أكاديمي فلسطيني من غزة للوفاق:
استهداف صهيوني ممنهج للتعليم... ومبادرات تتصدى لسياسات التجهيل
حتى العِلم لم يسلم من عدوان الكيان الصهيوني، وأضحى من أبرز ضحاياه. وتُعتبر سياسة تدمير البنى التحتية للمؤسسات التعليمية قديمة جديدة، لكنها تجاوزت كل الحدود في هذه الحرب. فما ينتهجه العدو الصهيوني، على نحو متعمد، عبر اعتداءاته العسكرية، أدى إلى تدمير واسع النطاق وغير معهود، من أجل إلغاء البيئة التعليمية، عبر تدمير جميع مقومات التعليم، ويُعد الهدف الصهيوني من وراء ذلك هو التجهيل وجعل غزة منطقة غير صالحة للعيش ودفع سكانها نحو الهجرة، عبر تدمير البنى التحتية والتعليمية والصحية وكل مقومات الحياة. في هذا السياق التقت صحيفة الوفاق الأكاديمي الفلسطيني المختص في القانون الدولي والنظم السياسية الدكتور وسام عطاالله، وكان معه الحوار التالي:
الوفاق/ خاص
عبير شمص
استهداف ممنهج ومتكرر
لم يتمكن طلاب جميع المراحل في قطاع غزة بدءاً من المرحلة التمهيدية في قسم الروضات وما قبل الصفوف الابتدائية مروراً بالمرحلة الاعدادية والثانوية والجامعات، من اكمال العام الدراسي الحالي، فكل المؤسسات التعليمية في قطاع غزة تعطلت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول، وفق ما ذكره الدكتور عطالله الذي أوضح بأن الاحتلال الصهيوني استهدف كل شيء له علاقة بالعملية التعليمية في قطاع غزة، وعملية الاستهداف هذه متكررة على مر السنوات، فقد كانت هناك استهدافات ممنهجة على طول سنوات الصراع الفلسطيني الصهيوني في فترات الانتفاضة الأولى من عام ١٩٨٧ حتى عام ١٩٩٤ حيث شُلت العملية التعليمية وكثيراً ما كان يتم اقتحام المدارس واعتقال المعلمين ومدراء المدارس، وانتظم الطلاب في هذه السنوات في الدراسة لأيام قليلة جداً، ومع بدء انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ وحتى عام ٢٠٠٥ اجتاح الكيان الصهيوني مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء واستهدف العدو الصهيوني المؤسسات التعليمية فيهما ولم يقتصر استهدافه على الحجر بل استهدف أعداداً كبيرة من طلاب المدارس والجامعات الذين كانوا يقاومون الاحتلال بالحجارة وصدورهم العارية أمام الحواجز العسكرية".
مواجهة سياسة التجهيل
يشرح الدكتور عطاالله بأنه:" لم يقف الشعب الفلسطيني مكتوف الأيدي أمام هذا الاستهداف الممنهج، ففعّل مبادرات عديدة لإنقاذ العام الدراسي والوقوف ضد سياسة التجهيل الصهيونية الممارسة ضد المجتمع الفلسطيني، فنُفذت العديد من المبادرات الحكومية لإنقاذ العملية التعليمية في كل الحروب التي شنها العدو الصهيوني ضد قطاع غزة، وكان يتم بفعل هذه المبادرات استدراك العام الدراسي، رغم تدمير المدارس وقتل العديد من المدرسين ومحاولة تعطيل المؤسسات التعليمية. فالجامعة الاسلامية مثلاً في قطاع غزة استُهدفت وقُصفت في كل حرب، ولكن في الحرب الأخيرة والتي فاقت كل التصورات دُمرت الجامعة بالكامل، وكذلك جميع المدارس والجامعات الأخرى والمؤسسات التعليمية المختلفة، ولكن تحدى رؤساء الجامعات الفلسطينية هذا الاحتلال المجرم عبر وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية وبجهود من الجامعات أنفسها أنشأوا نظاماً يعرف بنظام "الطالب الزائر" بحيث يتمكن