على أعتاب العيدين المباركين
الأضحى وعرفة بريشة الفنانين الإيرانيين
الوفاق/ تفرّد الله سبحانه وتعالى بالخلق والإختيار، قال تعالى: "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (القصص/68)، ومن رحمته بالعباد أن فاضل بين الأوقات والأزمنة، فاختار منها أوقاتاً خصّها بمزيد الفضل والأجر؛ ليكون ذلك مدعاة شحذٍ للهمم، وتجديد العزائم، والمسابقة في الخيرات والتعرض للنفحات، ومن هذه الأزمنة الفاضلة أيام عشرة ذي الحجة التي اختصت بعدد من الفضائل والخصائص، وفيها يوم عرفة، وعيد الأضحى المبارك، اللذان نحن اليوم على أعتابهما، فبهذه المناسبة نذكر بعض اللوحات التي رسمها الرسامون الإيرانيون منذ القدم حتى اليوم.
يوم عرفة
يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يسبق يوم النحر، وقد عظَّم الله تعالى مكانة يوم عرفة، ورفع منزلته، وجعله من أفضل الأيّام، حيث فيه تتنزّل الرحمات، وتجاب فيه الدعوات، ويغفر الله تعالى فيه الأخطاء والزلّات، ويُعين فيه أهل العثرات.
وفي هذا اليوم يبدأ حجاج بيت الله الحرام منذ شروق شمس اليوم التاسع من ذي الحجة التدفق إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم وهو الوقوف بعرفة بعد أن قضوا في مشعر منى يوم التروية.
فإن موقف عرفة من المواقف التي ينبغي على المسلم أن يعتني فيها بالدعاء بجد وإخلاص، فيدعو بالمأثور عن النبي(ص)، وفيها أعمال كثيرة من الصيام والدعاء، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة.
يوم عرفة عيد من الأعياد العظيمة، وإن لم يعرف بأنه يوم عيد، فقد ظهر أنه يوم فرح وسرور، حيث دعا الله فيه عباده إلى طاعته وعبادته، وفتح لهم أبواب سماواته، ليتلذذ المؤمنون فيه بلذيذ مناجاته، وكفى بذلك موردا لسرور المؤمنين وفرحهم بالقرب من الجليل ، قال الله تعالى: "فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ" (البقرة/آية 198).
عيد الأضحى
أما اليوم العاشر من شهر ذي الحجة فهو يوم عيد الأضحى المبارك، ويحل عيد الأضحى على المسلمين بعد يوم الوقوف بعرفة -ركن الحجّ الأعظم- أيّ في العاشر من ذي الحِجّة، وقد شُرعت في العيد العديد من الأعمال الصالحة، ولذلك سُميّ بيوم الحجّ الأكبر؛ إذ إنّ الكثير من أعمال الحجّ تؤدّى في ذلك اليوم، كما أنّ الله شرع لعباده العديد من الأعمال فيه، وحثّهم على فِعْلها وعلى التقرّب من الله تعالى بأدائها. كما يُسمّى اليوم العاشر من ذي الحِجّة بيوم النَّحر، وذلك إشارة إلى قصة النبي إبراهيم (ع) المشهورة في نحر ابنه إسماعيل(ع)، ونحن على أعتاب هذا العيد المبارك نلقي نظرة على بعض اللوحات الفنية في هذا المجال.
لوحة "الإختبار الكبير"
محمود فرشجيان هو أحد الفنانين القدامى في بلدنا والذي كان دائماً مهتماً بالجمع بين وجهات النظر الدينية والفنية ونتيجة لذلك، قدّم أعمالا قيمة ذات مواضيع روحية.
نشأ فرشجيان في أسرة متدينة وتشكلت أفكاره على أساس الدين. يقود هذا الجو الفكري فرشجيان إلى أن يكون أكثر حذراً فيما يتعلق بالتصميم واللون والشكل في مثل هذه الأعمال، الأمر الذي يجلب اهتمامه الشخصي أيضاً.
وفي وصف أعمال محمود فرشجيان، يقول الرسام "جليل جوكار": "إنه صانع تركيبات دوارة ومتماسكة.
نرى نوعاً من التعالي ونوعاً من الحركة والميل إلى وحدة العمل. وتظهر هذه الميزة في جميع أعماله الدينية. نحن نواجه نفس الأسلوب في لوحة "الإختبار الكبير".
"الاختبار الكبير" هو اسم أحد أعمال فرشجيان، والذي، وفقاً لأسلوبه المعتاد، مع نظرة مشتركة للفن والدين، يذّكر بحدثٍ مهمٍ في تاريخ المسلمين -
عيد الأضحى.
وإذا دققنا النظر في هذه اللوحة، فسنرى رواية محمود فرشجيان تتجسد في قصة النبي إبراهيم(ع) واختباره العظيم أمام الله.
