصر مجدداً
حيان نيوف
كاتب ومحلل سياسي
أُسدِل الستار على الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتمّ انتخاب الرئيس الرابع عشر لإيران منذ انطلاق الثورة الإسلامية قبل 45 عامًا بعد جولتين من المنافسة انتهت بفوز الرئيس مسعود بزشكيان على حساب المرشح سعيد جليلي.
وجاءت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في ظلّ ظروف استثنائية تمرّ بها إيران والمنطقة والعالم، ويمكن تلخيص بعضها بالآتي:
- معركة طوفان الأقصى، والتي تخللها هجوم إيراني مباشر وعنيف على الكيان الصهيوني للمرة الأولى، وتقهقر للمعسكر الصهيو-أميركي في الشرق الأوسط.
- جرت الانتخابات كنتيجة دستورية لإستشهاد رئيس الجمهورية آية الله الشهيد السيد إبراهيم رئيسي على إثر سقوط مروحية كانت تقله وبعض المسؤولين الإيرانيين في شمال شرق البلاد.
- جاءت الانتخابات في ظل تحولات جيوسياسية وإستراتيجية تمرّ بها إيران بدأت مع انضمامها لمنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، وبعد توقيعها على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الصين، واتفاقية شراكة مع الهند حول ميناء تشابهار، والاستعداد لتوقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشامل مع روسيا.
- جاءت الانتخابات أيضًا بعد اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية، وانعكاساته على علاقات إيران مع العديد من الدول العربية والإقليمية.
- وأيضًا جاءت تلك الانتخابات مع اقتراب إيران وحلفائها في محور المقاومة من تحقيق أكبر نصر إستراتيجي في تاريخ المنطقة الحديث على كلّ من الكيان الصهيوني وحليفته واشنطن.
- وأخيرًا جاءت الانتخابات الإيرانية في ظل تصاعد المواجهة على الصعيد العالمي انطلاقًا من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وإلى جنوب آسيا وشرقها، حيث تقع إيران في قلب هذا الحيِّز الجغرافي المترامي الأطراف، تلك الجغرافيا التي ستحدد شكل العالم الجديد برمته.
وانطلاقًا من كلّ ذلك تتأتى الأهمية الاستثنائية لهذا الاستحقاق الدستوري الإيراني الذي تحوّل إلى محطّ أنظار العالم أجمع بشرقه وغربه، والذي راح يراقب ويترقب سير العملية الانتخابية أولًا، ونتائجها ثانيًا.
لا شكّ أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية كغيرها من دول العالم تحتضن تيارات متنوعة في الفكر والإدارة والتوجّهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتّى العرقية، غير أن ما يميّز إيران ومنذ قيام الثورة الإسلامية أن ذلك التنوع ينصهر ويتوحد في بوتقة واحدة تحت ظل قيادة ومؤسسات ثورية ناظمة لذلك كلّه.
لأجل ذلك فإننا نلحظ اطمئنانًا يقينيًا لدى حلفاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشركائها الإقليميين والدوليين، في ذات الوقت الذي نلحظ فيه غيظًا وأوهامًا لدى أعدائها وخصومها وحسّادها. يمكن القول إن الاستحقاق الرئاسي الإيراني حقق نجاحًا استثنائيًا أبهر العالم أجمع، سواء لجهة التنظيم والتسلسل والنزاهة، أم لجهة التنافس الإيجابي والمناظرات وتقديم البرامج الانتخابية، والأهم من ذلك كانت نسبة المشاركة المرتفعة التي بلغت حدود 50% في الجولة الثانية بالرغم من الظروف الصعبة المتعلّقة بضيق الوقت والحرارة المرتفعة والتضليل الإعلامي والتحريضي الممارس من قبل الجهات المعادية لإيران.
وعليه فقد أثبتت العملية الانتخابية برمتها أن إيران تمتلك نظامًا دستوريًا مؤسساتيًا ديمقراطيًا متطورًا يليق بمكانتها وبقدراتها وحجمها ومكانتها في العالم الجديد تتفوق به على الكثير من دول العالم المتقدمة أو التي تدعي الديمقراطية والاستقرار السياسي. وهو ما عبّر عنه آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي بعد الانتخابات بقوله "هذه الحركة العظيمة في مواجهة الضجة المصطنعة المتمثلة في مقاطعة الانتخابات، والتي أطلقها أعداء الشعب الإيراني لبث اليأس والجمود، هي عمل رائع لا ينسى".
نعم، لقد انتصرت إيران مجددًا في هذا الاستحقاق كما انتصرت في ميادين وجبهات وصعد كثيرة منذ انطلاق ثورتها، لعل أكثر العبارات المناسبة التي تعبر عن التنوع الإيجابي الضروري واللازم في تنفيذ السياسات الإيرانية هي أن نقول، إن الإيرانيين يتقنون حياكة السجّاد بذات القدر الذي يتقنون فيه لعبة الشطرنج على الرقعة العالمية الكبرى.