الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون - ٢٤ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وخمسة وثلاثون - ٢٤ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٥

من خلال طريقة تعاطيها معها

كيف تستخدم الصين الأزمات العالمية لمنافسة أميركا؟

الوفاق/ خلال السنة الماضية، وبينما كان العالم مشغولاً في الصراعات الناشئة وغيرها من الكوارث من أوكرانيا إلى دارفور، ومن ناغورني كاراباخ إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يبد الصينيون سخطا كبيرا من عدم الاستقرار الناشئ.
لقد وضعت عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر و ماتلاها من عدوان وحشي للكيان الصهيوني على قطاع غزة ، بكين أمام أزمة أخرى للاستفادة منها ففي حين أن الولايات المتحدة تقوض شرعيتها لدى دول العالم الجنوبي من خلال دعمها للكيان الصهيوني، فقد حرصت الصين على توخي الحذر في رد فعلها على الحرب، مع إيلاء اهتمام كبير للرأي العام في البلدان النامية.
طريقة تعامل الصين مع الفوضى
بينما يسعى الغرب إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم على القوانين مع تغيير بعض عناصره ودعوة المزيد من اللاعبين، ركّز الاستراتيجيون الصينيون بشكل متزايد على مساعدة دول أخرى على تحقيق المزيد من السيادة وحرية المناورة من خلال الحد من الهيمنة الغربية. منذ عملية "طوفان الأقصى"، سعت إدارة بايدن للتوفيق بين دعمها العلني والحازم للكيان الصهيوني و ما تدعيه من ممارسة ضغط خاص على الكيان الصهيوني لجعل عملياته في غزة بشكل أكثر دقة، لفتح المجال أمام تسوية سياسية مع الفلسطينيين. من ناحيتها، استفادت بكين من الدعوة إلى حل الدولتين، والامتناع عن إدانة حماس، والجهود لدعم وقف إطلاق النار، لاستخدام المشاعر المناهضة للكيان الصهيوني في محاولة لتعزيز مكانتها في العالم النامي. لقد حددت الصين استراتيجية أوسع نطاقا هنا وفي قضايا مماثلة: تسخير الصراعات والأزمات العالمية التي أرهقت صانعي السياسات الغربيين. كما توفر كل أزمة عالمية جديدة للصين فرصة أكبر لكسب المزيد من الأنصار في العالم النامي. وتوضح مقارنة رد فعل الصين على حرب غزة مع رد فعلها على الحرب في أوكرانيا هذه النقطة.
بين سياسة الغموض حول الحرب الأوكرانية و الاستجابة الفورية لحرب غزة
عندما بدأت الحرب الروسية الأوكانية في فبراير 2022، استغرق الأمر بعض الوقت حتى تقرر الصين موقفها. ركزت بكين في معظم رسائلها على سيادة أوكرانيا الإقليمية. كما سعت إلى تأكيد قربها من روسيا، مع الاعتراف بـ "المخاوف الأمنية المشروعة" لروسيا، فيما انتقدت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. إلا أن بكين اختارت سياسة الغموض في هذه القضية لتجنب إغضاب أي من الجانبين، على الرغم من أن تنفيذ هذه السياسة كان غير مكتمل إلى حد ما.ومع ذلك، عندما بدأت عملية "طوفان الأقصى"  تمكنت بكين من الرد بسرعة. وبما أنه كان واضحًا أن الرأي العام العالمي معادٍ للكيان الصهيوني بشدة، سارعت الصين إلى اغتنام هذه الأزمة وكشف المعايير المزدوجة للولايات المتحدة. ففي 8 أكتوبر، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانًا دعت فيه إلى وقف إطلاق النار وأكدت على حل الدولتين. و لم تنتقد الصين في بيانها عملية "طوفان الأقصى".وفي أواخر أكتوبر، كتبت صحيفة تشاينا ديلي، التي تخدم مصالح الدولة الصينية، أن الولايات المتحدة وقفت على الجانب الخطأ من التاريخ في غزة. كما انتقد التلفزيون الحكومي الصيني في برنامج منفصل سياسة الولايات المتحدة تجاه الكيان الصهيوني، مشيرًا إلى أن اليهود يشكلون 3٪ فقط من سكان الولايات المتحدة ولكنهم يمتلكون أكثر من 70٪ من ثروتها.كان هذا النهج من وسائل الإعلام المقربة من الدولة في الصين أمراً مرحبا به في العالم النامي، لاسيما أنها واءمت نفسها مع آراء الأغلبية في دول مثل إندونيسيا و السعودية وجنوب إفريقيا،حيث  يمكن للصين أن تقدم نفسها كبديل عن الولايات المتحدة المتشددة والمهيمنة والمنافقة. جسدت هذه الاستراتيجية بالكامل في 20 نوفمبر عندما شارك الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة افتراضية لمجموعة بريكس مع التركيز على الحرب في غزة. ضمت القمة أعضاء بريكس الرئيسيين - البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا - إلى جانب الأعضاء الجدد مؤخرًا الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات. كان هذا الاجتماع محاولة صريحة لتقديم المجموعة كبديل جديد للمنظمات الغربية مثل مجموعة السبع.
