كاتب وإعلامي فلسطيني للوفاق:
سرقة مستمرة لأرض فلسطين؛ والمقاومة بالمرصاد
لم يدع العدو الصهيوني وسيلة ليُسيطر فيها على أراضي فلسطين التاريخية إما مباشرةً بقوة السلاح أو بطريقة غير مباشرة عبر القوانين المختلفة أو تعاون بعض الجمعيات والمستثمرين لشراء الممتلكات الفلسطينية، وقد استمر عمله منذ تأسيس كيانه المؤقت إلى وقتنا الحاضر، وما نراه من محاولات مصادرة أملاك المقدسيين ومن بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية إلاّ دليلاً واضحاً ومستمراً على سياساته الاستيطانية. تاريخياً بدأ العدو بسعيه للاستيلاء على الأرض الفلسطينية عبر الترويج للدعاية التي ارتكزت منذ القرن التاسع عشر على فكرة ”أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، مُسوقاً للعالم أنه لا يوجد شعب في فلسطين، وأن من حق اليهود الذي لا يملكون أرضاً أن تكون هذه الأرض لهم. واستمر بتزوير التاريخ عبر نشره أخباراً كاذبة ومضللة على أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أرضهم لليهود، وأن اليهود إنما اشتروها بأموالهم، فلا ينبغي للفلسطينيين أن يطالبوا بعد ذلك بها. ومن ثم استمرت محاولات الصهاينة حتى قبل تأسيس الكيان المؤقت، للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بطرق مختلفة، وبدأت معها مقاومة الفلسطينيين للمشروع الاستيطاني ومنذ المراحل الأولى المبكرة له، في أيام الدولة العثمانية. واستمرت خلال الانتداب البريطاني على فلسطين والذي كان يهدف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. كما شرع العدو الصهيوني القوانين لسرقة الأرض الفلسطينية، وطورها عبر السنوات الأخيرة لتتناسب مع العصر دون أن تترك أية ثغرة يمكن للفلسطيني استغلالها لاسترجاع حقوقه، وكان أخطرها قانون أملاك الغائبين. وفي إطار الحديث عن الاستيلاء الصهيوني المستمر على الأراضي الفلسطينية بشتى الطرق وحتى قبل تأسيس الكيان المؤقت بدعم غربي بريطاني ومن ثم أميركي، ومقاومة الفلسطينيين لهذه الحركة الاستيطانية، التقت صحيفة الوفاق مع الكاتب والإعلامي الفلسطيني الأستاذ حمزة البشتاوي، وفيما يلي نص الحوار:
الوفاق/ خاص
عبير شمص
البداية مع العصابات الصهيونية
يقول الأستاذ البشتاوي حول بداية الحركة التاريخية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية أنه: "منذ بداية المشروع الصهيوني على أرض فلسطين شكل الصهاينة مجموعة من العصابات المسلحة لارتكاب المجازر في القرى والمدن من أجل إرهاب المواطنين وتهجيرهم قسراً والاستيلاء على الأراضي الزراعية والمنازل وهذا كان يتم منذ ما قبل النكبة أي مع بداية المشروع الصهيوني وعبر الهجرة المنظمة المدعومة من بريطانيا، كانت هناك عملية استجلاب لليهود من كافة أنحاء العالم للسيطرة والاستيطان في الأراضي الفلسطينية".
ويتابع حديثه بالقول بأنه:" كانت تتم عمليات شراء أراضي عبر اقطاعيين غير فلسطينيين أتوا من لبنان أو من دمشق وبرز اسم عائلة "سرسق" اللبنانية وهي كانت من كبار أصحاب الأملاك في فلسطين خاصة في منطقة مرج ابن عامر باعوا أراضيهم بسبب الاغراءات المالية واستوطن الصهاينة في هذه المنطقة، فكان الاستيطان ايديولوجية وهو جوهر المشروع الصهيوني".
من لا يملك لمن لا يستحق
يشرح الكاتب والإعلامي الفلسطيني الأستاذ البشتاوي دور الانتداب البريطاني في مساعدة اليهود بسرقة أراضي فلسطين :"عندما بدأت العمليات الاستيطانية وسرقة الأراضي الفلسطينية كان يسكن اليهود المهاجرين إلى فلسطين بما يسمى الكيبوتسات أي المستوطنات الزراعية بدعم بريطاني وخاصة أثناء الانتداب البريطاني، وقد استثمرت كل صلاحيات الحكم الاستعماري لفرض هذا الواقع. وقد قاومت الحركة الوطنية الفلسطينية الاستيطان اليهودي بكل ما تملك من وسائل سياسية وإعلامية واحتجاجية، وخاضت الكثير من الثورات والمواجهات. والجدير ذكره أنه قد بلغ مجموع ما تمكن اليهود من الاستيلاء عليه في فترة الاحتلال البريطاني حوالي مليون و 380 ألف دونم أي حوالي 5.1% فقط من أرض فلسطين، وذلك عبر تسرب هذه الأراضي لليهود عن طريق منح الحكومية البريطانية لأراضي فلسطين الأميرية "أراضي الدولة"، أو عن طريق ملاك إقطاعيين كبار غير فلسطينيين كانوا يقيمون في الخارج، ومنعوا عملياً ورسمياً من الدخول إلى هذه المنطقة (تحت الانتداب البريطاني) لاستثمار أرضهم إن كانوا يرغبون بذلك فعلاً".
