في إطار سعيها للإندماج
هل ستتمكن طالبان من اعتماد الدبلوماسية الإقتصادية مع محيطها الإقليمي ؟
الوفاق/ الدبلوماسية الاقتصادية، طرحت بعد الحرب الباردة وأصبحت اليوم واحدة من الأدوات القوية في السياسة الخارجية للدول مقابل الدبلوماسية التقليدية. بعبارة أخرى، تعتمد الدبلوماسية الاقتصادية على تعويض نقاط ضعف الدبلوماسية التقليدية في تحقيق أهداف وضع السياسات الحكومية على الساحة الدولية. أدت ظروف ما بعد الحرب الباردة، إلى أن بدأت بعض الدول تعتمد تدريجياً سياسة خارجية محورها الاقتصاد بدلاً من سياسة خارجية أمنية. في أفغانستان أيضاً، ظهرت فكرة سياسة خارجية محورها الاقتصاد وتعزيز الدبلوماسية الاقتصادية مع دول المنطقة، منذ حوالي عقدين من الزمن، بين نخب أفغانستان.
ارتبطت هذه الفكرة ارتباطاً وثيقاً بمصير أفغانستان، بحيث أن حكومة طالبان حتى كحركة أيديولوجية، لم تتمكن من تجاهلها، وتسعى هذه الحكومة لاعتماد الدبلوماسية الاقتصادية مع دول المنطقة، وتجنب أمننة العلاقات الخارجية مع دول المنطقة. أثبتت تجارب السنوات الماضية أن أمننة الجغرافيا الأفغانية بالنسبة لدول المنطقة المحيطة، يؤدي فعلياً إلى عزل أفغانستان وحرمانها من شبكة التعاون الإقليمي. كما تشير دراسة سياسة حكومة طالبان خلال العامين الماضيين، إلى أن هذه الحكومة ترغب في الاندماج في نماذج التعاون الإقليمي من خلال الدبلوماسية الاقتصادية، وإيجاد مكانة مناسبة لأفغانستان في شبكة التعاون الاقتصادي الإقليمي.
مكانة أفغانستان في مجالات التعاون الإقليمي
من منظور إقليمي واسع، تربط أفغانستان بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا وآسيا الوسطى وشرق آسيا. ولكن على الرغم من هذه الفرصة، ارتبط مصير أفغانستان في النصف قرن الماضي بالعلاقات الأمنية والاقتصادية لمنطقة جنوب آسيا، وخاصة باكستان. مع الغزو السوفيتي وبداية الجهاد الأفغاني، وبعد أن أصبح دور باكستان في قضايا أفغانستان أكثر عمقاً، ربطت باكستان في استراتيجية سياسية كبرى، منافستها مع الهند بأفغانستان. وهكذا، أصبحت أفغانستان منخرطة فعلياً في العلاقات الأمنية لمنطقة جنوب آسيا محورها الهند وباكستان. وبما أن العلاقات في هذه المنطقة الإقليمية بدلاً من أن تكون اقتصادية، أمنية بشدة، لذلك عانت أفغانستان أضراراً خطيرة للغاية من هذه الناحية. لهذا السبب، تأثرت العلاقات الاقتصادية بين أفغانستان وباكستان منذ الماضي حتى الآن بالعوامل السياسية والأمنية، وهذا بالضبط ما جعل الدبلوماسية الاقتصادية بين البلدين غير ناجحة. تحديات الدبلوماسية الاقتصادية لأفغانستان مع باكستان تشير الدراسات إلى أنه منذ ثمانينيات القرن الماضي، بذلت أفغانستان جهوداً لإقناع باكستان بالاستفادة من ظروف وفرص النقل العابر والتجارة الإقليمية خاصة عبر أفغانستان إلى آسيا الوسطى، واعتماد التعاون الاقتصادي على أساس سياسة خارجية اقتصادية مع أفغانستان. كانت أفغانستان تأمل أن تتخلى حكومة باكستان عن وجهات النظر الأمنية السابقة تجاه أفغانستان، وأن تضبط سياستها الخارجية مع أفغانستان على المستوى الكلي الاقتصادي في منطقة جنوب آسيا وآسيا الوسطى. ومع ذلك، أظهرت التطورات خلال العقدين الماضيين بوضوح أن حكومة باكستان لأسباب معينة، لم تتخل عن سياساتها الأمنية تجاه أفغانستان، ولهذا لم يحدث أي تقدم في تنفيذ المشاريع الاقتصادية المشتركة لنقل الطاقة والنقل العابر والتجارة بين آسيا الوسطى وباكستان عبر أفغانستان. العوامل الرئيسية التي أعاقت الدبلوماسية الاقتصادية بين باكستان وحكومات أفغانستان، بما في ذلك حكومة طالبان، هي:
أ. المنافسة الإقليمية لباكستان
تحتاج باكستان ودول آسيا الوسطى بشدة إلى الاتصال ببعضها البعض، وتلعب أفغانستان دور جسر بين هاتين المنطقتين الجغرافيتين. ومع تلك الأهمية، تشير دراسة سلوك باكستان تجاه أفغانستان إلى أنها تسعى جاهدة لمنع أفغانستان من الاتصال بممر النقل العابر لدول آسيا الوسطى، وتبقي أفغانستان معتمدة بطريقة ما على ممر النقل العابر الباكستاني.
