الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • مقالات و المقابلات
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة وثلاثة وعشرون - ١٠ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة وثلاثة وعشرون - ١٠ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

امير كبير شهيد مكافحة الفساد والهيمنة الاستعمار‌ية

 

الوفاق / في نهاية القرن الثامن عشر، استطاعت قبيلة القاجار التركمانية، التي كان لها نفوذها منذ أن دعمت صعود الصفويين في إيران في بداية القرن السادس عشر، في السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد عام 1779م على يد أغا محمد خان، الذي استطاع توحيد البلاد، معلناً بدء عصر الدولة القاجارية.
حكمت السلالة القاجاريّة إيرانَ ما يقارب القرن ونصف القرن، بدءًا من سنة 1193هـ، وحتّی سنة 1344هـ (1779 - 1925م). وخلال فترة حكمها، تخلّف الشعب الإيرانيّ عن ركب الحضارة، علی مختلف الأصعدة الاجتماعيّة والثقافيّة والسیاسيّة. كما إنّ الاتفاقیّات المذلّة، التي أُبرِمَت في هذه الفترة، مع الدول القويّة وقتئذٍ، أساءت إلی إيران، وسوّدت صفحات تاريخها.
فقد قضى القاجار على طموحات شعبهم في مراحل مبكرة للغاية؛ حيث قاموا بتوقيع اتفاقيتين  مع روسيا وبريطانيا. وقد أدت الاتفاقيتان إلى تنازلات إقليمية واقتصادية ضارة بمصالح الفئات الاجتماعية الإيرانية التي كانت لا تزال في طور النشوء.
وكان من بين هذه التنازلات تخفيض عائدات التصدير للدولتين المذكورتين ومنحهما حق إنشاء وكالات تجارية في طهران، ومنح الإعفاءات الجمركية على بضائعهما، وقد نتج عن هذه التنازلات إغراق السوق الإيرانية بالبضائع الأجنبية المستوردة عالية الجودة؛ مما أضعف منافسة البضائع الإيرانية حتى اندثر العديد منها.
امير كبير رئيساً للوزراء
في ظل هذه الأجواء الاجتماعية والسياسية من حكم الدولة القاجارية ولد محمد تقي فراهاني المعروف بـ" أمير كبير" في هزاوه من ضواحي فراهان. اتسم أميركبير منذ صغره بالذكاء والفطنة، وهو ما لفت انتباه رجالات الدولة المقربين من ولي العهد عباس ميرزا ابن فتح علي شاه، وارتبط أمير كبير بأسرة القاجار وولي عهده عباس ميرزا وبات محل ثقة العائلة المالكة من خلال الوزير عيسى فراهان، وتدرجت علاقاته مع الأسرة القاجارية الحاكمة وسطع نجمه بعد عقده لإتفاقية أرضروم لحل الخلافات الحدودية بين الدولة القاجارية والدولة العثمانية وبموجبها أصبحت مدينة خرمشهر وميناءها والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية من شط العرب تابعة للحكومة القاجارية بعد أن كانت تتنازع عليها مع الدولة العثمانية، وأصبحت المعاهدة بمثابة إنجاز عزز مكانته السياسية.
عيّن امير كبير في عهد ناصر الدين شاه أمير كبير رئيساً للوزراء، وهكذا تسلم الميرزا  أميركبير منصب رئاسة مجلس وزراء إيران واستمر في هذا المنصب لفترة قصيرة مدتها ثلاث سنوات وشهر واحد و27 يومًا، وأصبح  بذلك الرجل الثاني في البلاد بعد الشاه، ونال صلاحيات واسعة كان يحلم بها لتحقيق أهدافه وأفكاره، وبعد عام من وصوله إلى رئاسة الوزراء تزوج بأخت الشاه الجديد “عزت الدولة”، وبات أكثر نفوذا في الدولة.
وبدأت إصلاحاته بعد وقت قصير من توليه منصبه واستمرت حتى نهاية فترة رئاسته القصيرة التي قاد خلالها حملة من الإصلاحات في كافة القطاعات الحيوية في البلاد كالجيش والتعليم والحكم والدين، بالإضافة إلى الاقتصاد والسياسة وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي وقام بخدمات وإصلاحات أساسية وهيكلية تذكر في تاريخ إيران الثري والحضاري.
وَرَثَ فساداً مستشرياً وسيطرةً غربيةً
ورث أمير كبير وضعاً غير مناسب على الإطلاق وكان مليئاً بالمشاكل والعقبات أمام العمل والإصلاح، سعى إلى محاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة وفي كل مكان في البلاد. كان كادر الهيئة الحاكمة غارقًا في الفساد بشكل لا يمكن إصلاحه. وكان جنوب وشمال البلاد في أيدي إنجلترا وروسيا. غابت الصناعة الموجودة في البلدان المتقدمة في ذلك الوقت عن إيران، وحتى الحرف اليدوية القليلة الموجودة في البلاد  كانت تتعرض للإفلاس في مواجهة هجمة المصنوعات اليدوية في البلدان المتقدمة. ظلت الزراعة وتربية الحيوانات على حالها  كما كانت في العصور الوسطى. ولو فكر أحدهم في استغلال ما تتمتع به إيران من ثروات طبيعي، لم يستطع إلى ذلك سبيلاً بسبب استشراء الفساد والهيمنة الغربية.