طلاب قطاع غزة من تسجيل موادهم الدراسية التي تتوافق مع الجامعات التي تتواجد في الضفة الغربية مثل طلاب القانون في الجامعة الاسلامية وفي جامعة الأزهر وجامعة غزة وجامعة فلسطين، يتسجل الطالب فيهم بصفة طالب زائر ويختار الجامعة التي يرغب الانتساب اليها إذا ما كانت الخطة الدراسية متقاربة من بعض، كي لا يذهب العام الدراسي سدى على طلاب الجامعات، وبالتالي تتم السيطرة على العام الدراسي على الصعيد الجامعي، وكذلك أعلنت الجامعات اصدار روابط عبر الانترنت الذين فقدوا شهاداتهم وأوراقهم لاستخراجها عبر الانترنت ليتمكنوا من التسجيل سواء في جامعات خارجية لمن نزح خارج قطاع غزة أو لاستخدامها لبرنامج الطالب الزائر مع الضفة الغربية، أمّا بخصوص المدارس بمختلف فئاتها فلا يوجد في القطاع كهرباء ولا انترنت وهم معزولين عن العالم الخارجي وبالتالي من الصعوبة بمكان استدراك العام الدراسي حالياً، فالحرب ما زالت متواصلة كما أن المدارس كلها تم استهدافها وحرقها وتدميرها وتلك التي ما زالت تصلح للاستفادة منها لكنها أصبحت مراكز ايواء النازحين الذين دمرت بيوتهم، خلاصة الأمر أن وزارة التربية والتعليم العالي في الضفة الغربية وقطاع غزة تعملان بشكل كبير لاستدراك العام الدراسي قدر الامكان حتى أن الجامعات والدراسات العليا أجروا مناقشات رسائل الماجستير في قلب الخيم وفي أماكن النزوح حتى لا تتعطل العملية التعليمية".
استهداف ممنهج للكوادر العلمية
تابع الدكتور عطا الله حديثه بالقول:" تم اغتيال أكاديميين مميزين بشكلٍ مقصود وممنهج حيث استشهد ١٠٥ من الأكاديميين بينهم كبير أساتذة الجامعات الدكتور "سفيان تايه" رئيس الجامعة الاسلامية في غزة والدكتور "سعيد الزبدة" رئيس الكلية الجامعية واليوم استهدفوا بشكل واضح العديد من الأكاديميين المتميزين إذ بلغت أعداد الأكاديميين الذين ارتقوا شهداء ١٠٥، أمّا بخصوص المعلمين والاداريين في المدارس فيوجد في غزة ٤٠٠ معلم شهيد و3000 جريح، هذا وقد اتهم الاحتلال الصهيوني بعض المعلمين أنهم شاركوا في هجوم في السابع من اكتوبر وبالتالي صنف الاونروا على إنها ارهابية وتضم موظفين ارهابيين، فمنع وقطع عنها التمويل المالي من الدول المانحة، ولم يعد يصل قطاع غزة المال عبر البنوك لأن النظام المصرفي الفلسطيني مرتبط بالنظام المصرفي الصهيوني، وهكذا يصر الاحتلال بتعطيل العملية التعليمية بكل استطاعته".
ويوضح الدكتور عطا الله الهدف من استهداف الكيان الصهيوني الممنهج للكوادر العلمية بأنه:"اعتمد الكيان الصهيوني استهداف الكادر التعليمي في القطاع لشل العملية التعليمية ولحرمان الطلاب من وجود كادر تعليمي لتدريسه وهذه الأهداف ممنهجة ومقصودة من الجيش الصهيوني ومن حكومته لخلق جيل يخضع لسياسة التجهيل المقصود، وكذلك استهدف العدو الصهيوني كل محطات الكهرباء والاتصالات والانترنت وذلك لخلق مشاكل متعددة ومركبة أمام المجتمع المحلي وأمام الحكومة الفلسطينية الذين يحاولون إيجاد حلول وطرق بديلة لاستمرار العملية التعليمية، فالعدو الصهيوني يحاول تعقيد المشهد أكثر عبر استهداف كل المرافق التي لها علاقة بامداد المؤسسات التعليمية من مدارس ووزارة ومديرية تعليم ومبان ادارية تستفيد من هذه المرافق حتى لا تكتمل العملية التعليمية".
