الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وخمسمائة وتسعة عشر - ١٠ يونيو ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وخمسمائة وتسعة عشر - ١٠ يونيو ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

مُقاومٌ يُداوي النّاس رغم الجراح

وتبقى القبلة القدس مهما كبرت المعاناة

الوفاق/ خاص

د. رُلى فرحات

المقاومة، مفهوم إنساني، له أخلاقياته وضوابطه وقوانينه وروابطه وثقافته وأدبياته. وهي حق مشروع أقرّه المجتمع الدولي. وقد كفلت الأعراف والمواثيق والقوانين لجميع الشعوب بحقّها في الحريّة التامة بدون قيد أو شرط، وبتقرير مصيرها، وبمقاومة الإحتلال والإستعمار والفساد والقهر والإغتصاب والإسترقاق والإستعباد، وجميع أشكال التمييز العنصري. وعليه، فإنّ مقاومة الإحتلال الصّهيوني، هي حق مشروع، يستند إلى مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، والقرارات الأممية، ومبادئ القانون الدولي.
وتختلف الأساليب التي تتبعها الشّعوب في التّعبير عن إحتجاجها وإستيائها ورفضها لمن يحتل أراضيها بين إستخدام السّلاح والعصيان المدني أو المقاومة السّلميّة. ومن أشهر أساليب المقاومة السّلميّة التي استندت على العصيان كانت مقاومة المهاتما غاندي للاستعمار البريطاني في الهند وذلك بالإمتناع عن شراء البضائع البريطانيّة والتوقف عن العمل وإحداث شلل تام بالاقتصاد في البلاد. كما ويُمكن وصف إضراب عام 1936 في دولة فلسطين بصورة من صور العصيان المدني. وكذلك تُعتبر الإنتفاضة الأولى في فلسطين أو كما عُرفت بثورة أطفال الحجارة والتي اندلعت في 8 ديسيمبر / كانون الأول عام 1987 شكلاً من أشكال هذه المقاومة السلميّة التي امتدت إلى ما يقرب من 6 سنوات، حيث كان الأطفال يرشقون الدبابات الصهيونيّة والآلات العسكريّة بالحجارة.
د. الكحلوت يصور لحظة في مشهديّة الحدث
إليكم قصّة مقاومٍ يُقاوم بالكلمة وينشر بيننا مقالات تخفقُ بالعزّة والأمل وترسمُ التفاؤل على وجوه بائسة، وتشحذُ الأنفسَ بالقوة والبأس. إليكم بعضَ ما نعلمُ عن دكتور سعيد الكحلوت (دكتوراة في علم النفس، أخصائي نفسي، معالج يُتقن مهامه الإنسانيّة، مُرابطٌ في ثغور غزّة) هو واحد من مئات تشابكت أياديهم ليس فقط لخدمة الأهل في غزة، بل سعى للتوعيّة النفسيّة والمجتمعيّة في مجتمعنا العربي سواء كان ذلك حضوريا أو عبر شبكة الإنترنت، فاستضاف العشرات والعشرات من أهل الإختصاص والتخصّص وكل ذلك مجانا...
وبقي إلى ما قبل فقدان التواصل معه منذ أيام، سبّاق للمساعدة في كل مكان نزح إليه قسرا أو هُجر إليه طوعاً، وما أصعب أن تحمل عيالك وتركض في مسير لا تعرف طرقه، ولا تدرك مخاطره، ولا تعي نهايته .... إنّه المجهول !!!
د. سعيد الكحلوت، الكاتب اللبق والقصصي الأنيق، حيث سعى لتصوير كل لحظة في مشهديّة الحدث بقصة قصيرة أو مقالة مقتضبة بدء من النزوح الأول حيث دمر العدو (عدو العلم والثقافة، عدو الإنسانيّة والحريّة...) مكتبته التي تحوي ما يقرب من ثمانمائة كتاب وأكثر.. وقطّع أوصال مركزه "مركز فلسطين للصّدمة" الذّي شرًع أبواه لنشر العلم والتوعيّة النّفسيّة والمجتمعيّة فأضحة ركاماً، كما وحرق مؤلفاته وأبحاثة... ثم سوّى بيته بالأرض وسُحقت لعب أطفاله.. وصولا إلى فقدان الإتصال بوالدته، وهل منكم من لا يعلم ما معنى ذلك؟!! حريق في القلب وشتات في الفكر وإنكسار في الروح... وانتهى به المطاف بخيمة أرضها من تراب وسقفها السماء، يتلحف صغاره المطر ويُدفئهم ضوء القمر في المساء، يستيقظون على شعاعِ شمسٍ دخل خلسة من ثقوب هنا وهناك، من دخانِ القتل والشرذمة والغدر ...