ب. استخدام الممر العابر كورقة ضغط
سعت أفغانستان دائمًا إلى تعزيز التعاون العابر مع باكستان، وفي هذا الإطار، حاولت الحكومة السابقة في أفغانستان إبرام اتفاقية جديدة مع باكستان وفقًا للاحتياجات والظروف الحالية. وحلت هذه الاتفاقية الجديدة المسماة أبتا (APTTA) محل اتفاقية التجارة العابرة الأفغانية (ATTA) الموقعة عام 1965. كما تلتزم حكومة طالبان بتنفيذ جميع بنود هذه الاتفاقية. ولكن كما توقعت حكومة طالبان، لم تلتزم باكستان بالتزاماتها، وعلى العكس خلقت العديد من المشكلات للتجار الأفغان. في الأشهر الأخيرة، كلما نشب خلاف بين حكومة طالبان وباكستان، فرضت باكستان عقبات على التجارة والنقل العابر لأفغانستان. وفقًا لآخر تقرير لوزارة التجارة والصناعة في حكومة طالبان، لا تزال كمية كبيرة من البضائع التجارية الأفغانية محتجزة في باكستان. في الأشهر الأخيرة مع تصاعد التوتر السياسي بين حكومة طالبان وباكستان، اتخذت حكومة طالبان استراتيجيتين. أولاً، أعادت تشغيل ممر النقل الجوي بين الهند وأفغانستان لنقل السلع القابلة للتلف مثل الفواكه. ثانيًا، عقدت العزم على التركيز على الممر العابر الأفغانستاني إلى آسيا الوسطى.
حكومة طالبان والدبلوماسية الاقتصادية مع آسيا الوسطى والصين
تسعى أفغانستان للابتعاد تدريجيًا عن منطقة جنوب آسيا والاتصال بمنطقة آسيا الوسطى لسببين. أولاً، أفغانستان متجانسة جغرافيًا تمامًا مع دول آسيا الوسطى حيث جميعها محاطة باليابسة. وهذا الوضع يمكن أن يربط أفغانستان مع هذه الدول عبر خطوط برية، وفي هذه الحالة، ستكون أفغانستان بمثابة محطة عابرة لآسيا الوسطى. ثانيًا، توجد نقاط خلاف كثيرة في منطقة جنوب آسيا، وكلما ارتبطت أفغانستان بهذه المنطقة، زاد تعرضها للأذى. بعبارة أخرى، جنوب آسيا بؤرة صراع. الصراع بين الهند وباكستان حول كشمير، والخلافات بين باكستان وأفغانستان ، وغيرها من الخلافات بين الدول الصغيرة في جنوب آسيا، جعلت عدم تشكل منظمة اقتصادية وأمنية فعالة في هذه المنطقة على عكس مناطق أخرى. إذ تم تشكيل الوضع في جنوب آسيا بطريقة تجبر الدول الضعيفة على وضع سياسات خارجية إما محورها باكستان أو الهند.
في آسيا الوسطى، المشاكل أقل من جنوب آسيا، ولدى دول هذه المنطقة مشاكل أقل مع أفغانستان. وفي السنوات الأخيرة، اتخذت خطوات أساسية للعلاقات الاقتصادية والعابرة بين أفغانستان وآسيا الوسطى، مكّنت أفغانستان إلى حد ما من إيجاد بديل عن باكستان في علاقاتها الاقتصادية والعابرة. ومع ذلك، لا تملك أفغانستان القدرات العابرة والمالية لتشغيل ممر عابر إقليمي بسعة كاملة نحو آسيا الوسطى والصين بشكل مستقل. من ناحية أخرى، على الرغم من وعود الصين خلال العشرين عامًا الماضية بتوصيل الصين وأفغانستان مباشرة عبر بناء معبر واخان في بدخشان أفغانستان، إلا أنها لم تتخذ خطوات فعلية في هذا الاتجاه بسبب تنسيقها السياسي مع باكستان وكذلك المشاكل الجغرافية والمناخية لمعبر واخان. ومؤخراً، توصلت حكومة طالبان وإيران إلى اتفاق يقضي بإنشاء هذا الممر التجاري بين إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى والصين بالمساعدات الفنية والمالية الإيرانية. وربما بسبب هذه المشاكل الفنية والمالية لأفغانستان، واستعداد إيران للتعاون الاقتصادي المشترك مع أفغانستان، توصلت حكومة طالبان مؤخرًا إلى أنه من خلال تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية مع إيران، يمكن تفعيل الممر التجاري بين إيران وأفغانستان
وآسيا الوسطى.