قانون أملاك الغائبين
يوضح الأستاذ البشتاوي بأنه:" بعد النكبة والتهجير القسري في العام 48 صدر ما يسمى بقانون أملاك الغائبين للسيطرة على المزيد من الأراضي والممتلكات وهذا القانون صدر في العام 1950 ثم صدر قانون ما يسمى حارس أملاك العامة في العام 1967م، بواسطة هذا القانون، وضع العدو الصهيوني يده على كل الممتلكات التي تركها اللاجئون الفلسطينيون خلفهم في 1948. وبعد العام 1967، في عملية كانت مثار خلاف، تم تطبيق القانون أيضاً شرق مدينة القدس المحتلة الذي تم ضمها للكيان الصهيوني. فكان كل من له عقار في شرق القدس ويعيش في الضفة الغربية أو في دولة عربية، فإن ممتلكاته تنقل تلقائياً إلى حارس أملاك الغائبين، وتؤكد الدراسات أن "الأملاك المتروكة"، كانت إحدى أهم المساهمات في سبيل جعل الكيان الصهيوني مكاناً قابلاً للحياة. إذ أظهرت نتائج دراسة تحضيرية لمؤتمر جنيف الدولي بشأن النزاع العربي الصهيوني عام 1950، أن 80% من الأراضي التي أقام عليها الكيان الصهيوني تعود للاجئين، وتقدر مساحتها بنحو 20 ألفا و850 كيلومتر مربع. وفي عام 1954 عاش ثلث سكان هذا الكيان على أملاك الغائبين، وحوالي ثلث المهاجرين الجدد (250 ألفاً) سكنوا في أحياء عربية هجر منها سكانها، وفق موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية".
مدينة القدس المحتلة
وفي سياق عمليات التهويد والاستيطان في مدينة القدس المحتلة يشرح الكتاب والإعلامي الفلسطيني الأستاذ البشتاوي بأنه: "يستهدف العدو الصهيوني مدينة القدس المحتلة والمقدسات التي تضمها بعمليات التهويد ومصادرة الممتلكات والأراضي والتي لا تتوقف منذ احتلالها إلى يومنا هذا ونرى كيف يواجهه الفلسطينيون بمزيد من التمسك بالأرض والمزيد من المواجهة مع الاحتلال وهناك أدلة كثيرة من خلال عمليات الصمود والهبات التي تحصل في مناطق مختلفة من المدينة مثل منطقة باب العامود في مواجهة الحواجز الاستيطانية وما جرى في منطقة الشيخ جراح ومحاولة منع الصهاينة من طرد السكان من منازلهم والاستيلاء عليها".
بالثورات والانتفاضات واجه الفلسطينيون عمليات الاستيطان
قاوم الفلسطينيون كل عمليات الاستيطان والتهويد وكان الشعب الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني عموماً ينتقل من هبّة إلى ثورة إلى انتفاضة في مواجهة عمليات الاستيطان والتهويد منها ثورة البراق والكثير من الهبات والانتفاضات منذ العام 1919م، وفق الأستاذ البشتاوي. ويضيف:"شكل المجتمع الفلسطيني لجان مقاومة شعبية لمواجهة الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي. وهذه العمليات كانت بداية ًتتم عبر التعاون الصهيوني البريطاني المشترك ثم من خلال الحركة الصهيونية التي أصبحت مدعومة في ذلك الوقت من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ويؤشر إلى أول عملية استيطان كبرى على الأراضي الفلسطينية مع وعد بلفور عام 1917م حيث توسعت عمليات الاستيطان لتصبح جزءاً رئيسياً من ايديوبوجيا الحركة الصهيونية. وفي العام 1948م بغرض السيطرة على الأراضي وتفكيك بنية المجتمع الفلسطيني تم السيطرة على الكثير من المدن والمساحات بما يسمى الأراضي المشاع في شمال فلسطين وعلى طول الساحل الفلسطيني. وهنا كانت الغاية والغرض السيطرة على الأراضي وهذا يرتبط بايديولوجية الاستيطان لأن هذا الكيان قائم على فكرة التوسع والاستيطان والذي يستهدف عبره تفكيك بنية المجتمع الفلسطيني. وخلال هذه العمليات الاستيطانية كانت الحركة الصهيونية بغطاء من بعض الأنظمة العربية تقوم بترويج أكذوبة أن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم وهذه الأكاذيب ارتبطت بعدة مقولات صهيونية في سياق الدعاية الصهيونية التي تروج لمشروع السيطرة على فلسطين بالاستناد إلى عدة مقولات منها أن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" .
ويختم الأستاذ البشتاوي حديثه بالقول أن هناك قراراً فلسطينياً شعبياً يدعو إلى الاستمرار بالمواجهة وتقديم التضحيات من أجل التأكيد على هوية الأرض بأنها أرض فلسطينية وبأن هذا الاحتلال والكيان مؤقتان ولا بد من خلال الصمود والمقاومة أن يزولان عبر التمسك بهذه الأرض".