في ظل هذه الأجواء الشديدة السوء بدأ أمير كبير مسيرته الإصلاحية، فإتجه لإصلاح البيت الداخلي فقام في بداية خطواته الإصلاحية بعزل عدد كبير من حكام الولايات، وإزالة نفوذ رجال الحاشية، وقطع المعاشات التقاعدية الاستثنائية التي كانت تُمنح للأفراد دون سبب. وتشكيل فرق نظامية ومسلحة، والقضاء على الهيمنة القبلية، وتوسيع نطاق التعليم عبر اعتماد مبادئ التعليم الأوروبية.
أمّا سياسته الخارجية فتمثلت بإقامة علاقات ودية واحترام متبادل مع جميع الدول، وكسر القيود التي فرضت على حكومة وشعب إيران بسبب إبرام المعاهدات السابقة. تحسين وضع السفارات الإيرانية في الدول الأخرى، وعمل على تقليص نفوذ الأجانب في الشؤون الداخلية الإيرانية.
توحيد إيران وقمع الانفصاليين
عندما تولى أمير كبير زمام الأمور، كانت البلاد تشهد خلافات داخلية وصراعات بين القوى المحلية في كافة المناطق؛ حيث شمل الانفلات الأمني كافة مناطق غربي البلاد وجنوبها وكذلك شرقي وشمالي البلاد، وعصفت الفتن بالمدن الشمالية والشمالية الغربية من البلاد مثل السرطان المستشري.
لم يدخر أي جهد لترويض المتمردين وقمع الانفصاليين وحماية البلاد من الانقسام والتفتت. وفي فترة قصيرة استطاع  القضاء على حركة التمرد في مناطق الجنوب، رغم اتساعها وعمقها، ووضع المنطقة بأكملها تحت سيطرة الحكومة المركزية. وكان هذا النجاح مفاجئاً لدرجة أنه بعد كل التقارير التي قدمها إلى وزارة الخارجية حول انعدام الأمن والفوضى في المنطقة الجنوبية قبل ذلك التاريخ، كتب ممثل بريطانيا  في إيران إلى وزارة الخارجية البريطانيا: "لقد مرت سنوات عديدة لم تكن منطقة فارس مطيعة كما هي الآن تحت طاعة الحكومة المركزية".
ونظرًا لقرب بلوشستان وسيستان من الهند وأفغانستان، حاولت إنجلترا أن تجعل الحكام والقادة المحليين لهذه الدول دمى لها. ولذلك بدأ القادة البلوش في هذه المناطق بالتمرد تحت تأثير الاستفزازات البريطانية بسبب قيام الهند بفصل هذه المناطق عن إيران. وقد منع أمير كبير تنفيذ الخطة البريطانية بطريقتين: الأولى تعزيز الحكومة المركزية والثانية دعم الحكام المحليين ورؤساء ولايتي بلوشستان وسيستان وإسناد بعض المهام والخدمات الحكومية إليهم.
تدعيم الاقتصاد الوطني
قدّر أمير التقنيات الغربية وأدرك تأثيرها الاقتصادي. لذلك، كانت إحدى الخطط المهمة لبرنامجه في تطوير إيران هي إنشاء صناعات جديدة. تضمنت خطة أميركبير لبناء الصناعة الوطنية استخراج المناجم وإنشاء مصانع مختلفة وتوظيف أساتذة فنيين من إنجلترا أو المانيا  وإرسال صناعيين إلى روسيا ودعم المنتجات المحلية.
كذلك كان يؤمن بفكرة الانفتاح على العالم الخارجي بالتزامن مع تنمية القطاعات الداخلية للاقتصاد، فعمل على بناء وتوسيع أسواق طهران وتبريز، واهتم بتحديث شبكة الطرق، وفرض ضرائب على الواردات، ما جعل تجار الداخل يصدرون البضائع أكثر من استيرادها، الأمر الذي ساهم في زيادة نسبة الصادرات على الواردات في عهده.
قام كذلك بإجراء إصلاحات واسعة في الشؤون الدينية متخذاً عدة خظوات في هذا الصدد، فألغى عادة التطبير المنتشرة في مراسم عزاء عاشوراء، وحل وزارة “دار الشرع” التي كانت تمارس نوعاً من الاضطهاد على غير المسلمين، وأعطى الأقليات الدينية مزيداً من الحقوق والامتيازات.
ثقافياً، أسس أمير كبير “دار الفنون” والتي تُعد بمثابة أول جامعة إيرانية بالمفهوم الحديث، وكانت تُدرّس العلوم الجديدة على يد العلماء الغربيين، لاسيما من النمسا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، ولعبت دوراً فاعلاً ومؤثراً في تثقيف شرائح من المجتمع الإيراني وعلى رأسهم عدد من الأمراء وأفراد الأسرة القاجارية.
شهيد مكافحة الفساد
 أثارت إصلاحات أمير كبير حسد الأمراء ورجالات الدولة الذين قلقوا من نفوذه الواسع في إيران الذي يهدد مصالحهم، فحاربوه منذ العمل على إفشال مشاريعه وخططه  الإصلاحية  واجتهدوا في الإيقاع به عند الشاه وتلفيق التهم. وكذلك سعى البريطانيون للتخلص من الوزير القوي الذي  كان يشكل خطراً على  نفوذهم في إيران، وبالفعل انتهت كل هذه المؤامرات بإصدار الشاه قرارا بقتله، ونُفّذ بعد بضعة أيام من قرار عزله.

البحث
الأرشيف التاريخي