الصفحات
  • الصفحه الاولي
  • محلیات
  • اقتصاد
  • الثقاقه و المجتمع
  • دولیات
  • الریاضه و السیاحه
  • طوفان الأقصى
  • منوعات
العدد سبعة آلاف وأربعمائة واثنان وعشرون - ٠٩ يناير ٢٠٢٤
صحیفة ایران الدولیة الوفاق - العدد سبعة آلاف وأربعمائة واثنان وعشرون - ٠٩ يناير ٢٠٢٤ - الصفحة ٤

أحبّك خضراء.. سينما فلسطينيّة بلغة الحرّيّة

قدّم "متحف الفنّ العربيّ الحديث" في الدوحة، في مبادرة "سينما متحف" التضامنيّة مع الشعب الفلسطينيّ والقضيّة، سهرة سينمائيّة عُرِضَت فيها ثلاثة أفلام مختلفة في مضامينها، ومتّفقة في اتّجاهها؛ أفلام فلسطينيّة صُنِعت بأيادٍ وأفكار فلسطينيّة.
كأنّنا عشرون مستحيلاً
فيلم "كأنّنا عشرون مستحيلاً"، فهو فيلم قصير (16 دقيقة) صَدَر عام 2015 من سيناريو المخرجة الفلسطينيّة آن ماري جاسر وإخراجها وإنتاجها. وهو فيلم يدمج بين الواقعيّ والمتخيّل، تنقل فيه جاسر لحظة صناعة الفيلم الفلسطينيّ في فلسطين، أو اللحظة السينمائيّة في الحياة الفلسطينيّة؛ لتنتبه وتنبّهنا نحن المشاهدين إلى هذه الملاحظة الحسّاسة والمؤلمة؛ في كوننا نعيش في لحظة سينمائيّة لا تتوقّف أبداً، ولهذا لا يمكننا أن نتوقّف عن تشغيل الكاميرا، لا يمكن أن نطفئ كاميراتنا عن هذا الواقع وعن أبطاله وأشراره.
اليد الخضراء
أمّا في فيلم "اليد الخضراء"، الصادر عام 2022، فتتفرّد جمانة منّاع في هذا الفيلم عن غيرها من صنّاع الأفلام الفلسطينيّة؛ لتأخذنا في رحلة برّيّة نحو وجه آخر للصراع الفلسطينيّ اليوميّ المعيش الّذي لا ينتهي، وقد لا يقترب من أشكال الصراع الموجودة في مخيّلة المتابع العربيّ والأجنبيّ.
يبدأ الفيلم من لقطة عالية وخضراء، من سهل أخضر يتحرّك فيه رجل وحيد يحتمي بشجرة، تترافق حركاته مع موسيقى توطّئ ذهن المشاهد للتوتّر الّذي سيعيشه مع الرجل المختبئ. يبدو المشهد الأوّل عمليّة فدائيّة ضدّ الاستعمار، لكنّ الفيلم سرعان ما يكشف عن وجهته، باستعراض لقطات قديمة من التلفزيون الإسرائيليّ تتحدّث عن الزعتر؛ الزعتر البرّيّ، والعكّوب، والعرب وخبزهم الوطنيّ. إذن، هذا هو الفيلم.
يستعرض الفيلم مجموعة من المحاكمات الكافكاويّة لشخصيّات فلسطينيّة متورّطة في قطف الزعتر والعكّوب. وبين الوثائقيّ والروائيّ، يتنقّل الفيلم بين شخصيّات عدّة تنتمي إلى أماكن مختلفة في فلسطين والأراضي المحتلّة؛ من جبال القدس، وقرى الجليل، وطبريّا، وصولاً إلى هضبة الجولان. وتقدّم كلّ شخصيّة مستوًى مختلفاً من الحياة الاجتماعيّة، إلّا أنّها تجتمع جميعها في ممارسة بيئيّة ثقافيّة حضاريّة توارثتها جيلاً بعد جيل.
لا يخلو الفيلم من اللون الأخضر على طول مشاهده، بل يبدع في تصوير النباتات والزرعات الّتي يأكلها أهل فلسطين وبلاد الشام عموماً بشكل شبه يوميّ، من خلال استعراض طاولات الأمّهات اللّاتي يعملن على تنظيف هذه الخضراوات الّتي تدخل في صميم الهويّة الثقافيّة لهذه المنطقة وتقطيعها وفرزها. وفي الوقت ذاته، يأتي صوت المعلّق الإسرائيليّ وباللغة العبريّة في خلفيّة هذه الممارسة الحضاريّة؛ ليعلّق على كونها تجارة غير قانونيّة، وجريمة يحاسب عليها القانون؛ أي قانون الاستعمار الّذي يحظر قطف العكّوب وغيره من النباتات بهدف حماية الطبيعة.
الصراع البيئيّ الحضاريّ
وبذلك يسحب الفيلم الصراع الفلسطينيّ الصهيوني من دوائره العسكريّة والاستيطانيّة، نحو بُعْد جديد بيئيّ يمسّ الشخصيّة الحضاريّة للفلسطينيّ عموماً، والفلّاح الفلسطينيّ خصوصاً؛ إذ يصبح الزعتر محرّماً والعكّوب تهمة للقبض على الحياة اليوميّة في الأراضي المحتلّة عام 1948.
في حين ينطلق العنوان العربيّ من إرث ثقافيّ عربيّ، ومن مفهوم مهمّ في الحضارة الزراعيّة في المنطقة، مفهوم اليد الخضراء، وهي اليد الّتي تستطيع الزراعة وتمنح الزرع الرعاية، وتقدر على المنح؛ اليد الخضراء الّتي ورثت حبّ الأرض عبر أجيال متتابعة من الأجداد  وزرعهم.
ستتلخّص قدرة الزعتر البرّيّ على المقاومة، ومخاوف الاستعمار منه، الاستعمار الّذي يسرق كلّ ما هو فلسطينيّ من المطبخ حتّى آخر نقطة دم. ستتلخّص قدرة هذه النباتات، وقدرة الأرض، وقدرة اليد الخضراء الواهبة للحياة، عبر المشاهد البسيطة الّتي كرّستها المخرجة للنساء الفلسطينيّات في هذا الفيلم. النساء اللّاتي يشبهن جدّاتنا جميعاً، اللّواتي يطبخن لنا بكلّ حبّ، النساء اللّواتي يهبن هذه الأرض ونباتها معناها. ينتهي الفيلم بحوار عميق بين سيّدتين، وعبر لقطة بعيدة في سهل أخضر، وبيوت قديمة ترمز إلى فلسطين التاريخيّة، وربّما تعيدنا لمحمود درويش الّذي يقول: أحبّك خضراء، يا أرض خضراء.

البحث
الأرشيف التاريخي