إخفاقُ الكيان في غزّة يدفعُهُ إلى الاغتيالات والتفجيرات الإرهابيّة
تتمة المنشور في الصفحة 1
وبحسب صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية، فإنّ تكلفةَ تجنيد قوّات الاحتياط الصهيونية، التي تُقدِّرُها وزارةُ ماليّة الاحتلال بمليارَيْ شيكل أسبوعيّاً، أعلى بكثير من تلك التي يُقدِّرُها مصرفُ "إسرائيل" الذي أشارَ إلى أنّ تكلفةَ فقدان أيام العمل نتيجةَ تعبئةِ قوّاتِ الاحتياط تُقدَّرُ بنحو (500) مليون شيكل (138 مليون دولار) أسبوعيّاً، وتُقدِّرُ وزارةُ الماليّة التكلفةَ المباشرةَ ليوم الاحتياط (دَفْع أجور جنود الاحتياط والمعدّات والطعام وما إلى ذلك) بمبلغ (70) مليون شيكل (19.43 مليون دولار) لكُلِّ (100) ألفِ مُجنَّد.
وتنقلُ صحيفةُ "ذا ماركر" عن مُحلّلةِ الشؤون الاقتصادية "ميراف أرلوزوروف" قولَها إنّهُ بافتراضِ أنّ ثمّةَ (200) ألف جُنديّ احتياطيّ، فإنّ تكلفتَهُم المباشرة ستبلغُ نحوَ (150) إلى (200) مليون شيكل يوميّاً (41.63 مليوناً إلى 55.5 مليون دولار)، تُضافُ إليها الأضرارُ التي لَحِقَتْ بالاقتصاد جرّاءَ تغيُّب هذه القوّات عن سوق العمل، في وقتٍ يبلغُ مُعدَّلُ الأجر الشهريّ للفرد منهم (12) ألف شيكل (3330 دولاراً)، وهذا ما دفعَ كثيراً من الكُتّاب والمُحلّلين الصهاينة إلى القلق على مصير الكيان نتيجةَ الخسائر الاقتصاديّة الكبيرة والتَّخبُّط في الموقف السياسيّ، وفي هذا الشأن يُؤكِّدُ الكاتبُ الصهيونيّ "يوسي يسوع" في مقالٍ تحليليّ نشرَتْهُ صحيفةُ "يديعوت أحرونوت" أنّ "ثمّةَ حقيقةً صارخةً تتبدّى داخلَ أروقة وزارة الدفاع مفادُها أنّ الحربَ كبّدتْ كيانَ الاحتلال نفقاتٍ باهظةً بلغتْ (١٨) مليار دولار، وهو مبلغٌ يتجاوزُ المُوازنةَ المُخصَّصةَ للدِّفاع كاملةً".
دفعتْ هذه الخسائرُ الاقتصاديةُ الكيانَ الصهيونيَّ إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب على فلسطينَ ودُوَلِ مِحوَرِ المقاومة، ولا سيّما بعدَ الخسائر الكبيرة التي أصابت الضُّبّاطَ والجُنودَ الصهاينةَ، وأدّتْ إلى سقوط المئات منهم قتلى على أرضِ غزّة، إضافةً إلى آلافِ المُعاقينَ من الضُّبّاط والجُنود الصهاينة، وهو ما أكّدتْهُ صحيفةُ "يديعوت أحرونوت" في تقرير مُفصَّل نشرَتْهُ يومَ الجُمعة (٥- ١- 2024)، مُؤكِّدةً أنّ عددَ الجنود المُعاقِينَ الذينَ يحتاجُونَ إلى دُخولِ قسمِ التأهيل سيَصِلُ في عام (٢٠٢٤) إلى (١٢٥٠٠) مقاتل، وهذا الرقمُ لا يشملُ المدنيّينَ المُصابينَ منذُ السابع من تشرين الأول (٢٠٢٣).
رافَقَتْ هذهِ الخسائرَ الكبيرةَ في الأرواحِ والاقتصادِ في الكيانِ الصهيونيِّ خلافاتٌ سياسيّةٌ وعسكريّةٌ كبيرةٌ بينَ رئيسِ وُزراءِ الكيانِ "بنيامين نتنياهو" ووزير أَمْنِهِ "يوآف غالانت"، وصلتْ إلى حدِّ اتّهامِ رئيس وُزراء الكيان بالإضرار بأمنِ الدولة، وَفْقَ ما أكّدتْهُ القناةُ (١٢) الصهيونيّة، وهذا ما دفعَ زعيمَ المُعارضة الصهيونيّة "يائير لابيد" إلى الحديث عن خطورة الحكومة الصهيونيّة على "الدولة"، مُتَّهِماً إيّاها بالعَجْزِ عن اتّخاذِ القرارِ الاستراتيجيِّ وقيادتِهِ، مُطالِباً "نتنياهو" وحُكومتَهُ بالرَّحيل.
