بمناسبة ذكرى استشهاد السيد نواب صفوي:
أعلنها في بيت المقدس تحرير فلسطين قضية إسلامية
الوفاق / تصادف هذه الأيام الذكرى السنوية الـ 68 على استشهاد السيد "مجتبى ميرلوحي" المعروف بالسيد "نواب صفوي"، الذي كان من أوائل القادة الثوريين الإسلاميين ضد حكم الشاه، وقد شكل اعتراف نظام الشاه بالكيان الصهيوني أحد المحاور الأساسية لمواجهة السيد الشهيد معه، فبعد إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948م اجتاحت المجتمعات الإسلامية موجات من الغضب والكراهية جراء تأسيس هذا الكيان الغاصب، ونظمت المنظمات والجماعات الشعبية في جميع أنحاء الدول الإسلامية والعربية مظاهرات حاشدة مطالبةً الحكومات والدول بالسماح لها بقتال العدو الصهيوني. في مثل هذه الأيام، عندما كان العالم الإسلامي يكافح كرجل جريح، اعترف النظام البهلوي وملكه رسمياً بهذا الكيان بأمر من الولايات المتحدة، ولاقى هذا الاعتراف رفضاً شديداً من السيد الشهيد نواب صفوي الذي اندفع وبكل حماسة لرفضه بكافة الوسائل، فقد طلب مراراً وتكراراً ترتيب تسليح المتطوعين الإيرانيين وإرسالهم إلى فلسطين المحتلة لمساعدة الشعب الفلسطيني". وهكذا، دعا علماء الإسلام المجاهدون، مثل آية الله "كاشاني" والشهيد السيد نواب صفوي، الشعب الإيراني إلى تسجيل أسمائهم للتوجه إلى فلسطين، في مقابل ذلك رفضت بعض الجماعات والأحزاب السياسية دعم هذا الحراك، وحاولت بكل الوسائل منع مشاركة الشعب الإيراني في الدفاع عن فلسطين، ولم يكتفوا بذلك بل قام بعض هؤلاء المثقفين المنادين بحقوق الإنسان كذباً بزيارة دولة الكيان الصهيوني سراً وعلانية حيث كانوا يستقبلون بالترحاب الشديد، ليقوموا بعد عودتهم بالترويج للكيان الصهيوني عبر مدح نظامه وتقدمه وتحرره عبر مقالاتهم الصحفية.
تحرير فلسطين قضية إسلامية
اعتبر السيد الشهيد نواب صفوي فلسطين المركز الرئيس للتوحيد وأرض إبراهيم الخليل(ع)، ورأى واجب تعبئة كافة القوى الإسلامية لتطهير أرض الأنبياء والوحي الإلهي من الأنجاس ووضعها بإمرة القيادة الصالحة وتنزيهها من الألاعيب السياسية،وكان يصفها بأرض الوحي ورسل الله (سبحانه وتعالى)، ولذا يجب العمل على تطهيرها من الظلم والفساد، وكان يعتقد اعتقاداً راسخاً أنه لا يمكن إنقاذها أبداً بالاعتماد على القومية العربية، بل يجب أن تتحرر بشعار الإسلام.
كان السيد الشهيد يحمل ضغينة شديدة ضد الصهيونية، وبينما تردد زعماء الدول العربية في مواجهة إعلان وجود هذا الكيان الغاصب واعتبروا القضية قضية عربية، رأى أن القضية الفلسطينية لا يمكن حلها بالقومية العربية، وقد عرف الصهيونية على أنها أخطر عدو للإسلام والإنسانية، ويجب التعامل مع هذا الشعب الخبيث والمؤذي بالطريقة نفسها التي تعامل معها النبي محمد (ص).
اعتبر السيد الشهيد المقاومة والاستشهاد هي السبيل الوحيد لإنقاذ فلسطين، وفي هذا الصدد، استغل كل فرصة لتسليح المسلمين للقتال ضد هذا النظام الغاصب.
رفض النظام البهلوي وكذلك حكومات الدول العربية مساعدة مواطنيهم لنضال الشعب الفلسطيني، وتركوا العدو الصهيوني يستفرد بالشعب الفلسطيني ويرتكب في حقه الجرائم والمجازر المروعة. وعندما تناهت أخبار هذه المجازر إلى أسماع الشعب الإيراني، اجتمع المجاهدون والمناصرون للقضية الفلسطينية في منزل آية الله "كاشاني" لتنطلق منه التظاهرات التي تصدرها وأدارها السيد الشهيد نواب صفوي وأصدقاؤه المقربون.