استثمار الصين في إظهار الخداع الأمريكي
أولاً وقبل كل شيء، تؤكد الحرب في أوكرانيا وغزة حجة الصين بأن العالم يصبح بشكل متزايد غير منظم. من وجهة نظر بكين، يوضح دعم الولايات المتحدة للهجوم "الإسرائيلي" على غزة أن مزاعمها باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان مجرد واجهة. في حين أدانت الولايات المتحدة بسرعة جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا ومعاملة الصين للأويغور، ظلت صامتة تجاه جرائم الكيان الصهيوني.
من مصلحة الصين عدم تحديد حليف تقليدي
من ناحية أخرى، تتماشى استراتيجية الصين في غزة مع محاولتها الاستفادة من سياسة عدم تحديد حليف تقليدي في المستوى العالمي. في الشرق الأوسط، التزمت الولايات المتحدة منذ حرب عام 1973 بضمان أمن الكيان الصهيوني، وفي المقابل، تتمتع الصين بحرية أكبر في اختيار شركائها في المنطقة، ويمكن القول إنها تتبع نهجًا مرنًا. على سبيل المثال، تشتري الصين النفط من إيران و تتعاون مع السعودية في مجال تكنولوجيا الصواريخ الباليستية، وتنشئ بنى تحتية في سوريا في حين تسعى إلى دمج تركيا في مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها. وبفضل هذه الحرية النسبية، تمكنت الصين من إعطاء الأولوية للجانب العملي في ردها على حرب غزة. على عكس الولايات المتحدة.
شعار الصين: لست مضطرًا لاختيارنا كصديق
وأخيرًا، لا تحاول الصين توحيد هذه الدول في تحالف مناهض للغرب بقيادتها. في حين تتحدث الولايات المتحدة عن كيفية مواءمة الدول الأخرى مع مواقفها واتباع القوانين العالمية، تقدم الصين نفسها كبطل "عالم متعدد الحضارات" وشريك في التنمية والحوكمة. في الواقع، تكمن نقطة القوة في استراتيجية بكين في أنها لا تجبر الدول الأخرى على اختيار جانب في عالم متنوع ومشتت.
وهنا أيضًا تتماشى الصين بشكل وثيق مع الرأي العام العالمي. وفقًا لاستطلاع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في الدول غير الغربية الكبرى الذي أجري في ديسمبر 2022 ويناير 2023، يعتقد أغلبية كبيرة في جميع أنحاء العالم أن بلدانهم لن تضطر أبدًا إلى اختيار جانب بين الصين والولايات المتحدة. على سبيل المثال، يتوقع فقط 14٪ من الهنود أن يكون لديهم عالم ثنائي القطب في غضون 10 سنوات حيث سيضطرون إلى اختيار بين كتلتين بقيادة الصين والولايات المتحدة. وبالتالي، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى مزيد من التوافق مع الدول المعنية، فإن عدم إصرار الصين على تفضيلها على أمريكا سمح لها بأن تصبح شريكًا مفضلاً للاستثمار في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية في العديد من أنحاء العالم.
يعتمد النهج الأميركي و الغربي عموماً على دعم الكيان الصهيوني،و مع ازدياد عمليات القصف الوحشي و الجرائم المرتكبة ،تصبح حجج الغرب لصالح النظام القائم على القوانين في العالم النامي أكثر فراغًا. وفي المستقبل إذا قرر الرئيس الصيني في لحظة مصيرية شن هجوم على تايوان، فسيأمل بالتأكيد أن موقفه بشأن حرب غزة سيخلق احتمالاً أن يقف العالم النامي مع بكين بدلاً من واشنطن.
وبشكل عام، توضح استجابة الصين لحرب غزة كيف أن بكين تتماشى مع الرأي العام العالمي بطريقة لا تستطيع واشنطن مضاهاتها. إن مسار الصين المتمثل في عدم دفع دول العالم النامي لاتخاذ خيار بينها أو بين أمريكا، يجعلها شريكاً مرحباً به للاستثمار والتنمية في المناطق التي ينظر فيها إلى النفوذ الأمريكي على أنه أمر مستفز. وفي المحصلة، من شأن هذا النهج أن يقلل ببطء من القوة الناعمة والمكانة الأخلاقية للولايات المتحدة فيما تواصل الصين بناء نفوذها العالمي.

البحث
الأرشيف التاريخي