ولم يَكُنِ انتقالُ الحكومة الصهيونية إلى مرحلة جديدة من الحرب ليقتصرَ على الداخل الفلسطينيّ فحسب، بل تعدّاهُ إلى خارج فلسطين المُحتلّة أيضاً، إذْ شَهِدَتِ الأيّامُ القليلةُ الماضيةُ اغتيالَ عددٍ من قادة المقاومة داخلَ الأراضي اللُّبنانيّة، وبالتحديد في الضاحية الجنوبيّة، حيثُ المَعْقِلُ الرئيسُ لحزب الله، كما اغْتِيلَ عددٌ من قادة المقاومة في سورية والعراق، وشَهِدَتِ الأراضي الإيرانيّةُ تفجيراً دمويّاً كبيراً أودى بحياةِ عشرات الشُّهداءِ في محافظة كرمان في إحياءِ ذِكرى استشهادِ الحاج قاسم سليماني ورفاقِ دَرْبِه، وهُوَ التفجيرُ الذي ظهرَتِ فيهِ الأصابعُ الصهيونيةُ التكفيريّةُ بوضوح.
ولم تَكُنْ هذه الاغتيالاتُ والتفجيراتُ الدمويةُ الجبانةُ لتتمَّ لولا التنسيقُ الأميركيُّ الصهيونيُّ الإرهابيّ، ولولا الإخفاقُ الصهيونيُّ الكبيرُ في تحقيق إنجازاتٍ سريعة داخلَ الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتحديد في قطاع غزّة، وتُؤكِّدُ هذا تصريحاتُ مُستشار الأمن القوميّ "الإسرائيليّ" السابق "تشاك فريلتش"، التي قالَ فيها: "نحنُ في المرحلة الثالثة"، في إشارةٍ إلى الانتقالِ من الغارات الجوّيّة والغزو البرّيّ إلى ما تُطالبُ بهِ الولاياتُ المُتّحدةُ من التركيز على أهدافٍ مُعيَّنة وعملياتٍ نوعيّةٍ مُحدَّدة ضدَّ حماس، مُضيفاً: "أعتقدُ أنّنا نتحرّكُ نحوَ وضعٍ جديد، وهو أمرٌ تدعُو إليهِ الولاياتُ المُتّحدةُ منذُ البداية"، وتُؤكِّدُ المعلوماتُ أنَّ الولاياتِ المُتَّحِدَةَ الأميركيّةَ أعطَتِ الكيانَ الصهيونيَّ الضوءَ الأخضرَ للبَدْءِ بعَمَليّاتِ الاغتيالِ المُركَّزة، معَ عدمِ السَّماح بتوسيعِ مساحةِ الحرب لِـمَـا يَحْمِلُهُ هذا من سلبياتٍ ومخاطرَ على الكيان الصهيونيّ والولايات المُتّحدةِ الأميركيّة، ولا سيّما معَ اقتراب موعدِ الانتخابات الرئاسيّةِ فيها، وفي هذا السِّياقِ تُؤكِّدُ صحيفةُ "بوليتيكو" الأميركيّةُ أنَّ التطوُّراتِ محفوفةٌ بالمخاطر، ليس على الأمْنِ الإقليميّ فحسب، بل على فُرَصِ إعادةِ انتخابِ الرئيس "بايدن"، الذي دخلَ البيتَ الأبيضَ معَ تعهُّداتٍ بإنهاء الحرُوب.
وأكّدت الصحيفةُ أنّهُ حتّى دُونَ وُجودِ قُوّاتٍ أميركيّةٍ في أيٍّ من الصِّراعَينِ (أوكرانيا و"إسرائيل")، فقد يرى النّاخِبُونَ أنّ العامَ (2024) هو فُرصتُهُمْ للتعليق على سُؤالِ السياسة الخارجيّةِ الرئيسِ في هذه الانتخابات: إلى أيِّ مدى يجبُ أن تُشارِكَ أميركا في الحُروبِ الخارجية؟ وَفْقَ الصحيفة.
وهُنا تظهرُ النِّدّيّةُ الكبيرةُ والتناقُضُ في المواقف بينَ "بايدن" الذي تعهّدَ بدعم أوكرانيا معَ وُقوفِهِ بقُوّةٍ خلفَ "إسرائيل"، وبينَ الرئيس السابق "دونالد ترامب"، المُنافسِ الجمهوريِّ الأكثر احتمالاً، لـ"بايدن"، الذي تفاخرَ بأنّهُ يستطيعُ إنهاءَ العمليّةِ الرُّوسيّةِ في غُضونِ ساعاتٍ فقط، وقالَ إنّ الولاياتِ المُتّحدةَ يجبُ أن تتّخِذَ نَهْجَ عدمِ التدخُّلِ في القِتالِ بينَ "إسرائيل" وحماس.
لقد نجحتْ قُوى المقاومة الوطنية الفلسطينية في ضَرْبِ القُوّةِ الأمنيّةِ والعسكرية والاقتصادية والسياسية والاقتصادية للكيان الصهيونيّ، وهو ما أجْبَرَهُ على سَحْبِ خمسةِ ألويةٍ من مُقاتليهِ داخلَ قطاعِ غزّة وإعادتِهم للمُساعدةِ في إنعاشِ الاقتصاد الصهيونيّ، وَفْقَ ما أكَّدَهُ المُتَحدِّثُ باسم جيش الاحتلال "دانييل هاغاري"، كما أنّ صلابةَ المقاومين، وتَمسُّكَهُمْ بأرضِهم، وشراسَتَهُمْ في الدِّفاعِ عنها، والتَّصدّي لقُوّاتِ الاحتلال، دَفَعَ الكيانَ إلى البحث عن إنجازاتٍ وانتصاراتٍ وهميّة من خلال الاغتيالات والتفجيرات الإرهابيّة، التي يُمكِنُ أن تزدادَ وتيرتُها في الأيام الـمُقْبِلَة.