ماذا بعد الاعتداء الأميركي الأخير على الحشد الشعبي؟
عادل الجبوري
كاتب ومحلل سياسي
لو نظرنا من أية زاوية إليه، فإن الهجوم الأميركي الأخير على الحشد الشعبي، الذي أدى إلى استشهاد نائب قائد عمليات حزام بغداد والقيادي في حركة النجباء، مشتاق جواد (ابو تقوى) السعيدي ومرافقه قرب وزارة الداخلية العراقية وسط العاصمة بغداد، عبّر عن ضعف واضطراب واشنطن وحجم المأزق الذي تواجهه، ليس في العراق فحسب، وانما في عموم المنطقة وخارجها.
لم تتأخر الإدارة الأميركية في الاعتراف بتنفيذها لعملية اغتيال القيادي في الحشد الشعبي. ويبرر مسؤولون عسكريون اميركيون هذا الهجوم والاستهداف بأنه كان ردًا على أكثر من مائة عملية نفذتها فصائل مسلحة عراقية ضدّ القوات الأميركية المحتلة في العراق منذ بدء حرب "طوفان الاقصى" بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني.
بالفعل، نفذت المقاومة الإسلاميّة العراقية خلال الشهور القلائل الماضية عشرات الهجمات على القوات الأميركية التي تتمركز في عدد من القواعد العسكرية، مثل قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في أربيل، وقواعد أخرى في سوريا، في اطار هدفين، أحدهما يتمثل في السعي إلى إخراج تلك القوات من البلاد واستعادة السيادة الوطنية بصورة كاملة، لا سيما وأن واشنطن ماطلت وراوغت كثيرًا في مغادرة البلاد، بعدما كانت قد عادت بقوة في صيف عام 2014 تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، لترتكب مختلف الجرائم والانتهاكات والتجاوزات، ولم يكن آخرها استهداف مقرات الحشد الشعبي على الحدود العراقية - السورية ومن ثمّ اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني الحاج قاسم سليماني قرب مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني - يناير 2020.
وتمثل الهدف الأساسي من وراء عمليات المقاومة ضدّ القوات الأميركية، بدعم واسناد الشعب الفلسطيني في معركته ضدّ الكيان الصهيوني، والتي ألقت الولايات المتحدة الأميركية بكل ثقلها في تلك المعركة لمساعدة الأخير وتجنيبه الهزيمة. وفي كلا الجانبين، تشعر واشنطن أنها في مأزق كبير وخطير للغاية، وهي في الوقت الذي تتحرك فيه خطوة أو تبادر إلى فعل شيء ما حتّى تتخلص من ذلك المأزق، فإنها في الواقع تجد نفسها في وضع أسوأ. فمثلما أن اغتيال سليماني والمهندس لم يقلل من حجم وطبيعة الاستهداف لها، ولم يساهم في تعزيز أمنها وأمن قواتها، بل حصل العكس تمامًا، فإن اغتيال أبو تقوى السعيدي، لن يوقف سلسلة الإستهدافات المتكرّرة والمتواصلة لها في العراق وسوريا، وقد تتوسع مساحات ومديات الإستهدافات، ناهيك عن ان خيار انسحابها ومغادرتها العراق سيكون لا بد منه مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات والرفض السياسي والشعبي.
وليست خطوات وتحركات واشنطن وحدها هي التي تسببت وتسبب باستمرار بتعقيد المشاكل وتفاقم الأزمات والمازق، وانما خطوات وتحركات "تل ابيب" أيضًا، من قبيل اقدامها على اغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني رضي الموسوي في سوريا، وبعدها اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في لبنان، وربما لا تبتعد التفجيرات الإرهابية في مدينة كرمان الإيرانية قبل عدة أيام، والتي أوقعت عشرات الشهداء،
عن هذا السياق.
ولعل التجارب الطويلة والكثيرة والكبيرة، أثبتت عدم جدوى وعبثية خيار استخدام القوّة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضدّ أعدائها وخصومها، فالجمهورية الإسلاميّة الإيرانية ازدادت قوة وصلابة رغم كلّ المؤامرات والضغوطات عليها طيلة أكثر من أربعة عقود من الزمن، وكذا الأمر بالنسبة لحزب الله في لبنان، وحركة أنصار الله في اليمن، والمقاومة الفلسطينية، والمقاومة العراقية. فضلًا عن تجارب أميركا البائسة والفاشلة على الصعيد العالمي، بدءًا من حرب فيتنام قبل أكثر من خمسين عامًا، وصولًا إلى دورها الداعم لأوكرانيا في حربها الحالية مع روسيا. باختصار، اغتيال السعيدي - كما اغتيال من سبقه - لن يدفع أي طرف من أطراف المقاومة إلى الركون والاستسلام، ولن ينهي مطالب انهاء الاحتلال الأميركي، ولن يجعل أميركا وجنودها ومصالحها في العراق والمنطقة والعالم أكثر أمنًا واطمئنانًا واستقرارًا، وبالتأكيد أن العكس هو الذي حصل ويحصل.