رحلة التطور إلى تبريز
في اليوم الذي أصبح فيه الجرار إيرانياً
الوفاق / خاص
حميد رضا ميري
سرت خلفه في السيارة، كانت سمعته جيدة لدرجة أنك لا تتلكأ في الذهاب من تبريز إلى ارومية للقائه، وبعد ربع ساعة من السير توقف بجانب الطريق أمام مطعم كان هناك. ذكرني ذلك المكان بأجواء جالوس، فنزلنا وصافحته مجدداً لكن هذه المرة كانت أكثر حرارة. وقد مازحني بلهجته التركية.
- يسألونني لماذا أتيت وأياك؟ فقلت إني ألعب دور المترجم.
- أصحيح أنك لا تعرف التركية؟
نظر إلي وكـأنني قد أتيت من كوكب آخر!
ومع كل ما يملك من خلفيات ومعرفة لابد أنه يبلغ على الأقل ستين عاماً، ولكن كان يسير أمامنا بخفة بالرغم من وزنه حتى أني أردت أن أقول له لتسير بشكل أبطأ، فالحياة لن تنتهي هنا. وكان المطعم قريباً من الجبل بشكل كبير، فذهب وجلس على طاولة في المكان المفتوح خارج المطعم، وعندما سمع أصوات اصطكاك أسناننا قال يبدو هذا المكان أهدأ وأدفأ ولكن لندخل، ونجلس بجانب المدفأة، وعندما دفئنا بدأنا حديثنا.
كان اسم المهندس عرب باغي اسماً تذكرته بمحض ذهابي إلى السيد أسدزاده، وقال السيد أسد زاده إنه إذا لم تخلق شركة صناعة الجرارات، التي تلبي اليوم أكثر من 90٪ من احتياجات المزارعين المحليين، أي نوع من الاحتكار لوقف الواردات على عكس مصنعي السيارات المحليين، فقد وصلت إلى يومنا هذا وتغير اسمها من شركة تبريز لصناعة الجرارات إلى شركة ايران لصناعة الجرارات.
وبصراحة فقد كان يهول الأمر لدرجة أنني قلقت من أن أراه فلا يكون على قدر من الجودة كما وصفه فأصاب بالخيبة، ولكني لم أكترث لشئ وقلت في نفسي إنني قد أتيت إلى هنا ولم أعود دون أن ألتقي السيد عرب باغي.
- ماذا تودون أن تأكلوا؟
قدم لي المهندس قائمة الطعام، وكانت مكتوبة بثلاث لغات الفارسية والانجليزية والتركية، وكان من عادتي أن أجرب أطعمة مختلفة وجديدة أثناء السفر.
- هل تقوم باختيار طعام أم أنك محتار في اختيار تخصص دراسي؟
- إني أبحث عن شئ مختلف.
فأخذ القائمة من يدي وقلب صفحاتها، ثم أشار بإصبعه إلى طعام "بيده"
- هل جربت هذا الطعام سابقاً؟
- لا ولكني أحب أن اجربه.
- أنت عادة تشرب الشاي؟
- عادة لا؛ ولكن يبدو أن علي أن أغير من عادتي في هذا المكان.
- أحسنت، أحضر لنا ثلاثة أكواب شاي
- هل نبدأ؟
- كما تريدون!
اسمي هو عرب باغي، تخرجت من جامعة العلوم والتكنولوجيا في 17 حزيران 1971 وفي يوم 28 حزيران من نفس العام كنت أتصبب عرقاً أثناء عملي في مصنع صهر الحديد في اصفهان، لم أعتد أن أجلس بدون عمل، والرجال الذين في سني الآن ماذا يعملون؟
كانت ضحكاته عالية لدرجة أن من يسمعه لايعرف ما إذا كانت هذه الضحكات حقيقية أم أنه يتصنعها.
- لابد أنهم يذهبون للحديقة ويجتمعون ويتبادلون أحاديث العجّز. لقد ذهبت إحدى المرات منذ زمن إلى إحدى تلك الحدائق، لم أخبر أحداً من أنا وماذا أعمل، فقط قلت أنني خرجت للتقاعد مؤخراً وبدأت أمل من البيت، فرحبوا بي أحر ترحيب و دعوني للجلوس بجانبهم. لم تمض نصف ساعة حتى بدأت أشعر بالملل. فقلت لهم كيف يمكنكم تحمل هذا الوضع؟ ألا ترغبون حقاً بالعمل مجدداً؟
يتبع...