في ظل دعمه للكيان الصهيوني
كيف أثر موقف حزب العمال البريطاني تجاه حرب غزة على قاعدته الشعبية؟
الوفاق/ في أعقاب الانتخابات المحلية الأخيرة في المملكة المتحدة، برزت قضية أهمية الصوت المسلم كعامل محوري في توجهات الناخبين. لعقود من الزمان، كانت الجالية المسلمة في بريطانيا تُعتبر من الداعمين التقليديين لحزب العمال، إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة كشفت عن تحول جذري في ولاءات هذه الشريحة الهامة من الناخبين.
في ظل الاستياء المتزايد من سياسة حزب العمال تجاه القضية الفلسطينية ودعمه المتواصل للکیان الصهیوني، بدأت الجالية المسلمة في البحث عن خيارات بديلة تمثل مصالحها وقيمها بشكل أفضل. هذا التحول الكبير في الموقف السياسي للمسلمين البريطانيين يلقي الضوء على قوتهم المتنامية كقوة انتخابية لا يمكن تجاهلها.
ماهي الدوافع وراء هذا التغيير الجذري، و تداعياته على المشهد السياسي البريطاني بشكل عام. و ما هي التحديات والفرص التي تواجه الأحزاب السياسية في محاولتها لكسب ثقة وأصوات الناخبين المسلمين مستقبلاً.
حزب العمال يفقد دعم المسلمين
منذ أكتوبر من العام الماضي، أطلقت إشارات تحذيرية مع صيحات المسؤولين المحليين بأن حزب العمال البريطاني يفقد دعم الجالية المسلمة في المملكة المتحدة بوتيرة متسارعة.فقد أصبح المسؤولون المحليون وأعضاء الحزب متزايدي الإحباط من دعم حزب العمال للكيان الصهيوني، مما دفعهم للانشقاق عنه.
و بدلاً من التوقف والتأمل أو تغيير موقف الحزب، واصل حزب العمال دعمه للكيان الصهيوني، حيث ظهرت تصريحات من بعض المسؤولين في الحزب، أقل مايقال عنها بأنها معيبة.
أصوات مؤثرة
لقد كانت هذه المواقف المتهاونة من قيادة الحزب تجاه المسلمين وأهمية أصواتهم ثابتة على مدار الستة أشهر الماضية. وأثبتت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، إلى جانب انتخابات روتشديل الفرعية، أن حزب العمال ليس فقط قلل من شأن قوة الصوت المسلم، ولكنه سلط الضوء أيضاً على حقيقة أن الناخبين المسلمين أصبحوا حريصين وقادرين على إيجاد خيارات بديلة للأحزاب التقليدية.
ففي دائرة إلسويك بنيوكاسل، والتي يشكل المسلمون فيها 39 بالمائة من السكان، فاز حزب الخضر بانتقال 36 بالمائة من أصوات حزب العمال إليه.وفي أولدهام وكيركليس، خسر حزب العمال السيطرة على المجالس البلدية مع فوز المرشحين المستقلين والخضر بمقاعد. ووفقاً لشبكة سكاي نيوز، شهدت المناطق التي يشكل المسلمون فيها 20 بالمائة أو أكثر من السكان تحولاً ملحوظاً في الديناميكيات السياسية. وأثبتت انتخابات رئاسة البلديات أن المرشحين الذين كانوا متسقين في دعم وقف إطلاق النار في غزة حافظوا على دعم الجالية المسلمة، حيث فاز كل من أندي بيرنهام وصدِيق خان بسهولة.
أما في الوسط الغربي، ففاز مرشح العمال ريتشارد باركر بأغلبية ضئيلة جداً بلغت 1,508 صوت (0.25 بالمائة) فقط، على الرغم من الانخفاض الكبير في أصوات المرشح المحافظ أندي ستريت. وحصل أحمد يعقوب، الذي ترشح كمستقل، رغم عدم دعوته حتى لمناظرة البي بي سي، على 69,621 صوتاً (11.7 بالمائة) من إجمالي الأصوات.
قوة فاعلة
تتجاوز أهمية الصوت المسلم مجرد الحسابات الانتخابية؛ فهو يجسد الحاجة إلى حكومة تهدف إلى تمثيل احتياجات وقيم المجتمعات المختلفة في جميع أنحاء بريطانيا.و بعد أن تعرضت للتهميش والتمييز تاريخياً، وجدت الجاليات المسلمة في المشاركة السياسية وسيلة لها، مطالبة بالمساءلة وسياسات تعكس مصالحها المتنوعة.
من خلال التعبئة حول القيم والأهداف المشتركة، برز الناخبون المسلمون كقوة فاعلة في السياسة البريطانية.تسعى حملة "الصوت المسلم" التي أيدتها رابطة بريطانيا الإسلامية، ومجلس اسكتلندا الإسلامي، ومجلس ويلز الإسلامي، ومنظمة المشاركة والتنمية الإسلامية (ميند)، وغيرها من منظمات المجتمع المدني الإسلامية، إلى استخدام قوة ونفوذ الناخب المسلم لخلق مجتمع أكثر عدلاً في المملكة المتحدة والخارج.من سياسة خارجية عادلة تسعى إلى محاسبة الكيان الصهيوني على أفعاله، إلى حماية الحريات المدنية، إلى زيادة التمويل والاستثمار للخدمات الصحية الوطنية والمجتمعات الأكثر فقراً في المملكة المتحدة..
تظهر نتائج الانتخابات المحلية لعام 2024، بأن الصوت المسلم ذو أهمية بالغة في المملكة المتحدة، ففي المشهد المتطور للسياسة البريطانية، يشهد الصوت المسلم في الانتخابات الأخيرة على حقيقة أن المسلمين ما زالوا منخرطين في العملية الديمقراطية كالمعتاد،و الرسالة واضحة، لم يعد بإمكان حزب العمال أن يأخذ أصوات المسلمين كأمر مسلم به في الانتخابات العامة المقبلة. وقد فعل أولئك النواب الذين تجرأوا على اتخاذ موقف والدفاع عن حقوق الفلسطينيين الشيء الصحيح، من الناحيتين الأخلاقية والسياسية.
فرصة أخرى
أصدرت مجموعة من منظمات الدفاع عن المسلمين مجموعة من 18 "مطلبًا" لحزب العمال المعارض في المملكة المتحدة لاستعادة دعم المجتمع المسلم.
يتصدر حزب العمال استطلاعات الرأي قبل الانتخابات العامة البريطانية المقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام، لكن تراجع دعم المسلمين له بسبب موقفه من العدوان الصهيوني على غزة كلفه مقعدًا برلمانيًا خلال انتخابات فرعية أجريت مؤخرًا وعدة مقاعد في المجالس المحلية في الانتخابات المحلية كما ذكرنا.
و جاء في مبادرة "صوت المسلم" (TMV) المدعومة من عشرات المنظمات الإسلامية في المملكة المتحدة، قائمة بالطرق التي يمكن لحزب العمال من خلالها استعادة الدعم بين المسلمين. تتعلق أهم مطالبها بالقضية الفلسطينية، وتشمل دعوة زعيم حزب العمال كير ستارمر إلى الاعتذار عن دعمه السابق للإجراءات الصهيونية، ودعم فرض عقوبات على الشركات العاملة في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، ودعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.تشمل المطالب الأخرى فرض حظر سفر على الصهاينة المتورطين في الحرب، وإنهاء الروابط مع "جيش" العدو الصهيوني.