ونظمت مسيرة ضخمة في مسجد "الجامع السلطاني" احتجاجاً على القتل الوحشي للمسلمين الفلسطينيين وللتعبير عن الاشمئزاز من الأعمال الهمجية للصهاينة وإعلان الدعم للشعب الفلسطيني، اكتظ المسجد بالحضور وتعطلت حركة المرور في الشوارع المحيطة به، وكان ضغط الجمهور في باحة المسجد كبيراً لدرجة تحطم الأسوار الحديدية أمام المسجد. وأنشد بعض الشباب بشكل جماعي ترنيمة، أول بيت منها كان: نحن شباب إيران، نحن محبون للإسلام والدين، ومن ثم تُليَت البيانات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنددة بالاعتداءات الصهيونية عليهم.
فتح باب التطوع لقتال الصهاينة
في هذا الاحتفال أعلن السيد الشهيد عن فتح باب الانتساب أمام المتطوعين للمشاركة في القتال ضد العدو الصهيوني، وصدر البيان مذيلاً بعنوان فدائيان اسلام: إن الدماء الطاهرة لفدائيان اسلام تغلي نصرةً لإخوانهم في فلسطين، خمسة آلاف متطوع حاضر للتوجه لمساعدة الإخوة الفلسطينيين في دفاعهم عن أرضهم، ويطلبون بشكلٍ عاجل من الحكومة الإيرانية الإذن بالتحرك نحو فلسطين وهم ينتظرون رد الحكومة السريع. ولأن حركة 5000 شخص تطلبت نفقات وسلاحاً، التقى السيد نواب صفوي برئيس الوزراء آنذاك السيد إبراهيم حكيمي (حكيم الملك)، وقال إن الأهالي مستعدون للتحرك إلى فلسطين. ولأن جيشكم لا يدافع عن المسلمين المظلومين هناك، أعطوا الأمر بإعطاء السلاح للشعب، لكن لم تقبل الحكومة بذلك ورفضت طلبهم. لذا استمرت المسيرات الشعبية ضدها والمنددة بتعاملها مع الكيان الصهيوني.
مؤتمر القدس
أثارت الجرائم الصهيونية غيرة المسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي وخاصةً العلماء الذين تهادوا لعقد اجتماع باسم "المؤتمر الإسلامي" أو "مؤتمر القدس" من أجل إيصال صوت المظلومين واللاجئين الفلسطينيين إلى آذان العالم الإسلامي. ودعي لهذا المؤتمر والاجتماع جميع المتعاطفين مع القضية الفلسطينية من جميع البلدان الإسلامية وغير الإسلامية للحضور وملاحظة آثار الهمجية الصهيونية والإمبريالية، ونشرها في بلدانهم وتعريف مواطنيهم بها.
ففي 2 ديسمبر / كانون أول 1953 م، دُعي الشهيد السيد نواب صفوي للمشاركة في اجتماع في فلسطين يجمع بين زعماء ومفكري العالم الإسلامي للمناقشة حول الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للحفاظ على مدينة القدس وصيانتها من التهويد وحماية فلسطين من العدوان الصهيوني.
وفي هذا الاجتماع الذي ضم شخصيات بارزة من العالم الإسلامي أظهر السيد الشهيد حماساً واندفاعاً منقطع النظير دفاعاً عن فلسطين وأهلها ومقدساتها، وعندما وقف للصلاة في المسجد الأقصى المبارك، بكى لمدة خمس دقائق أثناء سجوده مهتزاً بكل كيانه أمام عظمة الله (سبحانه وتعالى).
وألقى في المؤتمر خطابات عدة، ألهبت الحماسة لدى المؤتمرين، إذ نادى فيهم بصوتٍ عالٍ وباللغة العربية "ألا استيقظوا" ، قائلاً لهم أن وقت الأكل والنوم قد ولى، وأنه جاء زمن إخراج الأجانب من أرضنا وإنقاذاً لأرواح وعقول الشباب المسلم وأجيال المسلمين القادمة، لذا لا بد من تقديم التضحيات ولا شيء سواها، وأنه يجب محاربة الثقافة الأجنبية والنهوض من أجل استعادة العظمة المفقودة. وفي وقت انعقاد المؤتمر زار المناطق الحدودية وقرى فلسطين واطلع على أوضاع اللاجئين العرب والأضرار التي سببها عدوان الكيان الصهيوني واعتبرها جزءاً من برنامج المؤتمر، وفي هذه الزيارات كانت مشاركة السيد الشهيد حماسية وفعالة أكثر من بقية المشاركين، ففي كل قرية فلسطينية زارها، أطلق تصريحاته الداعية إلى استعادة فلسطين بالمقاومة وبالسلاح وبأن لا خيار سوى هذا الطريق.