شل العملية التعليمية أهم أهداف العدو
يرى الدكتور عطاالله بأنه:" شكل تدمير النظام التعليمية في غزة أهم أهداف الجيش الصهيوني الذي لم يستطع النيل من المقاومة الفلسطينية فقام بتدمير كل شيء له علاقة بالحياة وخاصة التعليم بحيث دمر المدارس والجامعات وكل البنى التحتية التعليمية فلا يمكن العودة للعمل في هذه المدارس والجامعات بل تحتاج لإعادة الإعمار من جديد بدءاً من البنية التحتية وصولاً إلى المباني والانشاءات، ويهدف العدو الصهيوني من ذلك على اجبار المواطنين الفلسطينيين على ترك أراضيهم في قطاع غزة وذلك عبر جعل الحياة مستحيلة، فالمواطن الفلسطيني يصمد على أرضه لكن الأب الذي لديه أطفال وطلاب مدارس يفكر في مستقبلهم وبمصيرهم ولا يستطيع تركهم عرضة للجهل وتدمير مستقبلهم."
مخالفة للقانون الدولي
يُعتبر الحق في التعليم للطلاب الفلسطينيين وفق الدكتور عطا الله حقوق مكفولة بالقوانين الدولية الانسانية وتُعتبر المدارس أعيان مدنية يُحرم ويُجرم استهدافها، فيُعد الحق في التعليم من أهم حقوق الانسان الذي حرص القانون الدولي وكل الأعراف الدولية على حمايته وقت السلم ووقت النزاعات المسلحة سواء النزاعات الداخلية مثل ما يحصل في السودان الآن أو النزاعات الخارجية بين دولتين مختلفتين مثل روسيا وأوكرانيا ومثل حرب غزة، وكل دساتير العالم نصت على الحق في التعليم وعلى أن أهم مبدأ من مبادئ القانون الدولي حفظ الكرامة الانسانية، ويعتبر التعليم من أساسيات هذه الكرامة إذ لا يمكن للانسان أن يعيش حياة كريمة وأن يتنعم بالكرامة التي وهبها له القانون دون أن يأخذ حقه في التعليم وفي كل مراحله، ولذلك يتعمد الكيان الصهيوني الى انتهاك هذه الحقوق وانتهاك حق الشعب الفلسطيني وطلابه وحرمانهم من العملية التعليمية وهو بذلك يضرب قواعد القانون الدولي الانساني والأعراف الدولية والانسانية وأخلاقيات الحروب والأعراف الدولية. وقد جرت العادة أثناء الحروب ألا يتم استهداف وتخريب المراكز التعليمية والمدارس والجامعات، وفي كل الحروب التي جرت لم نكن نسمع باستهدافهم إلاّ في فلسطين، بسبب النازية الصهيونية التي تستهدف كل مناحي الحياة، وبهذا تخترق "اسرائيل" قواعد القانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف وبروتوكول الأربع اتفاقيات وبروتكولاتها الملحقة، لذلك لا نستغرب عندما تتهم "اسرائيل" بجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية لأن استهداف العملية التعليمية من طلاب ومعلمين ومباني يعتبر ايضاً من جرائم الحرب".
جرائم حرب مركبة ضد الانسانية
يضيف الدكتور عطا الله بأن دولة جنوب أفريقيا رفعت دعوى ضد الإبادة الجماعية وضد ارتكاب العدو الصهيوني جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، في مخالفة صريحة منه لميثاق روما الأساسي الذي انبثقت عنه المحكمة الجنائية الدولية والذي يختص بالنظر في أربعة جرائم وهي أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية، وهي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والعدوان وجرائم ضد الانسانية، كل هذه الجرائم ارتكبها العدو الصهيوني في غزة لليوم ٢٧١ على التوالي، وهذه جرائم لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن".
ويختتم الدكتور عطاالله بالقول: الاستهداف الصهيوني دائماً مقصود وممنهج ضد العملية التعليمية تجاه المنشآت والمدارس والجامعات واتجاه الكادر التعليمي من أساتذة ومدراء مدارس ورؤساء جامعات ومن حيث الامداد الاداري واللوجستي وكل ما يتعلق بالعملية التعليمية، لذا فالاستهداف يكون بشكل ممنهج بحيث يشلّ العملية التعليمية والتدريسية واسرائيل تتبع دائماً هذا الأسلوب ولكن هذه الحرب فاقت كل الأوصاف وفاقت كل ما سمعنا عنه في تاريخ الحروب المدمرة، والكيان الصهيوني أصبح سابقة في الإجرام لم يسبقه أحد من العالم في ذلك".