ينتظرون عودته بعد وقوفه لساعات طوال ليأتي إليهم ببضع أرغفة خبز بدموع مَنْ ودّعوا شهداءهم، وبزجاجة ماء منّت عليه بها إحدى الجهات المانحة... حقيقة لأمر مضحك (موتوا ولا يهمكم فنحن سنزودكم بالماء وبالغذاء، .. وأي غذاء هذا المجبول بالدم والمطبوخ بالدخان والممنوح بذل) ليس هذا فحسب بل سهولة وصول المساعدات اللوجستية والمعنوية ومجموعات الدعم الإقليمية والعالمية إلى المقلب الآخر، وأي آخر هذا ؟!! هذا الدخيل الذي يتوسط نسيج متآلف فقط بالعناوين والمصطلحات والمفاهيم التي تختلف معانيها بين خيط وخيط ...
وسيلة مواصلاته التي حملته دهرا من الترحال
أما جزمته، فماذا عسانا أن نقول وقد وصفها الدكتور سعيد بأنها حملته دهرا من الترحال في طرقات النزوح الشاقة، مقدما الشكر والإمتنان لصاحبها الأول الذي اشتراها منه مُستخدمَة منذ أن قدم إلى رفح نازحاً حافياً يتأبط تارة عياله وتارة أخرى يتكىء على كتف شريكة حياته. كذلك معتذرا منها لأنها حملت معه عذابات الطرق البعيدة المحفوفة بالمخاطر، فكم هربت به من إنفجارات تدوي بقربه، وكم قفزت به واحتضنته وجالت به وصالت على مفترقات في المدينة الأكثر ازدحاماً في مجرة مظلمة تحوي كوكب الأرض بأناسه الظالمين الذين لا يأبهون لعرف أو دين، ولا تردعهم نظم وقوانين، ولا يُثنيهم كهل
أو جنين...
وسيلة المواصلات هذه (الجزمة) كم اصطفّت في الطوابير الطويلة لشحن بطارية الجوال، الوسيلة الوحيدة لإتصال دكتور سعيد بالعالم الخارجي وكأنه في كهف من كهوف الظلمات في العصور العابرة، وكم غرقت في مياه الصرف الصحي المتفجرة هنا وهناك فحمت قدماه من نجاسة كل شيء إلا البشر المتآمرين
على الإنسانية.
هذه الجزمة التي استمعت إلى قصص العابرين والمراجعين عنده في العيادة وشاركته كل مفاصل يومياته أثناء بنائه لخيمة تقي عائلته من البرد والمطر والريح والحر، أو أثناء تنقله من نزوح إلى آخر يحمل في كل مرة ما تبقى من أدوات وملابس وفراش.
صمدت وصبرت على كثرة الجراحات والإصابات وآمنت أكثر من البشر في محيطها بقضية الفلسطيني المضطهد منذ ما قبل 1948...
إلى أن أثقلتها الأخبار والخذلان والتّخلي والجروح، فانهارت ولم تعد تقوى على المسير... فأعطاها د. سعيد عهدا بأنه سيحتفظ بها وسيحملها معه عائدا إلى أرضه وستكون بين مقتنيات متحفه، واصفاً:
"أن تقف معك جزمة ويتركك العالم فتلك نعمة لا يقدرها إلا الفلسطيني الوحيد، فلا تتعجبوا يا إخوتي من المكانة التي تبوأتها جزمتي الغالية بالوفاء والإخلاص."
لبئس حياة يطوف عار جار بأساتذة علم وبمسارات نجاح ويتألق فيها كل خسيس لا يأبه بعرض أو بأرض، يطمح لبطن ملئ وجيب تشغله حفنة من دولار وبيت فيه من مقومات الجمال ما يرغب به....
القصّة بإختصار منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول هي لقتل الروح الفلسطينيّة المقاومة وللقضاء على إيمان الأمهات بما أنجبت بطونهنّ.. والصهيونية العالمية بكل ألوانها وطوائفها ومذاهبها وجنسياتها لا تعرف بأن المواطن الفلسطيني هو مؤمن لدرجة تفوق قدرة هذه الصهيونية على استيعابها، فحقيقة من يفهم إيمانه هو ذلك الذي يشاركه بكل ما مر به ويمر كاللبناني بشكل عام والجنوبي بشكل خاص الذي يعيش حالة من الترقب بينما ينتشل شهدائه وجرحاه من بين الركام.
إن دمرت له بيته، جنى عمره، الذي يحوي بين جدرانه ذكريات حياة بناها أصحابه بحب وسلام، شكر ربه على كثير نعمه، (يروح البيت المهم العائلة بخير)
وإن سقط له شهيدٌ رفع يديه للسّماء وقال: هم السابقون ونحن اللاحقون وتبقى القبلة القدس، مهما كبرت المعاناة ومهما تألم وبكى ومهما جاع وعطش وكيفما هُجر وأينما غفا.. كلها كُرمى لعيون القدس التي يأبى أن يكون بينه وبينها إلا الروح، وكله يهون على طريق القدس في سبيل تحريرها.
سلام على القدس ومن فيها
سلام على من يحمي قوافيها
سلام على المنتظر في أراضيها
ليقيم الحق وعدله ويعود عز ماضيها
مقاومون لا نخاف الموت عند نواصيها
ونحن فداء ليخفق العلم فوق روابيه

 

البحث
الأرشيف التاريخي