أي شخص مستعد للشهادة،
يأتي معنا!
يقتبس السيد عبد خدائي صديق الشهيد في مذكراته عن مفتي سوريا الذي جاء إلى إيران بعد الثورة الإسلامية قوله إنه لا يوجد شهيد عظيم مثل الشهيد نواب صفوي في التاريخ: " عندما جاء السيد الشهيد إلى مدينة القدس، رغبت في ملاقاته، خاصةً بعدما سمعت عنه وعن أرائه حول دعم القضية الفلسطينية في بلد يعترف نظامه بالكيان الغاصب، التقيت به في المؤتمر وتعرفت عليه، ومما أذكره من تصرفاته أنه بعد الانتهاء من احدى جلسات المؤتمر توجه المشاركون لزيارة مدينة القدس، وفي تلك الأيام كانت المدينة مقسمة إلى قسمين ولم يكن الأمر كما هو اليوم، فلم تكن المدينة بأكملها في يد الصهاينة، كانت المملكة الأردنية الهاشمية تسيطر على نصفها والنصف الآخر يقع تحت سيطرة العدو الصهيوني. وكان قائد القوات الأردنية هو المندوب البريطاني غلوب باشا. وكان هناك نحو أربعين عضواً من المؤتمر الإسلامي، وكان من بين هؤلاء الشهيد سيد قطب، والدكتور سعيد رمضان، والأستاذ محمد محمود الصواف، وأحمد سوكارنو(أول رئيس لاندونيسا بعد استقلالها). عندما وصلنا إلى الحدود والأسلاك الشائكة، وعند رؤية السيد الشهيد لمسجد خرب في القسم الذي يحتله الكيان الصهيوني توجه بسرعة إليه مخاطباً الجميع هل أنتم مستعدون للذهاب والصلاة في المسجد، كان يتحدث بالعربية الفصيحة بحماس شديد فأجابه الجميع ب" لبيك"، فقام بسحب السلك الشائك المحيط بالمسجد بيده وعبرنا جميعاً وصلينا فيه صلاة الجماعة بإمامته".
ويضيف :" قال أحمد سوكارنو لو أطلق علينا أحد الجنود النار لقتلنا جميعا بسبب دخولنا الأرض المحتلة، وعندما سمع كلامه الشهيد ابتسم، كنا نتمنى أن نصبح شهداء جميعنا بما أننا ممثلو الدول الإسلامية، مما يؤدي إلى تعرف العالم على الكارثة التي حلت بهذا الجزء من العالم. أراد أن نصبح جميعًا شهداء، ربما تستنفر الأمم الإسلامية وتثور ضد العدو الصهيوني الغاصب باستشهادنا".
وفي نهاية المؤتمر دخل الشهيد نواب لبنان ومن هناك توجه إلى جنوبه المحاذي للكيان الصهيوني، وألقى خطابات بين أهالي الجنوب اللبناني الذين كانوا يتعرضون للإعتداءات الصهيونية المتكررة، وكان يذكر ويردد في هذه المحاضرات أن السبيل الوحيد لمحاربة الصهيونية الغاصبة ومقاومتها بشكل مستمر هو بإتباع أوامر الإسلام.
اتخذه ياسر عرفات نموذجاً له
وكان ياسر عرفات أول شخصية سياسية جاءت إلى إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية. وأثناء لقائه بالإمام الخميني (قدس) ذكر السيد الشهيد نواب صفوي وقال: "عندما كنت طالباً وأدرس في مصر، جاء السيد الشهيد إلى جامعتنا وألقى كلمة. بعد الخطاب ذهبت إليه وقدمت نفسي، فقال لي: انت تدرس هنا ، عليك أن تنقذ الأمة الفلسطينية من براثن الكيان الصهيوني، فلسطين تموت تحت وطأة الصهيونية وأمريكا، وتريد أن تصبح مهندساً في هذا الوضع؟ وكان عرفات يقول للإمام: "لقد هزتني كلمات السيد الشهيد هذه، ونشأت في داخلي روح ثورية، فتركت دروسي واهتممت بعمل الحركة".