مستوطنات الشمال ودومينو الانهيار
ليلى عماشا
كاتبة ومحللة سياسية
من على الحافّة الجنوبية، حيث مسّت الاعتداءات الصهيونية القرى والبيوت وما مسّت النفوس المقاوِمة، يحلو النظر إلى الشمال الفلسطيني، ومشاهدة أشباح المستوطنات التي لطالما صوّرها المتصهينون "المحليون" كمدن وبلدات نموذجية وقارنوها بمشاهد من الأزمات التي تعصف بقرانا، مرتكزين على انبهارهم الفوقيّ الدائم بكلّ ما هو صهيوني.
تلك البيوت والوحدات السكنية المركبة أو المبنيّة على الأرض المحتلة، والتي ظنّها المستوطنون سكنًا لهم، خلت منهم بعد أن تهجّروا منها هربًا من صواريخ المقاومة ومسيّراتها، فقد أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بأنّ عدد المستوطنين النازحين في شمال "إسرائيل" (فلسطين المحتلة) نتيجة ضربات حزب الله أكثر من 230 ألف مستوطن. وبذلك، صارت هذه الوحدات ملاذًا للجنود الصهاينة الذين يتمركزون فيها بعيدًا عن مراكزهم العسكرية التي يعرفون أنها في مقدمة بنك أهداف الضربات المباركة. لكن المخابئ لم تصمد، ودخلت دائرة الاستهداف بالمسيّرات الانقضاضية وبالصواريخ المختلفة، مصداق {وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}، وصار الإعلام العبري يتحدّث، رغم التعتيم الذي يحاول الجيش فرضه، عن مئات المنازل المدمّرة والمتضرّرة في المستوطنات، وانتشرت الصور التي تظهر حجم الدمار الحاصل ومعها استطلاعات ودراسات تكشف أنّ "74% من المستوطنين يرفضون العودة للمستوطنات من دون حل أمني يبعد حزب الله عن الحدود، و77% لم يخطر في بالهم أنهم سيضطرّون إلى مغادرة بيوتهم".
وسط كلّ هذا الرعب في الشمال، أعلن بالأمس رئيس مجلس مستوطنة "مرغليوت" إيتان دفيدي انفصال المستوطنة عن حكومة الاحتلال ودعا الجيش إلى مغادرتها: "على "الجيش" سحب قواته. لسنا بحاجة للحماية من حزب الله بل من الحكومة "الإسرائيلية" التي تحطم المستوطنة بقراراتها". وجاء ذلك في سياق فوضى وغضب "شمالي" ما يسمّيه رؤساء المجالس المحلية هناك "إهمال الحكومة" التي تعجز عن حمايتهم من صواريخ حزب الله، ولا تبحث عن حلّ جدّي لمشكلتهم. وكان قد سبق هذا القرار عدّة اعتصامات وافتتاح أول مخيّم للاجئين "الإسرائيليين"
في الجليل.
هذا المشهد الذي يجري تجاهله في الكثير من الاعلام العربي المنشغل بعرض كلّ ما يعظّم القدرة الصهيونية ويقلّل من قدرات المقاومة، هو مشهد أساسي من الحرب لكلّ من يحاول رؤية حقيقة ما يجري بموضوعية: رقعة الاستيطان المؤلفة من أحجار يتكئ بعضها على بعض كما أحجار الدومينو، بدأت تتهاوى، ومن يحاول غض الأبصار عن مشهد الانهيار هذا، مهزوم أو عميل!