شعور بالإيجابيّة تجاه أنفسنا
معرفة الذّات وتقديرها سمة مقاومة
الوفاق/ خاص
د. رُلى فرحات
مفهوم الذات لغة وإصطلاحاً
الذات من الناحية اللغوية تعني النّفس أو العين فقولنا ذات الشيء معناه نفسه وعينه. من النّاحية الإصطلاحيّة: الذّات هي النّفس أو الشخص. ومن النّاحية الفلسفيّة فهي الجوهر الثّابت القائم بذاته والذي لا يتغير على الرغم مما يلحق به من تغير مثل الصّحة والمرض والغنى والفقر والصبا والهرم، كما تعني الذات الماهيّة المعبرة عن حقيقة الموضوع أو الشيء، مثل قولنا ماهيّة الإنسان معناها حقيقته وجوهره الذي يميّزه عن غيره من الموجودات الأخرى مثل خاصية التّفكير او العقلانيّة.
معرفة الذات
قال سقراط: «إنّ أسعد ما يكون عليه الإنسان، هو عندما يدرك أنّه يعرف نفسه جيِّداً، وأتعس ما يكون عليه هو عندما يعرف أنّه لا يعرف نفسه جيِّداً».
ومعرفة الذات هو مصطلح يُستخدم في علم النفس وأحياناً أيضاً في الفلسفة لوصف المعلومات التي يمتلكها الشخص عن نفسه من سلبيات وإيجابيات ونقاط ضعف ونقاط قوة، مدركا شخصيته الحقيقة بكل ما تحتويه من مشاعر ورغبات وتطلعات وقيم وعقائد.
لذلك علينا أن نسأل أنفسنا بصورة دورية عن هدفنا في الحياة وكيف نسعى لتحقيق ذلك، وما هو التصور الذي نرسمه عن نفسنا وكذلك ما هي الدوافع وراء تحقيق تلك الأهداف التي من خلالها يكون تحقيق الذات بغض النظر إن كانت أهداف قريبة أو بعيدة المدى.
ما هو هدف حياتك وما هي الغاية التي تسعى من أجلها؟
وعليه فمعرفة الذات هي الحافز أو القوة التي يحتاجها الشخص لمعرفة قيمة نفسه أمامه وامام الآخرين وهي التي تساعده على مواجهة المشكلات وإيجاد حلول للعقبات.
معرفة الذات تزود الفرد برعاية نفسيّة وعقليّة وروحانيّة خاّصة به وتنعكس نتائجها على صحة جسده وأفكاره وتطلعاته وتزيد من مقياس أهدافه وطموحاته وهي إشارة فعليه للصحة النفسية.
تقدير الذات
مصطلح شائع الإستخدام والكثير يسأل: كيف أعلم أنّي أُقدّر ذاتي؟
ببساطة تقدير الذات هو ما يعتقده الشخص عن نفسه، وشعوره بالإحترام والتّقدير والقيمة والكفاءة. هو تقييم الفرد لنفسه ولقناعاته حول نفسه (أنا أستطيع، أنا قوي...) ومعرفة الحالات الشعوريّة والأحاسيس الإنفعاليّة الحقيقية (الخجل، اليأس، النصر، الفخر، الضعف..).
حين تعرف نفسك (معرفة الذات) بموضوعية، يساعدك ذلك على التعرف على الأفكار والمعتقدات والسلوكيات التي تُخفض مستوى إحترامك لذاتك وتقلل من ثقتك بنفسك هذا بدوره يفتح لك المجال لتغيير نظرتك إلى ذاتك من خلال التقييم والتقويم الصحيحين.
هذا سيساعدك على تقدير ذاتك أكثر وكلما إزداد هذا التقدير كلما زادت معه الثقة بالنفس وزاد الشعور بالأمان وبالإطمئنان واختلجك السلام الداخلي، وبعدت عن المقارنات الواهيّة والخاطئة بينك وبين غيرك والذي بحد ذاته يسبب لك آلاما جسيمة تُفقدك الثقة بنفسك وتصور لك أن من حولك لا يقدرك ولا يحترمك، فتعيش في دائرة مفرغة.
