الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعون - ٠٥ فبراير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعون - ٠٥ فبراير ٢٠٢٤ - الصفحة ٦

قرار محكمة العدل الدولية إبتدأ جر‌يئاً وانتهى ناقصاً

علي القزويني
أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها المبدئي في قضية جنوب أفريقيا ضدّ الكيان الصهيوني، حول قيام الكيان الصهيوني بانتهاك اتفاقية "منع إبادة الجنس البشري" الصادرة عام 1951، والتي تشترك فيها كلّ من الكيان الصهيوني وجنوب أفريقيا.
وفي قراءة أولية للحكم الصادر عن المحكمة يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- قبلت المحكمة الاختصاصية في النظر بهذه القضية، وقالت إنه لا يمكن قبول طلب الكيان الصهيوني برفض النظر في القضية. ووجدت أنه يحقّ لجنوب أفريقيا مساءلة الكيان الصهيوني بشأن عدم التزامها باتفاقية منع الإبادة الجماعية، وبالتالي، للمحكمة السلطة في اتخاذ التدابير ضدّ أي ضرر وخطر قائم، ويمكنها إصدار الحكم النهائي. وهذا يعني أن الكيان الصهيوني سيخضع للمحاكمة في القضية وهذه إشارة إيجابية، كونها المرة الأولى في تاريخها. ومنذ أعمال القتل المنهجي منذ 1948 يكون الكيان الصهيوني عرضة للمساءلة أمام القانون الدولي. وهكذا، ونظراً للمحاولات الغربية الدائمة لحماية الكيان الصهيوني، سيكون القانون الدولي والمؤسسات الدولية على المحك، لأنّ الضغوط التي ستتعرّض لها المحكمة وقضاتها ستكون كبيرة لمنع القرار النهائي بتجريم الكيان الصهيوني بارتكاب الإبادة في غزة.
 2- أقرّت المحكمة أن الفلسطينيين هم "جماعة" محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، كما ارتكزت إلى أحاديث رسمية من قبل مسؤولين إسرائيليين تثبت "النية الإسرائيلية" بإبادة الفلسطينيين في غزة.
وهذا الإقرار بأنّ الفلسطينيين "جماعة"، إضافة إلى تأكيد المحكمة "وجود نية إسرائيلية" تثبتها التصاريح الرسمية الإسرائيلية من قبل الرئيس الإسرائيلي ووزراء ومسؤولين إسرائيليين، تكون المحكمة قد قطعت نصف الطريق المطلوب لتجريم الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة في غزة. وكانت المادة الـثانية من اتفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعية، التي تستند إليها المحكمة في قرارها والنظر في القضية اليوم، تعرِّف الإبادة الجماعية على أنها أيّ من الأفعال الآتية المرتكبة بقصد التدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى بدني أو معنوي جسيم بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
(د) فرض تدابير تهدف إلى الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة -عنوة- إلى جماعة أخرى.
وبالنظر إلى ما أوردته رئيسة المحكمة من أعمال قام بها الكيان الصهيوني في غزة، والاقتباسات التي نقلتها عن مسؤولين في الأمم المتحدة والوكالات الدولية، فإن الكيان الصهيوني ارتكبت "عمداً" معظم هذه الأعمال، وكانت لديها "النيّة المسبقة" للقيام بتلك الأعمال "لإهلاك الجماعة كلياً أو جزئياً".هذا القرار وهذه الحيثيات التي أوردتها المحكمة اليوم، تعتبر تاريخية وجريئة، وستكون علامة فارقة ومرتكزاً قانونياً، إذ إنها ستشكّل معياراً لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في القضية الفلسطينية من ناحية المسؤولية الجنائية أن تتخطاها. وسيكون من الصعب على المحكمة الجنائية الدولية (إذا استمرت في القضية ضد إسرائيل) أن تتنكّر للإثباتات التي أوردتها محكمة العدل الدولية.
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "كريم خان" قد زار الكيان الصهيوني وأطلق تصريحات أقلّ ما يقال فيها إنها ساوت الضحية بالجلّاد، وسلّط على ما سمّاه "الارتكابات التي قامت بها حماس والتي تنتهك القانون الدولي الإنساني"، من دون أن يشير بالمثل إلى ما قام به الكيان الصهيوني، مؤكّداً لـ الكيان الصهيوني التزامه مبدأ "التكامل" أي أن المحكمة قد تتذرّع بقيام المحاكم الصهيونية بالنظر في ارتكابات قام بها "الجيش" الصهيوني ليدّعي بعدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.3-أمرت المحكمة في حكمها اليوم، أن تقوم "إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع أعمال الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وأنه يجب تقديم تقرير عنها خلال شهر واحد"، وأنه يتعيّن على الكيان الصهيوني منع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية في القطاع، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وباتخاذ المزيد من الإجراءات لحماية الفلسطينيين.اللافت في القرار أيضاً، أن المحكمة تخاذلت ولم تأمر الكيان الصهيوني بوقف العمليات العسكرية في القطاع (فوراً)، بينما أمرت حماس وباقي المجموعات الفلسطينية بإطلاق سراح الأسرى فوراً.هذا القرار يثبت بما لا يقبل الشك انحياز المحكمة إلى الكيان الصهيوني. ففي حكم صادر من قبل المحكمة في النزاع الروسي الأوكراني، أمرت المحكمة "بضرورة أن تعلّق روسيا العمليات العسكرية في أوكرانيا على الفور". وجاء الحكم ضدّ روسيا رداً على دعوى رفعتها أوكرانيا في 27 شباط/فبراير، متهمة روسيا بالتلاعب بمفهوم الإبادة الجماعية لتبرير عمليتها العسكرية. وخلال إعلان القرار ضد روسيا، قالت رئيسة محكمة العدل الدولية: "في الواقع، إن أية عملية عسكرية، وخاصة على النطاق الذي ينفّذه الاتحاد الروسي على أراضي أوكرانيا، تؤدي حتماً إلى خسائر في الأرواح، وإلحاق أضرار نفسية وجسدية، وإلحاق أضرار بالممتلكات والبيئة."وفي المقارنة بين الحكمين، وبين ما أوردته الرئيسة من حيثيات القرارين، فإنّ الدعوة لروسيا جاءت لوقف العملية (فوراً) لأنها ستؤدي حتماً إلى خسائر في الأرواح، بينما قالت الرئيسة في قضية غزة "إن العدوان الصهيوني تسبب في استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتهجيرهم وجعل غزة مكاناً غير قابل للحياة"، وبالرغم من ذلك فإن القرار لم يطالب الكيان الصهيوني بوقف عدوانها فوراً بل أعطاها مهلة شهر لتقديم دلائلها بأنها لا ترتكب أعمال الإبادة في غزة.
في النتيجة، لم يكن قرار محكمة العدل الدولية على قدر التوقّعات المرجوّة منه، لكنه شكّل سابقة دولية قانونية، وتاريخية تدين الكيان الصهيوني على أعمالها ضد الفلسطينيين، وهو قرار يمكن الاستناد إلى حيثياته للدعاوى ضدّ الكيان الصهيوني في المحكمة الجنائية الدولية، وفي المحاكم الوطنية في الدول التي تتيح قوانينها تطبيق مبدأ "الولاية القضائية العالمية".

البحث
الأرشيف التاريخي