أدب المقاومة الفلسطينية.. روایة «أمي وشجرة الزيتون» أنموذج
الوفاق/ خاص
حاتم عبد الهادي السيد
عضو اتحاد كتّاب مصر
تمثل القضية الفلسطينية معيناً لا ينضب للإبداع، حيث المقاومة وصمود الإرادة الفلسطينية تجاه المستعمر الصهيوني الغاصب للأرض والحرية والأحلام والحياة، وتبدو المبدعة "دنيا الأمل اسماعيل حسونة" في قصّتها "أمي وشجرة الزيتون" تستنطق الجماد والسكون في نفوس العرب والمسلمين تجاه ما يحدث في غزة وفلسطين، وتجاه الذات الإنسانية في مقاومة الظلم وجبروت الآلة العسكرية، حيث تكشف القصة عن حياة أسرة فلسطينية، أو إحدى القرى التي تعيش بين بيارات الزيتون والليمون والبرتقال، ونجد الأب والأم يشتغلان بالزراعة لتوفير القوت للأطفال، إلّا أن جبروت المحتل لا يستكين ليسلب الأسرة أرضها ويقتلع الأشجار والحرث ليبني مستوطناته الكريهة فوق جثث الفلسطينيين الأبرياء، غير مهتم بصراخ الأطفال، ولا بأصوات العجائز، ولا بأحلام البسطاء في الحياة، والعيش على الحافة في سلام مع الذات، لتبدأ المقاومة الرافضة لكل ظلم وعدوان، وقد أفلحت الإرادة هنا في حماية زيتونة الأم التي تعتبرها احد أولادها، في إشارة منها لإرتباط والتصاق المواطن الفلسطيني بالأرض، والهوية التي يريد المحتل العبري الصهيوني محوها، لكن الإرادة والمقاومة والجود بالحياة من أجل الأوطان، كانت سمة الشخوص، لتتجسد المقاومة في أبدع صورها، دون زيّف أو رتوش، وهي الصورة التي عليها الفلسطينيون الآن.
كما تصور القصة أسطورة "المارد الفلسطيني" وصموده، وعدم خوفه من الموت، وتصديه للآلة العسكرية الصهيونية، بجسده، وروحه، وتلك لعمري شجاعة رأيناها – وعرفها العالم – وجسّدتها صورة الأم التي التصقت بشجرتها دون خوف من دبابات المحتل ومجنزرات الموت، لتقدم للعالم الأنموذج الحر للمرأة الفلسطينية: الأم الحانية، والمكافحة العاملة التي تشارك الرجل في أعباء الحياة، كما تقدم نموذج المناضلة القوية التي تجابه الموت من أجل أن تحيا الأجيال القادمة، ومن أجل الوطن وحريته،كما تشير القصة إلى روح المقاومة الجماعية من قبل كل السكان: رجالاً وشيوخاً وأطفالاً، فالكل يجابه المحتل بالعصا والحجارة التي ترمز إلى المقاومة في أصدق صورها الإنسانية.
إنها الصرخة، لضمير العالم ليستيقظ، وليدافع عن الإنسان الفلسطيني تجاه وحوش الظلام، وأعداء الحرية والنور، أعداء السلام الذين يريدون اقتلاع أشجار الزيتون، رمز السلام، من أجل محو الهوية الفلسطينية، لكن الرجال الصامدون هناك وكل من يعيش على الأرض الطاهرة هو مشروع مقاوم ومناضل من أجل أن ترفرف رايات السلام فوق أرض السلام، أرض القدس، أرض فلسطين السامقة النبيلة.
ولعلنا ندرك جماليات السرد القصصي في تنامي الأحداث وتسلسلها في هارموني يشي بروعة كاتبة تغزل من صوف المفردات رداء الحرية والنور لتجابه خفافيش الظلام بالقلم، وحبر الدم النازف من دم الأطفال الذين يلقون بحجارتهم الصغيرة أمام قصف الطائرات، ودوي المجنزرات وأصوات الرصاص الغاشم.
لقد نجحت "دنيا الأمل اسماعيل" في تجسيد المقاومة الفلسطينية من خلال قصتها المهيبة والتي جاء سردها سلسلاً شيقاً ينتقل بالقارىء من حدث إلى حدث، فكأننا أمام مصورة تلتقط بكاميرتها صوراً للمقاومة الفلسطينية السامقة، أو مبدعة ترسم بريشة السحر صور النضال الفلسطيني الشاهقة.
لقد أبدعت الكاتبة في رسم الشخوص وسرد المواقف عبر جماليات الصورة التي تجسدها، وإن كانت الصورة تراجيدية الا أنها استطاعة بمهارة عارفة بالتفاصيل أن تصور الأحداث بعمق يجعلنا نقف أمام قصتها لنستنطق الجمال الرائع، ولنذرف معها الدموع على مشاهد الظلم والوحشية تجاه المواطنين الفلسطينيين العزّل الأبرياء، كما نثمّن لها الإنتقالات البديعة للأحداث في سلاسة ويسر وانتقال بديع عبر المكان والزمان في فلسطين المحتلة، أرض العرب والمسلمين المغتصبة التي ننظر لها بحسرة نتيجة عجز الحكام والسلاطين والملوك العرب، وتلك جريمة لن تغتفر في حق شعب يحاول المحتل محوه من الوجود، لكنه يثبت كل يوم شجاعته ونضاله الباسل العظيم.
ان المكان هنا وإن انحسر "عبر أسرة تسكن بجوار بيارات الزيتون والليمون والبرتقال" إلا أنه اتسع بفعل السرد الشاهق للكاتبة ليطال القضية الفلسطينية كلها، وتلك لعمري خصيصة عارفة بتفاصيل الكتابة، ولم لا والمعاناة تصنع الإبداع، فما بالنا بمن تعيش وسط المجنزرات ودوي الطائرات وأهوال آلات الحرب المدمرة!!.
هذا وتأتي النهاية الرائعة لتدلل إلى بقاء المقاومة واستمرارها كما جاء على لسان الأم الملتصقة بشجرة الزيتون/الأرض: "نحن الباقون"، ونحن – هنا – تشير إلى الوطن الذي يعني الأرض والإنسان والمقاومة.
ستظل فلسطين رمزاً للعزة، وسيظل الفلسطينيون رمزاً للمقاومة بإرادتهم الصلبة التي لا تنكسر ولا تنهزم لتتحقق مقولة الأم: نحن الباقون.
لقد أجادت "دنيا الأمل اسماعيل" في وصف الحالة الفلسطينية لتضع العالم كله أمام ذلك الملف المهيب فلربما تتحرك ارادة، ولربما ينطق حجر، وإن كان قد أنطقه الفلسطينيون بمقاومتهم وحجارتهم، والدماء الطاهرة التي تشهد كل يوم تلك الملحمة الباسلة، الرائعة، العظيمة، والسامقة أيضاً.