تقدير الذات يؤدي إلى الشعور بالإيجابيّة تجاه أنفسنا وحول حياتنا بشكل عام، ويجعلنا أكثر مرونة وتكيّف تجاه التغّيرات والظروف والضغوطات، فنصبح أكثر قدرة على التعامل مع التقلبات ومع حالات الصعود والهبوط في حياتنا، وهذا يؤثر في مسار خياراتنا وقراراتنا.
والسؤال: كيف تصنع صورة إيجابية لذاتك وتعززها؟
التدريب على ضبط النفس وضبط الإنفعالات وتقويمها أي سرعة تحويل المشاعر السلبيّة إلى إيجابيّة. كذلك الإستمرار في السعي نحو تحقيق الأهداف والمثابرة في سبيل ذلك مهما كان هناك من عقبات، فالاستسلام هو خنوع الذات ومدفنها. ولا ننسى مكافاة الذات عند كل إنجاز.
تذكر: الإنجازات أنت تصنعها، فلا تقوم بها فقط من أجل أن تنال تصفيق الآخرين!
وما هي العلامات التي تدلُّ على تقدير الذات؟
القدرة على رؤية نقاط القوة ونقاط الضعف الذاتّية ومصارحة النفس بها لا مواربتها. الرؤيّة الإيجابية للأمور وعدم السّماح للتجارب السلبيّة بالتأثير على نظرتنا إلى أنفسنا، بل أخذ العبر منها والخبرات الضروريّة لمواجهة ولمعالجة أمور مشابهة في المستقبل.
ولا ننسى فن قول "لا" فهو مقياس للثقة ولتقدير الذات!
وعليه، تكمن أهميّة تقدير الذات في حياتنا بشكل عام لما له من تأثير في جميع جوانبها، فهو يؤثر في قدرة الشخص على التأثير في الآخرين، وفي طريقة التفاعل معهم، فهو من أهم الصفات عند القادة والمؤثرين في الناس. كذلك له تأثير في الأداء بالعمل وفي العلاقات الشخصيّة إذ كلما زاد حبك واحترامك لذاتك زاد حبك للآخرين واحترامك لهم والعكس، إذ أن هناك علاقة طرديّة بين حب وإحترام المرء وتقديره لذاته وأثر ذلك في تقديره وفي احترامه للآخرين وفي قدرته على إقامة علاقات قويّة معهم قائمة على العطاء والتعاون والود.
وأخيرا وليس آخرا، لتقدير الذات تأثيرٌ وثيقٌ في الصّحة النفسيّة، فالإنسان الذي يقدر ذاته يكون أكثر أداء وحكمة وذكاء فيظهر ذلك في أدائه لأعماله لأنه يعلم جليّا ماذا يريد ويثق بما يريد ويثق بأنه قادر على تحقيق ما يريد. وهو يكون على عكس الشخص الذي لا يقدِّر ذاته فيكون أقل فاعليّة في الأداء ومفعما بالخمول وبالكسل.
فالأشخاص الذين يعرفون ذواتهم ويقدِّرونها يكونون واثقين بأنفسهم إذ يعرفونها عن كثب ويقبلونها بدون قيد أو شرط. ويسعون إلى تحسينها بشكل مستمر ويتحملون المسؤوليّة، ويتمتعون بالقدرة على إقامة علاقات إجتماعيّة وشخصيّة كثيرة ويالفعل حضورهم مؤثر ولهم لمسة خاصة تُعرف بهم. يشعرون بالسلام الداخلي ومتصالحين مع أنفسهم وبالفعل هم جديرون بالحياة، فتحيّة لهم.
أما الأشخاص الذين لا يقدرون ذواتهم فيسعون دائما إلى ملامة الآخر، ويشعرون بالنقص العاطفي، خجولون، مترددون.
إلى هؤلاء كلمة حق: خذوا القرار المناسب بحق حياتكم فأنتم تعيشون مرة واحدة واجعلوا من أيامكم حياة تستحق أن تعاش!!!