يمكننا رؤية النبي إبراهيم(ع) أثناء تنفيذ الأمر الإلهي وإسماعيل(ع) أيضاً في حالة إغلاق يديه وعينيه. من جانب واحد وعلى الجانب الآخر من اللوحة يمكن رؤية الملائكة الإلهيين، الذين تم تصويرهم بشكل موضوعي، ومن خلال نقل رسالة إلهية إلى النبي إبراهيم(ع)، يطلبون منه التوقف عن التضحية بابنه. إن رقة هذه الألوان وغلبة اللون الأبيض (علامة النقاء) والأخضر والأزرق رمز السلام والدين، تذكرنا بنظرة فرشجيان الروحية في رسم اللوحات.
تعتبر لوحة تضحية إسماعيل(ع) إحدى روائع الأستاذ فرشجيان، والتي بالإضافة إلى جمالها الساحر الذي يظهر مهارة قلم المعلم، فهي أيضاً مهمة من الناحية الروحية.
في يوم عيد الأضحى عام 1997 م، أمسك الأستاذ القلم ورسم بقلب مليئ بالحب هذه الصورة الجميلة، وهي الصورة التي تم الانتهاء منها أخيراً بعد 7 أشهر من العمل المتواصل، وتختلط الألوان والأنماط بشكل جميل وفني بحيث تنال اللغة إعجاب كل مشاهد.
تصف هذه الألوان المذهلة وهذه الصورة والدور الرائعين حدثاً يعرفه معظم الناس. وصف الاختبار العظيم لرجل عظيم، والاختبار الصعب لأب عجوز كان ينتظر طفلاً منذ سنوات، والبشرى التي يبشر بها الله إبراهيم(ع) في
القرآن الكريم.
لوحة "رمي الجمرة"
أما اللوحة الأخرى التي قام برسمها الأستاذ فرشجيان هي لوحة "رمي الجمرة"، والأبعاد: 58 × 83 سم، وتُحفظ الآن في متحف العتبة الرضوية المقدسة.
ومن مناسك الحج التي تقام في ثلاثة مواضع بين مكة ومنى، والمعروفة باسم "رمي الجمرة"، رمي 21 قطعة من الحجر أو الحصى تجاه رموز الشيطان الثلاثة، وقد أصبح أساس الخلق من الأعمال الفنية العديدة التي أبدعها الفنانون بإخلاص وحب، ومن أهم هذه الأعمال لوحة الأستاذ محمود فرشجيان بعنوان "رمي الجمرة".
في هذه اللوحة يظهر النبي إبراهيم(ع) بألوان لافتة للنظر وهو يحمل ابنه إسماعيل(ع) ويرمي الشيطان بالحجارة.
رسم الأستاذ فرشجيان هذه اللوحة الرائعة عام 2006 بأسلوب الرسم بأبعاد 58 × 83 سم، مصنوعة من الورق المقوى الخالي من الأحماض وبتقنية الأكريليك.
تم استخدام تركيبات لونية مختلفة في تكوين هذا العمل وشكله، أهمها استخدام الألوان الخضراء كرمز للقداسة واستخدام الألوان الثانوية الخضراء لخلق مزاج حديث.
وفي خلفية الصورة يمكن رؤية شجرة ونبات وجبل متصل بالسحابة وأمامها المكان الذي يتواجد فيه الشيطان المفترض وحسب آيات القرآن الكريم أن الشيطان خُلق من نار، ويمكن ملاحظة الألوان النارية أن هذا التباين قد اتبع الألوان لملاءمة الموضوع
والمفهوم.
لوحة "إسماعيل في المذبح" مثال فريد للرسم الجداري
تعتبر لوحة "إسماعيل في المذبح" مثالاً فريداً للرسم الجداري في مدينة كاشان.وهي من أعمال أحد عباقرة رسم العصر القاجاري اسمه عبد الوهاب الغفاري، والتي تم تنفيذها في منزل حكيم باشي التاريخي، وتظهر قصة إسماعيل (ع) في المذبح أو ذبح إسماعيل(ع).
ومن مميزات هذه اللوحة تنوع التصاميم والألوان، حيث يبدو أن الفنان اهتم بأعمال فنانين آخرين في تنفيذ العمل، وأخيراً صورت هذه القصة بطريقة إيرانية بالكامل، وطريقة الملابس وتكوين العمل المكاني إيراني بالكامل وهو يلهم ويشد المشاهد، وهو على نموذج رسم تمبرا، الذي هو أسلوب في فن الرسم يستخدم فيه الفنانون صفار البيض أو نوع من الغراء الطبيعي لغراء اللون.
وهناك لوحات فنية أخرى كثيرة في هذا المجال منذ القدم حتى اليوم، وهذا يدل على أن الإيرانيين منذ القدم قاموا بتصوير المناسبات الدينية في لوحاتهم، وفي كل عصر نشهد بصمة في هذا المجال.